مواقع التواصل الاجتماعي وخلق حالة من المقارنة بين الناس
هناك من يستخدم وسائل التواصل للعمل أو متابعة الأخبار أو التواصل مع الأصدقاء وهناك من يستخدمها لعقد المقارنات، نجد أنّ الأخير خاسر.
add تابِعني remove_red_eye 13,690
في إحدى المدارس الابتدائية، كان هناك مسابقة وفاز ثلاثة أطفال، واحد بالمركز الأول والآخر بالمركز الثاني، والأخير بالمركز الثالث. الغريب أنّ صاحب المركز الأول كان يبكي، بينما سَعِد صاحب المركز الثالث كثيرًا. الأمر غريب حقًّا، تُرى ماذا حدث؟ حسنًا، لقد كان الطفل الحائز على المركز الثالث قنوعًا وفرح لنجاحه، حتى وإن لم يكن الأول، ولكنه فاز وفرح.
في نفس الوقت، لم يكن صاحب المركز الأول قنوعًا بما يكفي فنسي فوزه ونظر إلى فرحة زميله، وحسده عليها فبكى، ظنًا منه أنّ زميله أفضل منه. ما حدث باختصار هو حالة مقارنة، تسببت في ضياع فرصة السرور لدى صاحب المركز الأول الذي لم ينظر إلى ما بيده وتفوقه على الجميع، وإنما قارن نفسه بزميله ونسي أن يفرح بل وانخرط في البكاء.
المقارنة، سلوك مؤرق كثيرًا للإنسان، وتدفعه للعيش في دوامة كبيرة لا تنتهي، ويصبح المرء ساخطًا على حياته، متجاهلًا النعم التي يتمتع بها، موجهًا ناظريه إلى الآخرين. وقد ازدادت هذه المقارنات منذ أن ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي وانتشر الزيف من خلالها.
لا شك في أنّ لها العديد من المميزات، في نفس الوقت هي سلاح ذو حدين، ولها سلبيات عدة أبرزها نشر كل ما يتعلق بالحياة الشخصية عليها، وهنا تأتي المقارنة. حتى الأشياء التي لم يكونوا يشاركونها مع غيرهم قبل ظهور مواقع التواصل أصبحت متاحة للآخرين على وسائل التواصل حتى وإن لم يطلبوا مشاركتها.
تتسبب مواقع التواصل الاجتماعي في ازدراء النفس، فعندما يشاهد أحدهم صديقًا له يشارك حالة أو منشور بملابسه الجديدة أو سيارته الفخمة أو رحلته الصيفية المذهلة، في حين أنّ أحدهم لا يستطيع تحمل تكاليف مثل هذه الأمور، يفقد ثقته في نفسه سريعًا ويشعر بعجز كبير وينزعج من ذاته وحالته ويبدأ في المقارنة بينه وبين صديقه، ومن ثَم الحقد على ذلك الصديق الذي يُجعله يشعر بالازدراء.
مقارنة غير منطقية
يحكي أحدهم ذات مرة، كان له صديق على الفيسبوك ولكن لم يقابله من قبل قط، لكن هذا الصديق متفاعل على الفيسبوك وينشر تفاصيل حياته الدقيقة، مما دفع أحدهم إلى المقارنة بينه وبين صديقه، فأصبح يشكك في إنجازاته ويفقد ثقته في نفسه تدريجيًّا. في هذه الحالة، تجاهل الشخص المنطق الذي يؤكد حقيقة أنّ مثل هذه المقارنة ليست منطقية وغير عادلة، فهي قائمة على عدد من المنشورات على أحد مواقع التواصل، لكن هل هذه المنشورات تتضمن الجانب المظلم من حياة هذا الصديق؟ لا أظن، فالحياة ليست عادلة لهذه الدرجة، وإذا لم يكن هناك جانب مظلم مملوء بالمشاكل في حياة كل واحد منا، لأصبح ذلك مشكلة. يجب علينا إدراك حقيقة أنّ الحياة وردية في عيون الأطفال والقَنُوعين فقط.
