[سلسلة] من تجربتي الذاتية: كيف تصبح شخصية فريدة من نوعها في خطوتين فقط؟؟
التميز سلعة صعبة المنال؛ لكن إذا حصلت عليها ستصبح أغني البشر وأفضلهم
add تابِعني remove_red_eye 29,562
قبل أن أبدأ مقالتي اليوم، أنصحكم أن تقرؤوا أولًا مقالتي السابقة (الحضارة الشعورية)؛ لأنها الأساس التي سنبني عليه السطور التالية.
دعوني الآن أخبركم بقصة جعلت كل من حولي يخبرونني أني من عالم آخر، تلك القصة دارت أحداثها في منتصف التسعينيات، أعتقد أن عمري وقتها كان (5) سنوات، كانت عائلتي بأكملها في المصيف، كان عددنا يفوق الخمسين فردًا، وفي ثاني أيامنا هناك اختفى أخي، مضت تلك الساعات كالجحيم على والداي؛ فأخي هو آخر العنقود، وهو الولد الوحيد مع بنتين، وعلى الرغم من أن أبي لم يفرق بين ثلاثتنا إلا أن جذورنا الصعيدية تجعلني أظن دائمًا أن الولد أهم في عائلتي أكثر مني أنا وأختي؛ فكنت أقول دائمًا لا أريد أن يصيبه مكروه، فليصيبني أنا عوضًا عنه؛ فأنا لست بقدر أهمية أخي.
بعد ساعتين تقريبًا وجد أحد أقربائنا أخي، وانتهي الكابوس ليبدأ كابوسي، فبعد يومين كنت في البحر مع أخوتي وشمسية أسرتي أمامي؛ لكن موجات البحر ألقتني بعيدًا عنهم، وقتها كان وزني عشرين كيلو أو ربما أقلّ، خرجت من البحر وأنا أشعر بالدوار، بحثت عن أهلي فلم أجدهم، ذهبت شرقًا وغربًا ولم أجدهم، اختفي أهلي تمامًا من حياتي، تلك اللحظات كانت أسوأ لحظات حياتي وأكثرها ظلمة، وقتها أقنعت نفسي بفكرة غريبة جدًّا للسيطرة على مشاعري، وهي أن أهلي ليسوا أهلي الحقيقيين، وما هم إلا والداي بالتبني وأن ضياعي منهم فأل خير؛ وبعد قليل سأعثر حتمًا على أهلي الحقيقيين؛ لكني وعلى الرغم من ذلك بحثت عنهم.
وأثناء بكائي الشديد وجدني بائع آيس كريم، ووضعني كالدمية على عربته وأعطاني آيس كريم، في تلك اللحظة شعرت أن الله أعطاني طوق نجاة ليشاركني تلك اللحظات الفارقة في حياتي، تخيلت أنه لن يتخلى عني حتى أجدهم، وربما يتبناني ويأخذني إلي أسرته وسأعيش معهم بهوية غير هويتي، وبعد أن أخبرته بقصة حياتي واسمي بالكامل وأن شمسية أسرتي محفورة قرب الشاطئ مباشرة، عثرت عليهم أخيرًا.
أتذكر حينها أن والدي رآني وأخبرني أنهم كانوا بصدد السؤال عني منذ لحظات، طبعًا أختي كالعادة قالت لي:
“يا بختك ضعتي بس أكلتي آيس كريم من غيري”.
المغزى من تلك القصة أني وجدت طريقي دون مساعدة من أحد سوى هذا الغريب، وحتى الآن الجميع يخبرونني أني سأستطيع النجاة حتى لو اضطرتني الظروف للعيش مع أسوأ أنواع البشر، أتعرفون لماذا ساعدني القدر يومها، بعد إرادة ربنا؟ بسبب “الفطرة” و”الإنسانية”.
وهذا هو ما يجعلنا مميزين؛ فمن أنقذني يومها كانت فطرتي المجردة من المساوئ التي تراكمها الحياة وترسخها في شخصيتنا، وإنسانية هذا الغريب الذي ترك عمله وظل يبحث معي عن أسرتي.
