كيف تتوقف عن لعب دور الضحية وتقود حياتك؟
دور الضحية من المشكلات الكبرى التي يخدعنا بها عقلنا، يجعلنا نشعر أننا بخير، لكن في الحقيقة يدمر حياتنا.
add تابِعني remove_red_eye 61,969
منذ عدة أيام شاهدت الفيلم الرائع (The pursuit of happyness) بطولة الممثل (ويل سميث) والذي يقوم فيه بدور “كريس” بائع لأجهزة طبية، بينما يعاني من الديون، وفي خضم تلك الحياة الصعبة، ما بين الإيجار المتراكم والضرائب التي لم تدفع، تهجره زوجته وتقرر أخذ ابنها، لكنه يحارب ويعود بابنه لتبدأ رحلته الجديدة، حيث يقرر أن يصبح سمسارًا، ويناضل من أجل المقابلة، ثم يعيش حياة صعبة مع ابنه ما بين النزل الفقير، وغير ذلك من الأحداث، الفيلم مأخوذ عن قصة رجل الأعمال كريس جارندرز وعلى الرغم من الصعوبات الشديدة التي واجهها فإنه أصبح من أهم رجال الأعمال.
حينما انتهى الفيلم كنت أفكر لو كان ذلك الرجل قال، لما يحدث هذا لي، لو كان توقف، أو ارتضى بالعمل كنادل من أجل توفير احتياجاته، لو كان تخلى عن حلمه، أو لم يناضل من أجله، ما الذي كان سيحدث؟ لم ير الرجل نفسه ضحية على الرغم من أنه كان بالفعل هكذا، لما يقل أنا ضحية، الناس يؤذونني، المدير يضطهدني، العالم يتربص بي، لم يكن ليصل لكل هذا.
الإنسان الذي يعيش في دور الضحية يظن أن العالم يتفق على جعله تعيسًا، وهو يتشابه مع الشخص المتشائم أو السوداوي، لكن الذي يظن أنه ضحية يرى أن العالم يختصمه، ينتظر دائمًا ما يؤكد تلك الفكرة، فحينما يصيبه مكروه يتجه للبكاء ويخبر العالم أنه المظلوم الوحيد.
من هو الضحية؟
طبقًا للتعريف فإن الضحية هو ذلك الشخص الذي تعرض للظلم من شخص آخر. فالشخص الذي تعرض لاعتداء من أي نوع هو ضحية، ولكن من هو المقتنع بدور الضحية؟
هو ذلك الشخص الذي يظن دائمًا أن كل شيء سيئ حدث في حياته ليس له يد فيه، وأنه غير قادر على تغيير ذلك، يفكر طوال الوقت في محنته ومعاناته، لا يفكر في إنهائها أو حتى قبولها والتعامل معها، بل يتوقف عند هذا الحد، ثم ينتقل ذلك التفكير من ذلك الحادث إلى ما هو أكبر، فيصبح العالم هو ما يتربص به، ويصبح دائمًا رد الفعل، لا يرى نفسه مخطئًا ولو حتى بنسبة قليلة ولا يتحمل مسئولية حياته.
مثلًا: ذلك الصديق الذي لا يتذكر أي شئ جيد في حياته بل يرى نفسه دائمًا معذبًا، الحياة تتخبط به زوجته تظلمه، مديره يثقله بالعمل، أبناؤه لا يرونه أبًا جيدًا، ستجده يخبرك أن الحياة جميعها تتخبط به، حتى حينما يحدث له شيء جميل، سرعان ما يخبرك أنه لن يكون دائمًا وأنه سيخسر كما يخسر دائمًا.
لماذا يروقك دور الضحية؟
دعم لا متناهي
حينما تظهر كضحية، تتحدث عن معاناتك وبؤسك والعالم الذي يتربص بك، تتحدث عن معاناتك سيظهر الجميع دعمهم لك، سيخبرونك أنهم بالجوار، سيفعلون ذلك فعلًا، ربما تحصل على الحب أيضًا تحت لافتة إنقاذك، لن يظن أحدًا أنك مشارك في ما حدث لك ولا حتى بنسبة ضئيلة، ولكن من الأشياء التي يجب أن أذكرك بها أن لا أحد سيظل دائمًا بجانبك، سيسأم الناس منك، لأن البشر بطبيعتهم يملون بسرعة، حتي الدعابة حينما تتكرر يملها الناس، يكرهونها، ويكفون على الضحك عليها، كما أن الناس سيشعرون أنك تستنفذ طاقاتهم مما سيجعلهم، يعرضون عنك.
