أثر وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات
المفترض أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي طرقًا نحسن بها حيواتنا ولكن للأسف تحولت إلى وسائل للتباعد وللبعد بين الناس
add تابِعني remove_red_eye 62,241
في الأزمنة الماضية -ما قبل اختراع الإنترنت وانتشاره- كان الناس يعتمدون على وسائل حقيقية في التواصل، تشمل الزيارات والمكالمات الهاتفية والخطابات المكتوبة بخط اليد، فجميع وسائل التواصل تلك تشترك بأمرٍ واحد وهو: أنها جهد مبذول ولو كان بسيطًا، كما أن العلاقات كانت أكثر قوة وتشبثًا في تلك الأيام.
لكن مع ظهور الهاتف النقال والرسائل النصية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثة، وعلى الرغم من أن ذلك يقتضي أن يجعل التواصل أكثر سهولة بين الناس، إلا أنه لم يفعل ذلك في الحقيقة بل قلّص التواصل!
لقد أمتلك الكثيرون أرقام كثيرة من الأصدقاء، لكنهم أصدقاء من خلف شاشة يصعب أن تتواصل معهم جميعًا بنفس تواصلك مع الأصدقاء الحقيقيين.
فعلى الرغم من دور وسائل التواصل الاجتماعي الفعال في اكتساب صداقات حقيقية بالفعل، صداقات جيدة تبدأ من صفحات تلك المواقع ثم تنتقل إلى الواقع الحقيقي، بل وقصص حب وزيجات ناجحة، وعلى الرغم من السهولة التي توفرها التكنولوجيا في العلاقات، فمن المحادثات النصية إلى الصوتية وحتى مكالمات الفيديو، قد أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا وعلاقاتنا وصدقاتنا بالسلب، وأدّت للكثير من الخسارات التي لا يمكن تعويضها.
كيف انقطع التواصل في ظل وسائل التواصل
غياب الدفء العائلي
أكثر ما أفسدته وسائل التواصل الاجتماعي، هو علاقة الأبناء بالعائلة، فأنت تجد اليوم كل فرد من العائلة متمسكًا بهاتفه سابحًا في ملكوته الخاص مع الأصدقاء، لا يبحث عن أحد، بل حتى الطعام لم يعد يجتمع له أفراد الأسرة الواحدة من أجل تناوله، فالعائلة التي قد تكون طاردة للابن لأنها ترفض أفكاره، إلا أنها تبقى العائلة ويجب الحفاظ عليها والاعتناء بها، فعلى الرغم من أن الأبناء كانوا اختيارًا من الآباء، أي أن عنايتهم واجبة وليست دينًا -يجب ردّه- كما يسوق بعض الآباء، إلا أنه يجب على الأبناء أن يساعدوا ذويهم وأن يعتنوا بهم، ويتواصلوا معهم، حتى لو بدرت منهم أي إساءة تجاههم، لأننا نحن من نمتلك المعرفة الآن، من نعرف مفاهيم التعافي ومن نقوم بالقراءة، وما زالت الحياة أمامنا لكنهم انحصروا هناك، أصبح من الصعب أن تتغير حياتهم فجأة بمفاهيم جديدة.
ولكن التقصير ليس فقط من الأبناء تجاه والديهم بل من بعض الآباء تجاه أولادهم الصغار، فاليوم بدلًا من أن تجد الأب يجمع أفراد أسرته حوله في العطلة، يتشبث بهاتفه ولا يريد تركه، ولا يحادث أبناءه، أو تجد الأم تترك الجهاز الإلكتروني مع الأطفال، وتبقى هي الأخرى مع هاتفها، وكذلك بعض الأزواج ينشغلون بهواتفهم، ثم بعد ذلك يشكون من أنهم لم يعودوا قادرين على التواصل.
الإشعارات تومض والحوار لا يكتمل
لم يعد هناك تواصل حقيقي إلا نادرًا، فطوال الوقت تأتي الإشعارات لتقطع الأحاديث بيننا، فلم يعد هناك ذلك الهدوء الذي يسمح بإدارة حوار حول أي شيء في الحياة بين طرفين، بل إن بعض الحوارات أصبحت تدار وأدمغتنا في جهة أخرى، فالحوارات أصبحت تقتصر على:
(ها.. نعم.. كنت معك لكن أعد ما قلت!)
وهو من الطرق التي تؤدي إلى فساد العلاقات الحقيقية، وهو من الآثار السيئة لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي من الممكن أن تفسد حياتنا.
الفهم الخاطئ
أخبرتني صديقتي ذات يوم أن هناك خلاف كبير قد يؤدي بمشروع زواجها بأكمله، وحينما قصت علي الخلاف بدا الخلاف عاديًا ما جعله أكبر، هو أنه حدث في برنامج المحادثات النصية واتساب مما جعله يكبر، لقد حدث كل ذلك لأنهم لم يروا بعضهم.