كيف حافظت على فطرتي وتعلمت درس الإنسانية من غريب
1-الفطرة
أتدرون لماذا يعشق البشر الأطفال، ولا يجرؤون على أذيتهم؟ لأنهم لا يتصنعون مشاعرهم، كلامهم ونظرتهم للبشر حقيقية جدًّا، فإذا أحبوا شخص ما بخلاف أمهاتهم اعلموا يقينًا أن هذا الشخص نقيّ مثلهم، بالنسبة لي الأطفال هم معايير فطرتي؛ فكلما غفا أحدهم بين ذراعي، وأخذني الآخر لسرد القصص له، وكلما اجتمع حولي الأَطْفال أينما ذهبت واستاءوا من أيّ شخص يحول دون استمتاعنا بالمكعبات وتجميع الأحجية، كلما تأكدت واطمأننت أني لا زلت على الفطرة، وأن الحياة لم تترك في شخصيتي بصماتها الملوثة بالمصالح والمنفعة الشخصية.
لهذا نصيحتي لك عزيزي القارئ إذا أردت أن تكون متميزًا حاول بقدر المستطاع أن تبقي على الفطرة وألا تسمح للحياة بأن تحولك لشخص آخر لا تستطيع التعرف إليه إذا نظرت في المرآة، مهما كانت الظروف ومهما أصابك من خيبة أمل وصدمات ومآسٍ من البشر ومن القدر.
2-الإنسانية
وهنا لن أطالبكم باتباع أساسيات الإنسانية، والتي تبدأ بمساعدة الآخرين والتعاطف معهم، وتنتهي بوضع أنفسنا في موقفهم والتماس الأعذار لهم؛ لكني سأرجو منكم أن تكونوا مختلفين، أن تكونوا النسخة الوحيدة الموجودة في الكون، لا أعرف السبب الحقيقي وراء تداخل أفكاري مع بعضها؛ لكن ما يسيطر على تفكيري حاليًا هو الحديث الشريف: “يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قُلْنَا: مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لا، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ، قِيلَ: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْت”.
ربما لن تجدوا رابطًا بين كلامي وبين الحديث الشريف؛ لكن بالنسبة لي هنالك رابط واضح جدًّا؛ فكوننا كغثاء السيل أكبر دليل على إننا سائرون بأعداد كبيرة نحو طريق نجهله، متشابهون لدرجة مخيفة، شخصياتنا واحدة لا يوجد فينا شخص مختلف يخبرنا بضرورة تغيير الطريق، أو حتى تغيير وجهتنا التي نسير نحوها مغيبين، أصبحنا مع الأسف أشخاصًا عاديين جدًّا، نسير مع الركب فحسب، حتى إذا كان هذا الركب يسير باتجاه الهاوية، أصبح انعدام الإنسانية هي الظاهرة المسيطرة على كل البشر الآن، لدرجة أننا أصبحنا نبحث بشمعة عن صفة الشفقة والتعاطف في عصرنا الحالي.
من وجهة نظري التميز لا ينحصر في الثروة أو الذكاء أو حتى النجاح، بالنسبة لي كل هذا عبارة عن فروق فردية يسعي إليها البشر لإثبات قدراتهم لأنفسهم أو للآخرين ولا علاقة لها بالتميز؛ فلا يمكننا أن نصنف التميز وفقًا لتلك المعايير الواهية، ونتجاهل تمامًا أن التميز الحقيقي هو أن تكون مختلفًا، أن تكون إنسانًا يقبل الآخرون بكل حالاتهم حتى ولو كانوا مختلفين.
في الختام أود أن أصحح أسوأ اعتقاد لدى البشر، وهو أن الأشخاص المختلفين عنا ما هم إلا غريبو أطوار أو فئة يجب الابتعاد عنها، للأسف البشر جاهلون لدرجة أنهم لم يدركوا حتى الآن أن الاختلاف هو ما يجعلنا مميزين، وهنا لا أتحدث عن الاختلاف السلبي، المنافي للآداب والدين والعادات؛ ولكن ما أعنيه بالاختلاف هو أن تحافظوا على فطرتكم، وألا تسيروا مع الركب، وأن تنقذوا إنسانيتكم من أعاصير الحياة التي تعصف بنا، وألا تستسلموا حتى تعثروا على هويتكم الحقيقية.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 29,562
تجارب ملهمة ومثيرة تساعدك في فهم أهمية الفطرة وقبول ذاتك والآخرين
link https://ziid.net/?p=69205