التفكير الناقد.. كيف نحمي عقولنا؟
معارضة النتيجة بنتيجة أخرى أقوى منها، وتقوم هذه القاعدة على مبدأ عقلي ضروري وهو (النقيضان لا يجتمعان)
add تابِعني remove_red_eye 3,704
العالم اليوم يعيش عصر المعلومات، وتعدد الآراء، والتوجهات، وإذا لم يكن الشخص يملك فكرًا ناقدًا، يفحص كل ما يطرأ عليه من معلومات وغيرها، سيتحول إلى كائن متخبط، لا رأي له ولا قيمة. فالنقد يعمل عمل الدروع التي تحمي المقاتل من الضربات القاسية، وسنستعرض في هذا المقال أهمية النقد وآثاره.
ما النقد؟
هو عملية يقوم بها العقل ليفهم بشكل أفضل ما يعرض عليه، ثم يطلق عليه حكمًا أقرب إلى الصواب. هذا التعريف يقودنا إلى شيء في غاية الأهمية، وهو أن هناك عقليتين مختلفتين من حيث استقبال المعلومات وهما: عقلية الإسفنجة وهي تلك العقلية التي تتشرب أي معلومة أو فكرة دون تفكير، أو حتى عملية تحقق بسيطة من صحة ما يطرح عليها. وعقلية فرز الذهب وهي تلك العقلية التي تتميز بنقد وفرز كل ما يعرض عليها.
وقد يتساءل أحد ما، ما الفائدة من النقد؟
للنقد الكثير من الفوائد أهمها:
١- الحماية من موجات الإلحاد.
٢- تمنع وسائل الإعلام من استغلال التحيزات العقلية وهي تلك “القناعات التي تشكلت لدى الإنسان بعمر ١٣ عامًا، وتستمر حتى يصل الإنسان إلى مرحلة التعصب لهذه القناعات” وتعتبر ثغرة خطرة في الغالب تستغلها وسائل الإعلام.
٣- إذا انتشر الفكر النقدي، فإن أي متحدث في الرأي العام سيحترم المستمعين، مما يساعد على الحد من التفاهات.
قواعد التفكير الناقد
١- عدم قبول الأفكار الخالية من الدليل. عندما ترد فكرة ما، أو رأي، يجب علينا قبل كل شيء النظر إلى ما تستند إليه هذه الفكرة، هل هناك برهان أم أنها مجرد رأي شخصي؟ فمثلًا عندما يقول شخصٌ ما: “إن معرفة الأبراج تساعدنا على فهم شخصيتنا”، ننظر هل هناك دليل على قوله، أم أنه مجرد رأي شخصي يقع تحت تأثير الهوى؟ فإذا كان هناك دليل نناقش صحته وفق القواعد القادمة، وإن كان مجرد رأي، فعدم النقاش يعتبر رد الفعل المناسب.
٢- تفكيك الفكرة المنتقدة إلى ثلاثة أجزاء (دليل، استدلال، نتيجة)، ثم توجيه الأسئلة النقدية لكل قسم. فمن أهم خطوات التفكير الناقد هو تحليل الفكرة المراد نقدها، وتفكيكها إلى ثلاثة أقسام سالفة الذكر، حتى يسهل علينا التعامل مع كل قسم. فالدليل والنتيجة معلوم معناهما، أما الاستدلال فهو الانتقال من الدليل للنتيجة.
٣- توجيه الأسئلة النقدية على الدليل المصاحب للفكرة.
ومن الأسئلة المهمة لنقد الدليل هي: هل الدليل صحيح وهو ثابت؟ وإذا كان دليلًا عقليًّا، هل يستند إلى مبدأ عقلي صحيح؟ … وهكذا.
فمثلًا يأتي من يدعي بأن الإسلام ضد العلم التجريبي، ويستشهد بحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن لحوم البقر إنها داء، قائلًا هذا خطأ فلحوم الأبقار مفيدة، وهذا رأي العلم التجريبي. فهنا نقوم بتوجيه السؤال النقدي للدليل، هل الدليل صحيح وهو هنا متمثل في حديث النبي؟
بالطبع غير صحيح، وهو استشهد بحديث ضعيف من جهة إسناده، ويقول الإمام الزركشي بأنه منقطع، وينظر في صحته. بل ثبت عن النبي أنه ضحى عن نسائه بالبقر، وحاشاه أن يتقرب بالداء لله.
- هل تم فهم الدليل بشكل صحيح دون تمييع المعنى؟
يجب التأكد من أن المدعي على فهم صحيح للدليل، وخاصة من ناحية اللغة، فقد يكون هناك أكثر من معنى للكلمة، والتفريق بين المعاني يكون وفق السياق. فمثلًا الخطأ في تفسير كلمة “النبيذ”، حيث يفسرونها على أساس أنها خمر، ثم يتهمون رواة الحديث بتشويه النبي، ويتخذونها قاعدة للهجوم على السنة.
بينما كلمة “نبيذ” في اللغة العربية لها معنى أوسع من كلمة نبيذ، ففي لسان العرب جاء تفسير لكلمة نبيذ على النحو التالي: “وقد تكرر في الحديث ذكر كلمة النبيذ، وهو ما يعمل من الأشربة من التمر، والزبيب، والعسل، والشعير، والحنطة، يقال: نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه المال ليصير نبيذًا، أي انتبذته في الماء، وسواء كان مسكرًا أو غير مسكر، يسمى نبيذًا”. فالنظر في صحة الدليل هي القاعدة المركزية لأي عملية نقدية ناجحة.
٤- النظر في الجوانب المفقودة التي يؤثر وجودها على تصور الدليل أو الفكرة. قد تكون للفكرة جوانب عديدة تؤثر في فهمها بشكل عام وصحيح، وإذا غاب أحد جوانبها يُخلّ بصلب الفكرة وينحو بها بعيدًا عن معناها الحقيقي. مثلًا هناك من يقول إن وجود شر يدل على عدم وجود الله، ولهذه الفكرة جوانب أخرى غابت فتأثرت صحتها، فقد أغفل أصحاب هذه الفكرة الجوانب التالية:
- إغفال سؤال الخير، وهو سؤال وجودي مهم، فمن أين كل هذا الخير الموجود في الإنسان؟
- الوصف الديني للحياة الدنيا بأنها محل شرور، وابتلاءات ومحن.
- إغفال مصدر هذا الشر، فأعظم الشرور الموجودة في العالم مصدرها الأول والأساسي هو الإنسان.
٥- يجب أن يتحقق مبدأ التلازم، وهو أن يؤدي الدليل إلى النتيجة المذكورة، وهذا ما يسمى بنقد “الاستدلال”. فمن الضروري جدًّا التأكد من أن الدليل يؤدي للنتيجة المذكورة، فمثلًا عندما يقول الملحدون إن الله غير موجود لأننا لا نراه. فعدم رؤية الشيء لا يعني عدم وجوده. فنحن نؤمن بوجود الكهرباء برغم عدم رؤيتنا له، ولكن فهمنا ذلك من آثاره، ومن باب أولى الإيمان بالله رغم عدم رؤيته، ولكننا نرى آثاره في الكون وحياتنا.
٦- معارضة النتيجة بنتيجة أخرى أقوى منها، وتقوم هذه القاعدة على مبدأ عقلي ضروري وهو (النقيضان لا يجتمعان)، بحيث تعترض على النتيجة الخاطئة بنتائج أخرى صحيحة.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 3,704
ماهو التفكير الناقد و قواعده و آثاره؟؟ كل هذا وأكثر في هذا المقال
link https://ziid.net/?p=91778