كيف نصنع جيلاً من المبدعين والمبتكرين؟
يرى الكاتب توني واجنر أنه في الماضي كان يتم اكتشاف المبتكرين بالصدفة، أما اليوم، فإن المؤسسات هي من تقوم تقوم بصناعة المبتكرين.
add تابِعني remove_red_eye 12,182
يستعرض توني واجنر في كتابه (صناعة المبتكرين: تنشئة الجيل الذي سيغير العالم) أهم الطرق والأساليب التي تساعد الأجيال الجديدة على الإبداع والابتكار، وفيما يلي أقدم عرضاً لأهم ما ورد في هذا الكتاب استناداً إلى ملخصه المنشور في سلسلة ”كتاب في دقائق” التي تنشرها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم.
هل الابتكار قابل للتعلم؟
يرى الكاتب أن للأسرة والمدرسة والمؤسسات المجتمعية دورا كبيرا في تنمية القدرات والمهارات والعادات التي يتطلبها الإبداع، إلا أن ذلك يتطلب إحداث طفرة في الأساليب التربوية الأسرية والمنظومة التعليمية وعالم الأعمال تراعي طبيعة هذا الجيل المتصل إلكترونياً والمتشابك اجتماعياًَ، حيث إن ذلك جعل لهذا الجيل محفزات جديدة أهمها أنه لا يعمل لأجل التحصيل المادي فحسب، بل لغاية وهدف ورسالة ومردود اجتماعي.
من أين يبدأ الابتكار؟
1ـ اللعب:
جُبل البشر على حب الاستكشاف والتجربة والتخيل، أي الابتكار، وهذا يتحقق من خلال إتاحة فرصة اللعب للأطفال والكبار، واللافت أن مؤسسي قوقل وأمازون وويكيبيديا التحقوا بمدرسة مونتيسوري حيث كان التعليم فيها يتم عن طريق اللعب.
2ـ الشغف:
يعد الشغف حافزاً فطرياً ودافعاً داخلياً يشجع على الاستكشاف ويدفع لتعلم شيء جديد أو إتقان مهارة معينة، ويشير مالكوم جلادويل في كتابه الشهير (الاستثنائيون) إلى دور الشغف في حياة الكثير من المبدعين، مثل بيل جيتس مؤسس ميكرو سوفت، حيث إن هذا الشغف كان الحافز الذي جعله يُمضي أكثر من عشرة آلاف ساعة لإتقان المهارات واكتساب الخبرة التي جعلته من المبدعين.
3 ـ الغاية:
يرى الكاتب أنه رغم أهمية الشغف فإنه لا يمكن أن يصنع مبدعاً؛ إذ لا بد من هدف أو غاية لكي تصل لنتيجة. والغاية المشتركة لدى جميع المبدعين هي الرغبة في إحداث تغيير إيجابي في العالم، وقد كتب دانييل بينك في كتابه (الحافز) عن أهمية الاستقلال والاتقان والغاية باعتبارهم من المحفزات الضرورية للإنسان، لأن البشر يبحثون بفطرتهم عن هدف يحققونه أو قضية تخلدهم.
وهنا أشار الكاتب إلى (هرم الاحتياجات) الذي وضعه عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو والمعبّر عن تدرج أهمية الاحتياجات الإنسانية، إذ تبدأ من الحاجات الفيزيولوجية كالغذاء والمسكن والنوم، ثم الحاجة للأمان كالآمان الجسدي والأسري وأمن الممتلكات، ومن ثم الحاجات الاجتماعية كالعلاقات الأسرية الصداقة، وبعدها الحاجة إلى التقدير وكسب الاحترام من خلال الإنجازات والسلوك السوي، وفي أعلى الهرم تأتي الحاجة لتحقيق الذات التي تعد الحافز الأكبر للإبداع والابتكار.
4ـ البوصلة الأبوية:
يعد تشجيع الأبوين أو أحدهما من أهم الأسباب التي تساعد الطفل على تعلم الاستكشاف وبناء الثقة بالنفس. وقد نوّه الكاتب بتجربة (كيرك فيليبس) الذي صنع أول جهاز آيفون تنتجه شركة آبل، حيث يرجع الفضل لوالديه بتشجيعه على الاستكشاف والابتكار منذ الطفولة.
5ـ التعليم التمكيني:
يعد التعليم التقليدي من أهم المعوقات التي واجهها المبدعون لأنه يقولب عقول الدارسين ويعاملهم معاملة خط الإنتاج، لذا يجب استبداله بالتعليم التمكيني الذي يقوم على الاستكشاف والتجربة والتعلم من الأخطاء، ويركز على روح الفريق وحل المشكلات والحوافز الداخلية. واللافت أن العديد من المبدعين لم يتفوقوا في المدرسة والجامعة ومعظمهم اتبع منهجا أكاديميا مغايرا للمناهج التقليدية الشهيرة.
