الحيل العقلية الدفاعية: كيف ينقذك عقلك من الأمراض النفسية؟
حينما تصاب بصدمة أو تسقط في صراع، لا يقف عقلك هكذا مكتوف الأيدي بل يتدخل ليحميك عن طريق آليات الدفاع.
add تابِعني remove_red_eye 61,406
في مراهقتي حينما كنت أشعر بالإحباط لأي سبب، كنت أغمض عيناي وأحلم، أحلم أنني لست هنا، أنني مثلًا أميرة في قصر مهيب ويحتشد الخدم حولي ينتظرون أن أخبرهم ماذا أريد حتي يحضروه لي، أو مغنية تمتلك صوتًا عذبًا وقادرة على إذابة القلوب، أو أنني أمتلك رفاهية ارتداء فساتين بكل الأشكال التي أحبها. لم يكن هذا الأمر مرتبطًا بالمراهقة فحسب، بل هو معي منذ الطفولة حيث الأحلام الحلوة ببيوت من الشيكولاتة وسماء تمطر الحلوى، وجدران من البسكويت وتلال من المثلجات بطعم الفانيلا.
في الطفولة كانت تخيلات طفولية فحسب، لكن في المراهقة كانت أحلام اليقظة التي أهرب من الإحباط إليها لئلا أُجن. عندما كبرت وأثناء دراستي مقرر الصحة النفسية في الدبلوم التربوي تعرفت إلى الحيل الدفاعية والإحباط والصراع، وعرفت أن أحلام اليقظة في المراهقة كانت حيلة من اللاشعور حتى لا أصاب بالاكتئاب.
والإحباط طبقًا لإحدى تعاريفه هو:
العائق الذي يحول بين إشباع الفرد لحاجة من الحاجات أو مشكلة من المشكلات، ويؤدي ذلك إلى شعور الفرد بالتوتر والضيق والغضب والقلق وصرف الانتباه عن مسئولياته الأخرى، ويؤثر في اتجاهاته وأداءته العقلية.
العوامل المسؤولة عن العوائق المُسببة للإحباط
عوامل خارجية
كالبيئة المحيطة بالفرد بكل ما تحمله من عادات وتقاليد ومقومات حياتية، فقد تمنع الظروف المالية وتحول بينه وبين دراسة تخصص معين مثلًا.
عوامل داخلية (شخصية)
هي تلك العوامل التي تجعل الفرد في مواجهة أن يختار بين حاجاته المتضاربة وبين أهدافه المقصودة، وقد تكون العوامل الشخصية ذاتها، سببًا للصراع حتى لو كانت أسبابًا متخيلة أو غير حقيقية مثل أن تشعر الفتاة أن لا أحد سيحبها فتمتنع من الاندماج مع الآخرين، فهي تمتنع عن ذلك وفي نفس الوقت قد تشعر بالغضب أو التهميش. وذلك هو ما يولد الصراع والذي يستدعي الإحباط، وتدخل العقل الباطن أو اللاشعور بتكوين الحيل الدفاعية.
تعريف الحيل الدفاعية
هي أساليب توافقية، في مواجهة الإحباط أو الصراع، ويلجأ إليها كل الناس في مواجهة المواقف الإحباطية والصراع، وقد يسرف البعض في استخدامها وحينها يكون الأمر خطرًا، وإليك أهم تلك الحيل الدفاعية وأشهرها:
الإنكار
هو أكثر آليات الدفاع شيوعًا، وهو يحدث حينما ترفض قبول الوقائع والأحداث وترفض تصديقها، فحينما تفقد عزيزًا عليك أو ما تقوله حينما تسمع بالأمر لا، لم يحدث هذا. فأنت تعرف أن هذا قد حدث بالفعل، لكنك تنكره وتخاف أن تصدق إن ذلك حدث بالفعل.
الكبت
الكثير من الأحداث المزعجة والذكريات السيئة أو المعتقدات غير المنطقية، وأحيانًا ردود الفعل التي قد تسبب لك بعض المشكلات إذا فعلتها، فتختار بدلًا من ذلك آلية القمع على أمل نسيانها، لكن في بعض الأحيان لا ينجح ذلك وتخرج تلك الذكريات أو ردود الأفعال بشكل آخر تمامًا.
الإسقاط
يستخدم الأفراد الإسقاط كعذر لإخفاقهم ولاستبعاد مشاعر الذنب لديهم، فقد يستخدمه الفرد لإلصاق خطئه وضعفه وعدوانيته بالآخرين، فهو في عملية الإسقاط يحكم على الفرد من خلال ذاته، فالشخص الكاذب تجده دائمًا يشيع بأن الآخرين هم الكاذبون، أو الشخص الشره قد يلتفت للنقائص في الآخرين، وكذلك إذا شعر أحدهم بأنه يكره زميله الجديد بالعمل فقد يسقط ذلك بأنه لا يحبه.
النزوح
حينما لا يمكنك رد الفعل بشكل معين طبقًا للعواقب المترتبة على ذلك، فتحول رد فعلك ذلك لمكان آخر. فمثلًا مديرك في العمل قد نال منك ولكنك لا تتمكن من الرد بسبب العواقب، فحينما تذهب للمنزل ويفعل ابنك أو زوجتك شيئًا بسيطًا يكون رد فعلك قاسيًا بشدة.