“أنا غير مسئول”
دور الضحية يوفر للشخص حالة دائمة من إخلاء المسئولية، فهو يرى أنه غير مسئول عما يحدث له، إنه دائمًا يلقى مسئولية حياته على الآخرين، في بعض الأحيان يحدث بذلك بسبب جرح حدث له، أو إساءة قدمت له، أو استغلالًا جعله يفقد الثقة في العالم وفي نفسه، لكن دور الضحية يجعلك غير مهتم حتى بمحاولة السيطرة على حياتك، أو اصلاح أوضاعك، دور الضحية يجعلك غير مسئول، ولا أحد يمكنه لومك.
“أحب البقاء هنا”
كونك ضحية يعني أنك لا تتخذ القرارات الكبرى، المخاطرة، لا تخرج من قوقعتك وتحب الحياة في مكانك، أنت دائمًا خائف، أنت المجني عليه، لذلك تحب البقاء مكانك، وهو ما يوفر عليك عناء التغيير.
خطر الوقوع أسيرًا لدور الضحية
قال تعالى في كتابه العزيز ((إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)). لذلك أول وأكثر المساوئ التي تتربص بك ما دمت تقتنع أنك ضحية أن حياتك لن تتغير، على العكس تمامًا، ستظل آخذة في الانحدار، فالحياة إن لم ترتفع بها لأعلى، ستهبط هي بك لأسفل، أرأيت لو كانت لديك شجرة في شرفتك، ثم كنت تهملها ولا تسقيها، هل تنتظر أن تثمر، أو على الأقل تبقى مخضرة، بل ستذبل شجرتك لأنك لم تعتن بها، في تلك الحالة من تلوم؟ هل تلوم الشجرة نفسها أم تلوم نفسك التي نسيت أو تجاهلت أن تسقيها بالماء؟
سوف يتم التحكم بك، إن كنت تعتقد أن الآخرين هم القادرون على إيذائك والتعدي عليك، يجب عليك الآن أن تدرك أن ذلك سيحدث بالفعل، فإن لم تقرر أنت سيقرر لك الآخرون، كما ان الدعم الذي تحصل عليه بلا مقابل سيتحول مع الوقت إلى إهانة أو ملل، فتخسر نفسك وكل من يعرفك. ثم بعد ذلك يأتي اليوم الذي تفتح فيه عينيك لتجد نفسك بلا أحد يساندك أو يصدقك، وتجد نفسك خاسرًا وحيدًا، لأن دور الضحية يجعلك غير قادر على اتخاذ قراراتك، يمنعك من المخاطرة من أجل تغيير حياتك وتحسينها، يجعلك واقفًا في حياتك بلا حراك.
كيف تتخلص من دور الضحية؟
“وكن من أنتَ حيث تكون، و احمل عبءَ قلبِكَ وحدهُ” “محمود درويش”
تحمل مسئولية حياتك
في الكثير من الأحيان نكون شركاء للجناة، الذين جنوا علينا، على العكس نكون نحن الجناة على أنفسنا أصلًا، لذلك يجب علينا أن ننظر لمشكلاتنا بعين عادلة، أن نعرف أننا لسنا ضحايا على طول الخط، وحتى إن كنا فعلًا ضحايا، ولم تكن لنا أي يد في ما جرى لنا يجب أن نعرف أن ذلك انتهى، ويجب علينا أن نجتازه.
القَبول
القبول يعني الاستسلام، القبول يعني أن تقبل فكرة الأذى، أن تقبل وجود الألم، أن تتركه يخرج وان تشعر به، لا أن تدعه كندبة في قلبك، القبول يعني التسليم بأن ذلك حدث، وأن تمسكك بدور الضحية لن يغير أي شيء، وأن ترديدك المعاناة لن يغيرها، بل يعني أن تتسامح معها، وتسامح نفسك، وتدعها تبدأ في تغيير عواقب المعاناة، والشعور بالحزن والأسى، أن ترمم ما تبقى منك وأن تصلح نفسك.
الشعور بالامتنان
من قلب الحزن يولد الإبداع، يولد الصبر، تولد القوة، كن ممتنًا للأشياء الجيدة التي ما كانت لتحدث لك لولا معاناتك، فتش فيها ستجد أنك حصدت شيئًا جميلًا، ربما غيرت عادة، عرفت شخصًا غرس فيك سلوكًا ما، شعرت بقيمة النعم الأخرى، اختبرت قوتك، اشعر دائمًا بالامتنان، حتى على الأشياء السيئة.
أخيرًا، ليس المقصود بكل ذلك أولئك الذين يحاربون حزنهم لكنهم في منتصف الطريق يسقطون، يشعرون باليأس قليلًا ثم يعودون إلى المضي قدمًا في طريقهم، بل المقصود أولئك الخاملون المتكاسلون الذين لا يغيرون أي شيء، الذين ينتظرون معجزة، معجزة لقلب حياتهم ولتغييرها، وبكل صدق أقول إن زمن المعجزات انتهى، وحدك انت من تصنع معجزتك.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 61,969
مقال مهم حول دور الضحية ولماذا يجب أن تتجنبه
link https://ziid.net/?p=69296