وهنا يشير الكاتب إلى تجربة الجامعات المبدعة التي تعتمد في تقييم طلابها على تقدير الإنجازات الجماعية على خلاف الجامعات التقليدية التي تقيّم الطالب على أساس مجهوده الفردي، ومن هذه الجامعات المبدعة كلية (أولين) في ولاية ما ساتشوستس الأمريكية التي تعتمد أنظمة القبول فيها على النجاح بتقديم مشروع جماعي وكذلك عند التخرج، إذ لا يتمحور الهدف الأساسي في هذه الكلية على اكتساب المعرفة بل على تنمية المهارات والكفاءات المحورية عن طريق حل المشكلات وتصميم المنتجات المبتكرة، لهذا فإن أصحاب الشركات يقيّمون مستوى المتخرجين من هذه الكلية بما يوازي خمس سنوات خبرة.
6ـ التعليم الابتكاري:
أدى اتساع حجم المعارف وإتاحتها للجميع وسهولة الوصول للمعلومة إلى تنوع وعمق المعارف التي يمكن أن يحصل عليها الفرد، حيث أصبح إتقان مجال واحد والتخصص فيه لا يواكب العصر الرقمي الجديد، مما جعل من الضروري إعادة النظر بدور المعلم وطرق التعليم التقليدية. وفي هذا الصدد، يستعرض الكاتب تجربة (أكاديمية خان) التي بدأت بقيام سلمان خان بنشر فيديو لتوضيح بعض المفاهيم الرياضية على اليوتيوب لأحد أقاربه، ثم توسعت الفكرة لتتحول إلى أكاديمية نشرت حوالي 3000 درس مجاني وأصبحت أداة تساعد المعلمين والطلاب في المدارس والمنازل.
7ـ الإبداع وبيئة العمل:
تساهم بيئة العمل في تشجيع أو تثبيط الابتكار، فالبيئات ذات النظام الصارم والقواعد المتزمتة تقف عائقاً أمام الإبداع. بالمقابل فإن البيئة المنفتحة على التغيير وتقبّل الأفكار الجديدة والمبادرات الخلاقة تساعد على الإبداع، وهنا لابد من تغيير الشكل التقليدي للقيادة التي تعتمد على الهرمية الإدارية والسلّم الوظيفي، فالقيادة اليوم تتم على نحو أفقي، والدور الرئيس للقائد ليس على المسرح بل خلف الكواليس.
8ـ آفاق جديدة للابتكار والنجاح:
أدى الفيض المعلوماتي والاتصالي الهائل لتعميق فهم أبناء هذا الجيل للبيئة المحيطة واحتياجاتها ومشكلاتها، وسمح بزيادة تفاعلهم الإيجابي معها، مما أتاح العديد من الفرص الإبداعية أمام أبناء هذا الجيل بغضّ النظر عن مستوى التحصيل المدرسي و مهارات التواصل والإقناع التقليدية، ومثال ذلك الأمريكي (زاندر سرودز) الذي اكتشف شغفه بسلاحف الماء صدفة حين كان في سن الحادية عشرة من عمره بعد مشادة عابرة مع حارسة بيئية أدت لتعرفه على أهمية الحفاظ على السلاحف من الانقراض.
ثم انطلق في حملته لحماية سلاحف الماء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وباستخدام وسائل الإيضاح ليصبح من المشهورين القلائل في هذا المجال، حيث تلقى دعم الجمعيات المختصة وحصد العديد من الجوائز الدولية، وقد غدا يمتلك مهارات تواصل لم يكن يمتلكها من قبل، ساعدته بتقديم مئات المحاضرات والمشاركة في مؤتمرات عالمية.
وعليه، استعرض الكاتب هذه الأساليب والوسائل التي تشجع على الابتكار، وقدم تجارب عدد من المبدعين الذين استفادوا من بيئاتهم المحيطة ومن الفيض المعلوماتي والتمكين الاتصالي، واستطاعوا تجاوز معوقات التعليم التقليدي للوصول للنجاح.. بالنتيجة فإن ذلك يقودنا إلى تلمّس سبل الإبداع والابتكار في بيئاتنا، وذلك يقع على عاتق الأفراد والمؤسسات في آن واحد، لا سيما أن حجم المشكلات الموجودة من حولنا يسهّل علينا إيجاد فرص ابتكار الحلول والبحث عن سبل النجاح.
عن المؤلف: توني واجنر يعمل في مجال التعليم الابتكاري في مركز التكنولوجيا والمشروعات بجامعة هارفارد.
add تابِعني remove_red_eye 12,182
مقال هام لكل مربي يحاول أن يصنع جيلًا من العباقرة والمبتكرين والمبدعين
link https://ziid.net/?p=26076