ففي الحوارات الواقعية ترى وجه من يخاطبك وترى تقاسيمه تعرف أن الغضب قد حل عليه وتعرف متى يصمت ومتى يتكلم، تفهم أنك رفعت صوتك أكثر من المعتاد، يجب أن تتوقف الآن أم لا تتوقف، وذلك ما لا تفهمه في المحادثات النصية، بل وأحيانًا في الهاتف أيضًا. بالإضافة لذلك فقد برزت حروب جديدة أهمها من قام بالضغط على أحببته على صورتك الشخصية، أم من ذلك الذي استخدم على منشورك الدعم، لقد ضاع الحد الفاصل بين الافتراض والواقع، وأصبحنا نعامل تلك المواقع وكأنها حقيقة، وهو ما يخرب الكثير من العلاقات، فالحياة لا تستحق زيادة تعقيدها بالتعامل مع وسائل التواصل الافتراضية بأنها حقيقية بذلك الشكل الكبير.
القياس على العلاقات الأخرى
في عالم وسائل التواصل كل الناس يرون بعضهم وكل الحيوات منفتحة على العالم لا خفاء، اليوم زوجي ذهب بي إلى مطعم، اليوم زوجي أخذني إلى ناد، اليوم زوجي أحضر لي سيارة، وماذا عنك؟!
كنا نسخر من العلاقات التي فيها يقارن الحبيب والحبيبة أنفسهم بالأقارب، كنا نردد دائمًا أننا ضد عبارة، أحضر لها مثلما جاء لابنة خالتها، لكن الآن أصبح العالم مفتوحًا على مصراعيه، فتجد الزوجة تلك التي تشابهها في ظروف المعيشة، تضع صورها من آخر رحلة قامت بها، أو آخر فستان جديد فتشتعل الغيرة في صدرها ويضيق، فهنا تجلى مفهوم غياب الرضا وكذلك مفهوم خطأ المقارنة بيننا وبين الآخرين.
التمرد على الشريك
في كل يوم وأثناء تصفحنا الإنترنت، نتعثر بآراء جديدة مغايرة للآراء الأولى، ففي يوم تستيقظ لتجد أن النساء جميعهن يرون أن الأفضل للمرأة أن ترتبط بالرجل المهذب، ومرة أخرى بالفتى المشاكس أو ما يعرف بال bad boy، وهلمّ جرّا، والكثير من ضعيفات الشخصية اللائي لا يُكوِّنّ رأيًّا وقناعات خاصة بهن، يقعن في تلك الدائرة السيئة، والتي تنتهى بأن لا يشعرن بالرضا. وكذلك فإن لتلك الوسائل خطرًا أكبر وهم أولئك المتسللون خلسة للحياة.
فيستغل بعض ضعاف النفوس المشكلات بين الأزواج والزوجات، ثم يتدخلون -وهم ملائكة- بهدف الاستيلاء على ذلك الشريك، فتجد الفتاة التي تهتم بشأن الرجل المرتبط وتعطيه كل وقتها، بينما زوجته أو حبيبته أو أيّما تكون مشغولة في الإعداد لحياتهم، فيبدأ في التمرد عليها وكراهيتها، ورؤيتها كمقصرة في حقه، وهو مما يؤدي للخيانة أو الانفصال، من الرجال والنساء لا من أحدهم فقط.
كيف أحمي نفسي وعلاقاتي؟
تبدأ الحماية من التيقن بأن وسائل التواصل الاجتماعي ما هي إلا وسائل كاذبة، مما يعني التعامل معها بحذر وغير تصديق، فلا تعطي الثقة لأحد ولا تشارك أسرارك مع أحد إلا إذا كنت واثقًا منه، هذا لا يعني أنها غير مفيدة، بل كما قلت سابقًا إنها مفيدة كما أنك قد تكسب منها صداقات حقيقية، إلا أن التعامل معها بحذر مطلوب.
الكفّ عن المقارنات، أنت لم تتطلع على حيوات الناس ولم ترها كاملة، هناك دائمًا جزء ناقص لا تراه، جزء قد لا تتحمله أنت فلا تخرب سعادتك، من أجل مقارنة سخيفة قد تجلب عليك الشعور بالحزن وعدم الرضا عن حياتك.
حافظ على التواصل الحقيقي ولا تكف عن زيارة من تحبهم، خصص يومًا للاتصالات على الأصدقاء وكن متواجدًا دائمًا، ولا تنتظر أحدًا بل خذ أنت المبادرة، حينما تكون مع الأصدقاء والعائلة في جلسة لطيفة، أغلق الهاتف وأسكت الإشعارات وكن حاضرًا كُلّك، كن حاضرًا كما تحب أن يكون الناس معك، لن يهرب الهاتف ولكن في الحقيقة الجلسات ودفء العائلة حينما تمضي لا تتكرر.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 62,241
أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا، فماذا أفسدت وكيف نحمي ما تبقى.
link https://ziid.net/?p=66437