المراجع اللغوي وكاتب المقالات، بين الطائرة والطيّار
صعوبة المراجعة اللغوية للمقالات في أنها تتطلب؛ تركيزًا عاليًا لفترة طويلة، وقوة ملاحظة، وثقافة واسعة، وإحاطة بجميع طرق الكتابة
add تابِعني remove_red_eye 1,232
في إحدى الشركات الرائدة في مجال “تعريب الحاسب الآلي وبرامجه” التي عملت بها (باحثًا لغويًّا) في التسعينيات، قال لنا ذات مرة مديرُنا -والذي عمل “مهندسًا للطيران” بالقوات الجوية قبل التحاقه بالشركة- حين طالبْنَا أن نُساوَى نحن (اللغويين) بالمطوِّرين (المبرمجين): كيف أساويكم بِهِم؟! إنكم مِثْلي، كنا نحن “مهندسي الطيران” نقوم بصيانة الطائرة وتجهيزها للطيران ليقودها الطيّار، ولا يُسمَح بأن يكون فيها أيّ خلَل؛ لأن هذا يعرّض الطائرة ومَنْ عليها لما لا يُرْجَى عقباه، وعندما طالبنا أن نساوَى بالطيّارين، قيل لنا: أنتم كـ”السائس” يجهز الخيل ليقودها الفارس، فهل يُساوَى السائس بالفارس؟!
أردت بتلك المقدمة أن أوضح قيمة العمل اللغوي الذي يقوم به المدقق اللغوي -وخاصة للكتاب المبتدئين- والمجهود الذي يبذله لكنه لا يظهر للقارئ.
ما الفرق بين التدقيق اللغوي والمراجعة اللغوية؟
التدقيق اللغوي هو مراجعة النصوص المكتوبة للتأكد من سلامتها وخلّوها من الأخطاء النحوية والإملائية، والتأكد من وضع علامات الترقيم في موضعها الصحيح (بدون إفراط ولا تفريط) ولا يسمح للمدقق اللغوي بحذف عبارات أو تعديل جمل حسب ما يراه، وهذا قريب جدًّا من عمل المدقق الآلي الموجود في برامج تحرير النصوص مثل: الوورد، وبرامج ومواقع التدقيق الآلي.
أما المراجعة اللغوية فهي تشمل: التدقيق اللغوي، إعادة الصياغة، ضبط الأسلوب، تنسيق الفقرات. فهي عملية شاملة لتصحيح الأخطاء الشائعة في النحو والصرف والأساليب والتراكيب.
صعوبة العمل اللغوي
تكمن صعوبة المراجعة اللغوية للمقالات في أنها تتطلب؛ تركيزًا عاليًا لفترة طويلة، وقوة ملاحظة، وثقافة واسعة، وإحاطة بجميع قواعد اللغة، كما أنها تتطلب التفاعل مع جميع طرق الكتابة، فلكل كاتب أسلوبه وتعبيراته ولغته الخاصة، إضافةً إلى تنوع موضوعات المقالات، ناهيك عن المقالات الإلكترونية التي تتطلب مهارة التعامل مع الحاسب الآلي وبرامج تحرير النصوص، ومهارة البحث اللغوي على الإنترنت… وغير ذلك.
فوائد المراجعة اللغوية للمقالات
- تساعد الكتاب المبتدئين على تصحيح الأخطاء والتعرف على الأخطاء الشائعة التي يقع فيها المبتدئون وربما غير المبتدئين، وكذلك تحسين الأسلوب والتراكيب اللغوية.
- تضمن للكاتب عملًا خاليًا من الأخطاء اللغوية، وتجنبه الوقوع في الحرج إذا اكتشف القارئ وجود أخطاء في كتاباته.
- يستفيد الكاتب من تصحيح الأخطاء اللغوية إذا اهتم بها، وتصبح لديه الخبرة اللغوية التي تمكنه من تفادي الأخطاء الإملائية والنحوية والصرفية المتكررة، وكذلك الأخطاء الشائعة في التراكيب مثل: (على الرغم من (كذا) إلا أنه – يساعد بعضهم البعض – الأمور الغير مهمة) ويمكن أن نفرد لها مقالًا خاصًّا.