لقد اتضح أنّ الاستجابة العاطفية للمرء لمثل هذه الصور المنشورة على وسائل التواصل قوية للغاية، حتى إنها تَغلُب الإحساس بالمنطق. إضافةً إلى أنّ الناس يعرضون فقط جوانب حياتهم الجيدة على وسائل التواصل الاجتماعي. ستجد أحدهم يشارك منشورًا عن رحلته إلى جزر المالديف الساحرة، لكن لن تجد منشورات تحكي عن الأمتعة المفقودة أو أي مشكلة حدثت أثناء السفر. دائمًا ما يسعى الإنسان إلى المثالية والكمال بطبعه. مثلًا، فلا نجد أحد يفضح عيوبه، وإنما يسعى كل منا إلى ستر هذه العيوب وإظهار أفضل صورة لدينا.
كيف نتخلص من هذا النوع من المقارنات؟
- قلل من تواجدك على وسائل التواصل: قد يبدو الأمر صعبًا في البداية، لكن بمجرد التعود على ذلك، ستجد الراحة في البعد عن هذه الوسائل، وستُدرك أنّ الوقت الطويل الذي تنفقه فيها بلا جدوى واقعية. ويمكنك تحديد الوقت مثلًا من خمس إلى عشر دقائق يوميًا كافية للغاية لمتابعة حسابك ومعرفة الأمور المهمة، لكن تجنب البحث عن حسابات الأشخاص الذين تقارن حالك بحالهم، فليس هناك شيء مفيد في هذا.
- ركز على الأشياء المهمة فقط: عندما تعيد ترتيب أولوياتك بشكل صحيح، سوف تستطيع توجيه انتباهك إلى العالم الحقيقي الواقعي، وستجد أمر هذه المقارنات غير المنطقية محض هراء لا جدوى منه. اذهب إلى صالة الرياضة. قم بإعداد جدول يومي مملوء بالأنشطة المفيدة التي تلهيك عن قضاء كل هذا الوقت على الفيسبوك. اقرأ كتابًا تُفضله. في النهاية، ستجد نفسك أفضل حالًا وبعيدًا عن كل هذه المشاكل.
- العائلة والأصدقاء أهم: في هذا الزمن، ومع زيادة استخدام مواقع التواصل، أصبحت التجمعات العائلية شيئًا غريبًا، فهناك من يطرحون السؤال، لمَ نتبادل الزيارات ويضيع الوقت طالما أنّ بإمكاننا اطمئنان بعضنا على بعض من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا خطأ، فالمُقابلات وجهًا لوجه تعزز العلاقات وتُقويها، لذا احرص على تقوية علاقاتك مع عائلتك وأصدقائك.
- تقدير الوقت: في بعض الأحيان، نجد أننا نقدر وقت الآخرين أكثر من تقديرنا لوقتنا الشخصي، في اللحظة التي يدرك فيها المرء هذا، سيفيق ويسعى لتقدير وقته، وإذا فعل ذلك سيتنازل عن تواجده على مواقع التواصل الاجتماعي كثيرًا في سبيل المحافظة على الوقت الذي سيَمضيه في شيء مهم، يجعله يشعر بالإنجاز.
- أقبل على هواياتك: من أحد سلبيات مواقع التواصل أنها سلبتنا من هواياتنا، لمَ لا بعض من الوقت الذي نمضيه على مواقع التواصل في ممارسة إحدى الهوايات، مثلًا، الرسم أو الرياضة وغيرهم.
- تناول الطعام الجيد: في بعض الأحيان نتجاهل الطعام من أجل البقاء فترة أطول على مواقع التواصل، لا بد وأنك قد شاهدت هذا المشهد من قبل، لشخص يجلس على طاولة الطعام، وعيناه تركزان في الهاتف، حتى إنه قد لا يدرك ما يأكل، ولا يشعر حتى المرء بالطعام الذي أكله. وهذا غير مفيد.
وأخيرًا.. لكل شيء فوائده وأضراره، ومواقع التواصل الاجتماعي تلك سلاح ذو حدين، لقد ساعدتنا على التواصل بسهولة، لكنها سلبت منا الوقت والتركيز وتسببت في نشر الأمراض النفسية. هذا لا يعني أنه يجب الامتناع عنها، وإنما التقليل منها والاستمتاع بفوائدها وتجنب أضرارها.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 13,690
مقال مثير حول وسائل التواصل الاجتماعي وكيف أثارت حالة المقارنة بين الناس
link https://ziid.net/?p=73388