هل نحن بحاجة إلى فهم الواقع؟
إن فهم الواقع على نحو جيد يعد الخطوة الأولى على طريق التعامل معه وبلورة منهج ورؤية جديدة للتعامل مع حوادث الحياة والظروف المحيطة
إن فهم الواقع على نحو جيد يعد الخطوة الأولى على طريق التعامل معه وبلورة منهج ورؤية جديدة للتعامل مع حوادث الحياة والظروف المحيطة
add تابِعني remove_red_eye 464
لقد متَّع الله -سبحانه وتعالى- الإنسان بالإرادة الحرة، وأتاح له إمكانية النظر إلى كل مفردات الوجود بصورة مستقلة، لكن الواقع يشهد أن الإنسان يظل أسيرًا – في أمور كثيرة- للبيئة التي يعيش فيها ، وأسيرًا لرغباته وشهواته ، وأسيرًا لحاجاته التي لا تعرف التوقف عند أي حد، ولهذا يظل الإنسان شغوفًا بمعرفة الواقع الذي يعيش فيه وتفسير الظروف التي تحيط به، ومهما بلغ من النضج فإنه يشعر دائمًا بالحاجة إلى من يساعده على فهم الوسط الذي يحيا فيه، ومجريات الأحداث التي تقع في ذلك الوسط، وإذا تأملنا العلاقة التي نعيشها مع الواقع، نجد أننا منخرطون فيه بوعي وبغير وعي، كما أن فهم الواقع على نحو جيد يشكل الخطوة الأولى على طريق التعامل معه، والخوض في مضمار الحياة.
ولأن الحياة مليئة بالخيارات فإن عملية اتخاذ القرار صعبة ومربكة، كما أن التطورات والتغيرات التي نشهدها في كل يوم جعلت الواقع سريع التبدل، مما يلزمنا متابعته بحرص وجدية كما يفعل الذين يشتغلون بالصرافة وتبديل العملات إذ إن عليهم متابعة أسعار العملات على نحو مستمر، وإلا فقد يخسرون خسائر هائلة.
هذا الزمان فيه المسرات وفيه من المنغصات، وبسبب التقدم الحضاري المتسارع فإن فرص زماننا أكثر، وتحدياته أشد، والذي يحيا حياة راشدة وطبيعية يتعلم من مجاراة ظروف الحياة وأحداثها، وكيف يستثمر المعطيات والفرص من أجل تجاوز الصعاب ومواجهة التحديات، والذي يكون جاهلًا بزمانه وواقعه، فإن عليه أن يهيئ نفسه لأن يحمل أثقاله وأثقال غيره. وهذا يحدث حين يكون المرء فقيرًا بين أغنياء، وجاهلًا بين علماء، وفوضويًّا بين منظمين ، وكسولًا بين نشطين، إن الزمان في هذه الحالة يكون فعلًا بالنسبة إليه صعبًا وشاقًا ومملوءًا بالتحديات.
واتقاء شر المحتالين والمخادعين وقد عبر عن هذا المعنى أحدهم حين قال: (في كل دقيقة يولد مغفل، ويولد اثنان للمتاجرة به).
يمكننا من فهم طبيعة الحياة التي تعد أكبر تعقيد للإنسان حيث إن كل واحد منا يرسم صورة للحياة والأحياء من أفق فهمه ومعارفه وخبراته، وهي دائمًا محدودة وجزئية. والحقيقة أن في الحياة دائمًا مفاجآت وأمورًا تصدم وتجرح، وتخالف التوقعات، فالذين تعودوا رخاء العيش ينصدمون إذا مرت بهم أيام شدة وضنك، والذين عايشوا الأزمات والشدائد القاسية يبطرون ويضجرون إذا داهمهم الرخاء واليسر. وهكذا فإن هذا يدفعنا لفهم الواقع حتى نستطيع التوازن في الحياة والعيش في تقلباتها واختلافاتها ومقاربة النظر في الأحداث والظروف والحكم عليها.
خلق الله -تعالى- الإنسان ومتعه بحواس خمس: السمع والبصر واللمس والتذوق والشم؛ ليتعرف من خلالها على الوجود المحيط به، وهذه الحواس عبارة عن وسائل وأدوات لنقل بيانات متنوعة عن الأشياء التي يتصل بها الإنسان، مما يؤكد علينا ضرورة معرفة عمل هذه الحواس ووظائفها في عملية الإدراك. ويجب أن تكون جيدة حتى يكون النقل جيدًا، فمثلًا حين يكون البصر ضعيفًا فإنه لا ينقل الصورة بوضوح وهذا يضلل الدماغ عند إصدار الأحكام على تلك الصورة. ومن هنا فإن علينا حين نرى شيئًا، أو نسمع عن شيء أن نتأكد أننا رأينا وسمعنا بعيون وآذان جيدة.
