[سلسلة] من تجربتي الذاتية: كيف غيرت الكورونا نظرتي للحياة؟
الأزمات هي الوسيلة الوحيدة لتذكير بني آدم أن جميعهم بشر، مشاعرهم وأفكارهم تكاد تكون واحدة حتى إذا اختلفت أعراقهم وجنسياتهم
add تابِعني remove_red_eye 29,562
لم أتخيل أبدًا أن هناك يومًا سيمرّ عليّ، وسأكتب فيه مقاله عن الكورونا في موقع “زد”، وإذا أخبرني أحدهم أني سأتحدث عن هذا الموضوع ضمن مقالاتي المشاركة في سباق الخمسين ربما كنت نعته بالمجنون، فمن وجهة نظري إذا لم أكتب عن شيء فيه تفاؤل أو تحفيزي أو من شأنه تغيير حياة الآخرين فلا فائدة من إضاعة وقتي في كتابته؛ لكن لله الحمد لقد اكتشفت مؤخرًا جوانب إيجابية كثيرة وتغييرات للأفضل حدثت لي أثناء تلك الأزمة وسأخبركم عنها تباعًا الآن.
أولًا: اكتشفت قدرتي على التنبؤ
في مطلع العام الحالي وكعادتي في تغطية الشئون الخارجية، وتحديدًا أخبار شرق آسيا عرفت أن سلالة جديدة من وباء كورونا قد اجتاحت مدينة ووهان الصينية، وقتها شعرت أن الأمر لن يكون بسيطًا كما حدث مع وباء سارس، وذهبت لغرفة الطعام لوالدي وأخوتي وأخبرتهم أن الأمر لا يبشر بالخير، وفي منتصف يناير وبعد انتشار الكورونا في الدول المحيطة بالصين شعرت بالاستياء من منظمة الصحة العالمية، وقلت لأسرتي لماذا العالم هادئ ولا يحرك ساكنًا، ماذا تنتظر منظمة الصحة العالمية بعد انتشار الوباء في (5) دول لتعلن عن حالة الطوارئ وأن كورونا وباء عالمي خطير؟ كنت أتمنى وقتها أن يخيب ظني؛ لكن ما توقعته حدث بالفعل مع الأسف، وبذلك أخبرتني تلك الأزمة أن أثق دائمًا في حدسي وتنبؤاتي.
ثانيًا: زادت قدرتي على الإبداع
بعد الحجر الصحي حبسني والداي حبسًا انفراديًّا لحمايتي بسبب مناعتي الضعيفة، وكان عام (2020م) ولا يزال من أكثر أعوامي إبداعًا؛ فلقد أنهيت مسودة كتابي إمبراطورية زركون بعد الشروع في كتابته منذ أغسطس (2018م)، وبدأت في تأليف روايتي الجديدة “مدينة الأشباح”، ونشرت حلقتين من رواية “الجبال المسحورة” على أكبر موقع ثقافي عربي، كل هذا بخلاف اشتراكي لأول مرة -وإن شاء الله لن تكون الأخيرة- في سباق الخمسين، كل تلك الإنجازات تحققت بفضل الله أولًا ثم بفضل الحجر الصحي ثانيًا، لهذا اقتنعت أن “رُبّ ضارة نافعة”.
ثالثًا: بدأت الحياة الكوميدية
من أكثر المواقف الكوميدية التي عاصرتها خلال هذا العام المشهود كانت تصرفات أمي وأخوتي؛ فإذا عطست أو أصابتني نزلة برد بسيطة صرخوا في وجهي (مازحين): كورونا، ابعدوا عنها، وكنت أرد عليهم (باستياء): ربنا الحامي، الحمد لله الذي عافني، كل هذا بخلاف سعادتي أن حياتي الطبيعية قبل (2020م) والتي كانت عبارة عن ديتول وتعقيم قد انتقلت بنجاح لبيتي وبيئتي؛ فأصبحت أمي تفعل ما كنت أفعله من قبل لدرجة أنها اعتادت مؤخرًا على وضع طبق صابون الأطباق مع نصف لمونه على النار لغليه وتعقيمه، الآن حياتي أصبحت أجمل بكثير بعدما أصبح البشر يفعلون ما اعتبرته من قبل “وسواسًا قهريًّا”.
رابعًا: أصبحت خبيرة في لغة العيون
أعتقد بعد انتهاء تلك الأزمة أن العالم سيبدأ في عمل إحصائيات عن حالات الحب من أول نظرة التي حدثت في عصر الكورونا؛ لكن قبل أن أكمل كلامي أتمني منكم قرائي الأعزاء ألا تسيئوا فهمي وأن تعذروا صراحتي؛ ففي الفترة الأخيرة بدأت أشعر بسعادة غريبة وألفة مع أي شخص يرتدي كمامة، ربما سبب ذلك ومرده هو رؤية عينيه فقط، بالنسبة لي العيون هي أصدق حاسة في الحواس، هي لغة التواصل الحقيقية بين البشر وليس الكلام، من وجهة نظري العيون لديها الصلاحية الكاملة في أخذ زمام التواصل من اللسان؛ لهذا السبب أنا أعترف أن تلك الأزمة جعلتني أفهم من أين جاءتني هبة قراءة الأفكار، من فهمي للغة العيون.
خامسًا: إدراك عظمة الخالق
هل قرأتم الآية (53) في سورة فُصلت؟؟ يقول فيها رب العزة: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، من وجهة نظري هذه الآية تلخص كل شيء يحدث في العالم الآن؛ فأنا على يقين أن هذا الوباء نتج عن أذية البشر بعضهم بعضًا، وكلما عجز البشر عن إيجاد الدواء الذي سخره الله -عز وجل- لعلاج هذا المرض كلما صغرت قيمة البشر في نظري وعظمت قدرة الله، من بيده ملكوت كل شيء، أكثر فأكثر.
في الختام
أود أن أذكركم بحديث سيد الخلق: “إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء عَلِمه من عَلِمه وجَهِله من جَهِله”؛ فتأكدوا جميعًا أن كل شيء مصيره للزوال حتى تلك الأزمة ستزول -بإذن الله- قريبًا؛ لكن تذكروا بعد زوالها أن تصلوا رحمكم أكثر، وتنظروا لكنوز الحياة التي غفلتم عنها، وكنتم تتعاملون معها وكأنها أمر مسلَّم به واعتيادي، وتأكدوا أن الشدائد تصيب البشر من أجل إعطائهم درسًا وعبرة؛ لذا قدروا قيمة الحياة ونعمة الصحة من الآن فصاعدًا.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 29,562
تجربة مثيرة عن تأثير الكورونا في الحياة اليومية
link https://ziid.net/?p=74000