- المقال الخالي من الأخطاء يمكن القارئ من التركيز أثناء القراءة، بل إن وضع علامات الترقيم في موضعها الصحيح يساعده على فَهْم الجمل وإزالة اللَّبْس في فَهْم بعض العبارات.
مواصفات المراجع اللغوي الناجح
- إجادة اللغة العربية إجادة تامة، والإلمام بقواعدها النحوية والصرفية والإملائية.
- القدرة على التركيز لفترة طويلة.
- قوة الملاحظة مع الهدوء وعدم التسرع.
- الإجادة التامة وحسن التعامل مع برامج تحرير النصوص والبحث خلال الإنترنت.
- الثقافة الواسعة والاطلاع على المستجدات.
- القدرة على التجديد المستمر حتى لا يصاب بالملل من العمل المتكرر.
- الخبرة تؤدي دورًا مُهِمًّا، لذا وجب على المراجع اللغوي أن يقوم بمراجعة الكتابات في مختلف المجالات مما يعطيه ذخيرة هائلة من المعلومات عن هذه المجالات، ويطّلع من خلالها على مختلف المصطلحات وأساليب الكتابة سواء العلمية بكل فروعها، أو الصحفية، أو التراثية والحديثة، أو الأدبية ……. إلخ، ثم يجوز له بعد ذلك أن يتخصص في مجال واحد بعد ذلك.
- أن يكون على دراية بمتطلبات سوق العمل؛ ليكون قادرًا على فَهْم ما يطلبه العملاء وتلبية احتياجاتهم، وتقديم خدمة ممتازة تمكنه من الاستمرار في سوق العمل.
نصائح للمراجع اللغوي
المراجعة اللغوية عملية مرهقة وصعبة للغاية؛ لأنها تتطلب مراجعة كل كلمة، بل كل حرف، ثم النظر في التراكيب اللغوية، لذلك فهي تتطلب تركيزًا عاليًا لفترة طويلة، لذلك يجب على المراجع الآتي:
- عدم العمل لفترة طويلة متصلة، وأخذ استراحة قصيرة بعد مراجعة عدة صفحات أو بعد كل مقال، حتى تستريح العين من النظر ويستريح العقل من التفكير.
- اختيار المكان المناسب للعمل، والوقت المناسب، والإضاءة المناسبة، وكذلك الخط وحجمه والتنسيق.. وغيرهم.
- البعد عن كل ما يشتت الذهن والبصر ويمنع التركيز.
- النوم الجيد والاهتمام بكل ما هو صحي بداية من الجلوس على الكرسي.
- الاستعانة ببرامج التدقيق الآلي مميزات برامج تحرير النصوص مثل: الوورد، بل أن تكون متقنًا لها.
- يجب أن تكون خبيرًا بالبحث في المعاجم اللغوية وتختار أنسبها لعملك سواء كان تراثيًّا أو حديثًا، وقد سهلت المعاجم والمواقع الإلكترونية البحث فيها كثيرًا جدًّا.
وأخيرًا، المراجعة اللغوية عن بُعد
مع انتشار الإنترنت وثقافة العمل عن بُعْد، فضّل الكثير من دور النشر والمواقع الإلكترونية الاعتماد على المراجعة اللغوية عن بُعْد، فهي بالنسبة لأصحاب العمل أفضل بكثير من الدوام الكامل ومتطلباته وكذلك للمراجعين، وعلى الرغم من أنها وسعت الفجوة بين الكُتّاب والمراجعين (من وجهة نظري) فإنها مكّنت من اتساع سوق العمل والمنافسة على الجودة، لما تتسم به من المرونة.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 1,232
مقال يوضح قيمة العمل اللغوي الذي يقوم به المراجع اللغوي، والمجهود الذي يبذله لكنه لا يظهر للقارئ
link https://ziid.net/?p=78030