إذا كانت الحواس هي أدوات النقل؛ فإن الله تعالى قد وهبنا أيضًا إمكانات ذهنية عظيمة. أي إن (العقل) هو الذي يسمع ويرى على الحقيقة ، وليس الأذن والعين. وهو الذي يستقبل ما ترسله الحواس، ويقوم العقل بإعادة صياغة وإنتاج ما نكسبه من معارف وخبرات وتجارب من جديد، وغالبًا ما يصوغه في شكل مفاهيم وأفكار وملاحظات، فالعقل يجسّد ما عقله والذي يعتبر بعد ذلك مادة للتفكير والتداول والتطوير. وهذا يدعونا إلى ضرورة الاهتمام بنوعية التثقيف الذي نتعرض له، فنحن إذ نتعلم نكتسب أسس إدراك الواقع وأسس التفاعل معه. مما يؤثر تأثيرًا كبيرًا في نوعية فهمنا للواقع وفهمنا للأحكام العقلية التي نصدرها على الأحداث والمواقف من حولنا.
نستقبل في اليوم الواحد كمية هائلة من المعلومات ونكتسب الكثير من المعارف والتي تعتبر بمثابة معطيات تمكننا من إدراك الواقع حولنا والحكم عليه. ولهذا ينبغي أن تكون هذه المعطيات موثوقة وحديثة، وذلك بسبب كثرة المعلومات المغشوشة. فمثلًا إذا قيل لنا إن غالبية أبناء المنطقة الفلانيه غير ملتزمون أخلاقيًّا فإن علينا التأكد من صحة الأسس التي قام عليها هذا الحكم، وإلا فإن أحكامنا ستكون هشة جدًّا بسبب هشاشة المعطيات التي استندت إليها . وقد حذرنا من ذلك الله تعالى بقوله (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌۢ بِنَبَإٍۢ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًۢا بِجَهَٰلَةٍۢ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَٰدِمِينَ) الحجرات [6]. كما أن حداثة المعلومات ضرورية أيضًا بسبب سرعة التغير الحادث الآن، ومن المعروف عمومًا أن الواقع يتغير بسرعة أعلى من سرعة تطور الوعي فالمعلومة حول الهواتف الذكية قبل خمس سنوات تعتبر أعجوبة اليوم.
إن الواقع خليط من الصلاح والفساد والرشد والضلال والنجاح والإخفاق والصواب والخطأ. ومن هنا فإن المهم هو فهم نسبة ما في الواقع والأشياء من كل ذلك. فإذا فهمنا النسبة في كل شي تمكنا من فهم الواقع والحكم عليه فإذا كان من بين الناس من هو كاذب فهذا لا يعني أن جميعهم كذلك وإذا حكمنا على الشباب بأنهم بلا أخلاق فقد خرجنا عن النسبي إلى التعميم ففيهم الخلوق وفيهم الوقح وكذلك فإننا لا يمكننا الحكم على شخص ما بإنه عديم الأخلاق لأن ملابسه غير لائقه أو حلاقته غير إسلامية فقد يكون فيه من الصلاح ما لا تجده عند مسربل الثياب وطويل اللحيه.
وفي الختام.. يظل المرء يشعر بالقصور الذاتي عن فهم العالم الذي يعيش فيه، أي إنه يتطلب في الحقيقة نوعًا من الفهم الجيد للأسباب والظروف والمعطيات التي تجعل انغماسه في الواقع والظروف المحيطة أمرًا سهلًا ، أو لا بد منه. ومن هذا ينبغي أن تكون لدينا مما ذكرناه منهجية لفهم الواقع والتعامل معه. كما عبر عن هذا الدكتور عبدالكريم بكار: (إن الذي يملك معلومة كمن يملك قطعة ذهبية، أما الذي يملك منهجًا فإنه كمن يملك مفتاح منجم ذهب). وحين نعرف ما أشرنا إليه، فإننا نستطيع أن نقول: إننا وضعنا أقدامنا على أول الطريق.
add تابِعني remove_red_eye 464
زد
زد
اختيارات
معلومات
تواصل
الإبلاغ عن مشكلة جميع الحقوق محفوظة لزد 2014 - 2025 ©
أهلاً ومهلاً!
10 مقالات ستكون كافية لإدهاشك، وبعدها ستحتاج للتسجيل للاستمتاع بتجربة فريدة مع زد مجاناً!
المنزل والأسرة
المال والأعمال
الصحة واللياقة
العلوم والتعليم
الفنون والترفيه
أعمال الإنترنت
السفر والسياحة
الحاسوب والاتصالات
مملكة المطبخ
التسوق والمتاجر
العمل الخيري
الموضة والأزياء
التفضيل
لا تكن مجرد قارئ! close
كن قارئ زد واحصل على محتوى مخصص لك ولاهتماماتك عبر التسجيل مجاناً.
مقال مثير وملهم حول فهم الواقع وأدواتك في الوصول إلى الفهم الصحيح
link https://ziid.net/?p=98577