خلال ستين سنة لن يكون لديك ممتلكات خاصة
اقتصاد التجربة أصبح أمرًا فعليًّا، وستظل طول الستين سنة التي تعيشها تفعله دون أنْ تدري. ولكن فكّر؛ لماذا المتحكّمون في السوق؟
add تابِعني remove_red_eye 1,817
قديمًا، قبل 20 سنة على الأكثر، كانت الصورة التي يكون عليها الرجل: يعمل في محل بقالة، لا يملك شيئًا، وليس لديه إلا ما يأتيه من المبيعات لينفق به على متطلّبات الحياة الأساسيّة، صُورَة غير محبوبة. لأنّ الامتلاك كان قيمةً أساسيّةً للتعبير عن الشخص. الآن، صارت هذه الصورة هي الصورة التي يحلم بها جيل الألفيّة. وفقًا للإحصائيّات فإنّ 74 % يعطون الأولويّة للتجارب على امتلاك الأشياء. ومنذ عام 1987 زادت حصّة إنفاق المستهلكين على التجارب والأحداث الحيّة، بنسبة 70 %!
أي يظلّون ينفقون الأموال على تجربة أيّ شيءٍ جديد، حتّى يصلوا إلى الصورة البسيطة بالأعلى. في هذا المقال ستعلم، أنّ الرأسمالية كنظامٍ اقتصاديّ، ليس هدفها زيادة ثروة الأفراد كما هو معروف، بل إن تظلّ تستخدم ثروة الأفراد من خلال التجارب المستمرّة. أو ما يُعرف ب “اقتصاد التجربة”.
لماذا لم يعد الناس يحبّون الامتلاك؟
قد تظنّ في البداية أنّ خطاب الحريّة، والفرديّة الاقتصادية، قد يجعلونك تمتلك القصور والعقارات والأصول الماليّة، من خلال العوائد المالية والمرتّبات الكبيرة، والتي تزيد مع الوقت. قديمًا كان يوجّهنا المجتمع نحو مظاهر معينةٍ يجب علينا الالتزام بها، لتعبّر عن ذاتنا وتعطينا إحساسًا بها. وهي أشياء لا يتمّ استهلاكها بل هي أشياء ثابتة نصل إليها. كان كلّ شي – تقريبًا – يتعلقّ بأغراض المجتمع السامية.
مع خطاب الحريّة والتغيّر المستمرّ ودعوات جعل الأفراد جميعًا يعملون، زادت عمليّات التفكّك الاجتماعي وانتشرت الوحدة، وأصبحت الأشياء التي نعبّر بها عن ذاتنا غير معلومة. لا أحد يدري بالضبط ما يريد. وتصدرت خطابات “اكتشف نفسك” و “عش حياتك كلها تكتشف!”.
هنا تدخلّ النظام السوقي ليجعل الأفراد يجدون طُرقًا للتعبير عن ذواتهم، ويخرجهم من ظلمات الوحدة، بأنْ يخلق لهم مظاهر استهلاكيةٍ مستمرّةٍ لا تثبُت “تجارب متجدِّدة”؛ ليناسب خطابات اكتشاف الذات. وعلى ضوء هذا يمكنا فهم لماذا أصبح إنفاق المال على التجارب الجديدة، يمثّل منبع السعادة الوحيد للإنسان المعاصر؟
ببساطة، الامتلاك يعني تقييد الحريّة، أمّا التجارب المتجدِّدة فهي قمّة الحريّة! هكذا ظهر اقتصاد التجربة.
يمكنك فهم عمليَّة: جعل الأفراد مجرَّد مستهلكين، بشكلٍ تفصيليّ ودقيقٍ من خلال مقالنا “كيف جعلنا النظام الرأسمالي سلعًا؟” اعتمادًا على عشرة مصادر كبيرة في علم الاقتصاد والاجتماع!