النكوص
وهو صورة من صور الانحدار أو الرجوع أو الهروب إلى مرحلة أقل تطورًا، قد يبدو هذا واضحًا في الأطفال الذين ما أن يحدث لهم شيئًا حتى يعودوا لمرحلة أقل مثل مصّ الإبهام أو تبليل سريرهم، وكذلك قد يعود الكبار إلى مرحلة أقلّ مثل أن يعودوا لاحتضان الدمى الخاصة بهم عند النوم أو مضغ الأقلام الرصاص أو حتى أن يلجأ إلى أساليب مراهقة طائشة للتعبير عن أنفسهم مثل الصراخ بصوت عالٍ.
الانسحاب
هو أسهل الطرق في مواجهة المشكلات هي الانسحاب، لأنه لا يتطلب الكثير من الجهد مثل غيره، فقد ينسحب الفرد للنوم أو لأحلام اليقظة أو الكثير من العمل والقراءة أو مشاهدة الأفلام وحتى تنظيف المنزل وتناول الطعام أو حتى استخدام العقاقير والكحول.
التسامي أو الإعلاء
وهو استبدال هدف مرفوض اجتماعيًا بهدف مقبول اجتماعيًا، وهو إستراتيجية إيجابية لأن الأفراد فيه يقومون بتوجيه مشاعرهم إلي شيء أو نشاط مناسب، فبدلًا من التنمر مثلًا يتجه الفرد إلى فعل أيّ نشاط نافع مثل الرياضة، وكذلك بدلًا من الدخول في علاقة محرّمة تعلم لعبة رياضية جديدة.
التمركز حول الذات
يسعى الشخص الذي يشعر بعدم الأمان لأن يجعل نفسه مركز الاهتمام، فهو لا يكف عن قول: أنا هنا، أنا هنا بطريقة غير مباشرة، فيرفع صوته أو يسأل الكثير من الأسئلة، وربما يختلق الأكاذيب عن نفسه من أجل أن ينتبه له الجميع، بل إنه قد يجلب المشكلات والمتاعب من أجل أن يجذب الانتباه إلى نفسه فقط. ولعل الحاجة إلى الانتباه أو إشباع الأنا الخاصة بنا من الحاجات الطبيعية، ولكن إذا زاد الأمر عن الحدّ يتحول إلى خطر جسيم.
تكوين العوائق الجسدية
قد ينسحب الإنسان بطريقة أخرى وهي تكوين العوائق الجسدية، أو الشعور بالمرض، وذلك يحدث باصطناع أعراض عدم القدرة الجسمانية وهو ما يعرف بالهستيريا، ولكن الفرد لا يصطنع تلك الأعراض عن طريق القصد بل تحدث له دون أن يتدخل هو بعقله الواعي، وتظل تلك الأعراض قائمة ما لم تحل المشكلة التي يعاني الفرد منها.
التبرير
ويقصد به استخدام العلل والمبررات المنطقية التي تصدر من الفرد للدفاع عن الآراء والمعتقدات التي يؤمن بها، فقد يبرر الطالب الذي لم ينجح في امتحانه بأن مدرسه هو الذي لم يتقن تدريسهم المادة الدراسية جيدًا.
التقسيم
وهو تقسيم حياتك إلى قطاعات مستقلة وكأنه وسيلة لحماية العديد من عناصرها. على سبيل المثال: عندما تختار عدم مناقشة قضايا الحياة الشخصية في العمل فإنك تحجب أو تقسم هذا العنصر من حياتك. يتيح لك ذلك الاستمرار دون مواجهة القلق أو التحديات فأنت تتعامل مع كل قسم وكأنه حياة مستقلة.
تكوين رد الفعل العكسي
هو استبدال ردّ الفعل الذي قد يتولد عنه القلق برد فعل آخر، على سبيل المثال: الأم التي لم تكن تريد الإنجاب ولكن على الرغم من ذلك يأتي طفل ولهذا هي تكرهه وترفضه، ولكنها تشعر بمشاعر ذنب قوية لأن الأمهات لا يكرهن أبناءهن، فلذلك تسرف الأم في حماية الطفل والاهتمام به، وقد يبدو هذا بأنها الأم المثالية، لكنها تحاول أن تبعد مشاعر الذنب عن نفسها.
على الرغم من أن تلك الحيل الدفاعية قد تساعدنا فإن الاستغراق فيها قد يأتي بنتيجة عكسية، فنسقط ضحية للإدمان بأنواعه أو المرض أو تؤدي بنا إلى الاكتئاب، لذلك إذا شعرنا بأننا نغرق فيجب علينا أن نتخذ قرارًا حاسمًا، وأن نتجه لطبيب نفسي لكي يشخص حالتنا ويساعدنا على الحفاظ على صحتنا العقلية.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 61,406
مقال يتناول أبرز آليات الدفاع التي يقوم بها عقلك أثناء الأزمات والضغوطات
link https://ziid.net/?p=66968