لماذا لم يعد الامتلاك مهمًّا؟
العمليّة التي يعمل بها النظام الرأسماليّ، تجعلك دائما ذاتيًّا، أي ستظل تبحث وتنفق مالك على مظاهر ذاتية تحّقق بها ذاتك. قديمًا الممتلكات لم تكن مهمّةً فقط للذات، ولكن لها هدفٌ اجتماعيّ، هو توريثها للأبناء؛ ليستطيعوا العيش والانتفاع بها. أمّا الآن فالنظام الرأسمالي يخلقك شخصًا ذاتيًّا تستهلك لذاتك، وتلِد “تُنتج” أفرادًا ذاتيّة تستهلك لذاتها. مهمّتك في هذا النظام، أو مكانتك في الحياة الآن- بتعبيرٍ أدقّ -، هي أنْ تهب الثروة للشركات والمؤسّسات الحاكمة للسوق.
نمو اقتصاد التجربة
في مقال على موقع Forbes يعزو نمو زحف جيل الألفيّة نحو التجارب الجديدة، إلى الأزمات الماليّة المتكرّرة التي يُحدثها النظام الرأسماليّ، وخسارة الممتلكات.
قال تشاك برنس رئيس مجلس إدارة سيتي جروب قبل حدوث الأزمة المالية 2008: ما دامت الموسيقى تعزف، علينا أنْ ننهض ونرقص!
هنا يخبرنا تشاك، أنّ الأزمات الماليّة تحدث بشكل مستمر في النظام الرأسمالي بسبب الازدهار الذي يحصل باستمرار، عن طريق زيادة الثروة، وتمكّن المتحكّمين في السوق، من إدخال التكنولوجيا وتطبيقها. وعمليّةِ التغيّر المستمرّة التي توحي بالنجاح وأنّ الوضع يسير في طريقه الصحيح. يدفع هذا المتحكّمين في السوق إلى الإفراط في اتخاذ القرارات التي تهدف فقط إلى زيادة الأرباح.
كما رأينا فعملية التغيّر المستمر، هي المفتاح الرئيسي في النظام الاقتصادي الرأسمالي، لتوجيه جيل الألفيّة نحو التجارب المتجدّدة؛ إمّا التغيّرات على المستوى الضيّق وهي المظاهر الاستهلاكية، أو التغيّرات الكبيرة كالأزمات الماليّة المتكرّرة.
كيف يعمل اقتصاد التجربة؟
إنْ فهمت بالضبط عمليّة التفكيك الاجتماعي، وخطابات اكتشاف الذات، ستعرف تحديدًا كيف يعمل اقتصاد التجربة. فإليك الطرق الثلاثة التي يعمل بها:
- التجارب المتجدّدة: كما قلنا فالفرد في هذا النظام تم إنشاؤه يحب التغيّر. فلذلك تعمل الشركات والعلامات التجاريّة الآن على خلق تجارب جديدة باستمرار.
- المشاركة مع الآخرين: الفرد في النظام الحاليّ فقدَ وجود مجتمعٍ حقيقيٍّ حوله. وأصبح المجتمع بالنسبة له هو أنْ يكون داعمًا لتجاربه الذاتيّة المتجدّدة. فتعمل الشركات والعلامات التجارية، على جمع عددٍ من الأفراد في تجربةٍ واحدةٍ يفضّلونها؛ ليعّوضوا بها الاحتياج الاجتماعيّ المفقود.
- اكتساب الخبرة: يحبّ الفرد أنْ يشعر باكتساب خبرةٍ جديدةٍ من خلال هذه التجارب الاجتماعيّة الجديدة؛ لتشعره بتحقيق تغيرٍ أو إنجازٍ جديد.
اقتصاد التجربة أصبح أمرًا فعليًّا، وستظل طول الستين سنة التي تعيشها تفعله دون أنْ تدري. ولكن فكّر؛ لماذا المتحكّمون في السوق “رجال الأعمال” من أصحاب شركاتٍ وعلاماتٍ تجاريّةٍ يبحثون عن الأصول المالية؟ “مارك زوكربيرج” – مثلًا – مهووسٌ بالعقارات، ولا يحب امتلاك السيّارات.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 1,817
يقنعنا العالم الآن بالتجارب الفريدة و السعادة الذاتيّة. ولكن لماذا يحبّ رجال الأعمال الأصول المالية؟
link https://ziid.net/?p=110394