كيف ولماذا نقع في الحب؟
الحب كان ومازال وسيبقى دائمًا محل اهتمامنا وفضولنا، فمهما قال العلم سنظل نسأل أنفسنا كيف ولماذا أحببنا؟!
add تابِعني remove_red_eye 61,969
يقول نزار قباني في رائعته (إلى تلميذة) عن الحب: قصص الهوى قد أفسدتك .. فكلها غيبوبة .. وخرافةٌ .. وخيال الحب ليس روايةً شرقيةً بختامها يتزوج الأبطال. ويقول الفقيه والأديب ابن حزم الأندلسي عن الحب من النظرة الأولى: (وإني لأطيل العجب من كل من يدعي أنه يحب من نظرة واحدة، ولا أكاد أصدقه، ولا أجعل حبه إلا ضربًا من الشهوة، وما لصق بأحشائي حب قط إلا مع الزمن الطويل و بعد ملازمة الشخص لي دهرًا وأخذي معه في كل جد وهزل) وأنا أقول جئتكم اليوم في مرافعة عن القلب، القلب الذي أوسعناه كثيرًا باتهامات باطلة لا يمكن أن يتحملها أحد، فجعلناه مشجبًا خاصًّا بتعليق خيباتنا عليه، فلا ترى أحد الذين أصيبوا بالحب إلا وقال إن قلبه هو سبب ورطته، وأنه لولاه لم أُصب بالحب الذي لم يأت لما عرف طعم الحياة، والذي حينما انتهى بالفراق عرف معنى الموت، ولكنني أقول ليس للقلب ذنب في ذلك، وأنا قد جئت لأدافع عنه.
ليس للقلب دخل في ذلك
دائمًا ما نردد (قلبي حزين) (أحبك من قلبي) ولكن المشاعر والعواطف تتعلق بالعقل لا بالقلب، لأن القلب ليس له دور أكثر من كونه مضخة للدماء في جميع أنحاء الجسد، إنه ينظم عملياتك الحيوية ويتحكم بك، ولو كان حقيقيًّا ذلك التأثر بالفراق، لكان كل محب مخذول ذي قلب متوقف يرقد في قبره الآن.
مقدمة لا بد منها قبل أن نتحدث عن الحب
تلك المقدمة أوضح فيها معنى العاطفة والمزاج والمشاعر، قبل أن أشرع في التكلم عن عملية الحب وكيفية حدوثها
ما العاطفة؟
هي مواد كيميائية موطنها الجهاز العصبي بأدمغتنا، يتم إصدارها استجابةً لتفسيرنا لمحفز معين، يتم إطلاق المواد الكيميائية العاطفية في جميع أنحاء أجسامنا وليس الدماغ فقط.
ما المزاج؟
هو حالة عاطفية تستمر لمدة طويلة قد تكون دقائق أو ساعات أو حتى أيام، ويتأثر المزاج بشدة بعدة عوامل مثل: البيئة، والصحة، والتغذية، وأخيرًا حالتنا العقلية. ويكون المزاج إيجابيًّا أو سلبيًّا.
ما المشاعر؟
هي تجربة واعية تتميز بالنشاط العقلي الشديد، وبدرجة معينة من المتعة أو المعاناة.
من ذلك نستخلص أن المتحكم في كل انفعالاتنا وعواطفنا ومشاعرنا هو العقل، والقلب بعيد كل البعد عن ذلك الأمر فليس من وظائفه أبدًا الشعور، أن المشاعر ما هي إلا استجابات عقلية لمحفزات أو مثيرات حسية أو شعورية.
كيف يحدث الحب؟
هل تتذكر كيف وقعت بالحب، ما الذي يحدث لك حينما تشعر بتلك الدغدغة اللطيفة تمس قلبك، حينما يقابل أحدكم الشريك الذي لطالما حلم به، أو بشكل علمي أدق وافقت صورته، الشكل الملائم للحبيب والذي تتحكم به خبراتك السابقة، وحياتك ورؤيتك للحب والمشاعر، ورؤيتك لشريك الحياة، وكذلك احتياجاتك وأمنياتك، وحتى الأفلام الرومانسية التي شاهدتها في صباك، أو الروايات التي تأخذ منها فكرتك عن الحب، ففي إحدى الاقتباسات عن د. أحمد خالد توفيق من كتابه (قصاصات قابلة للحرق) يقول
“ليتنا أنا وأنت جئنا العالم قبل اختراع التلفزيون والسينما لنعرف هل هذا حب حقًّا أم أننا نتقمص ما نراه”
فقد لا يكون فيضان المشاعر الذي نشعر به ما هو إلا تقليد، أو تقمص لحالة شعورية نحلم أن نعيش بها.
فحينما ترى أحدًا وتقع في حبه، ذلك لا يحدث جزافًا، بل يحدث لأنك منذ الطفولة والمراهقة، وحتى قبل اللحظة التي قابلته فيها، رسمت في عقلك اللاوعي صورة للحبيب، فأنت من خلال معارفك وصورة المقربين منك، وأحبائك، وقصص الحب التي عاصرتها، تكون صورة في اللاوعي، وحينما تقابل هذا الشخص الذي يوافق تلك الصورة، يحدث الانجذاب العاطفي، وهناك معتقد شائع أن الفتاة دائمًا تبحث عمن يشبه أباها، والفتى يبحث عمن يشبه والدته، لأنهم صورة الجنس الآخر الذين تفتحت أعينهم عليها، منذ بداية حياته.
وهناك سبب آخر للانجذاب العاطفي وهو التطابق بينكما، فحينما تجد شخصين واقعين في الحب لن تجدهما مختلفين كثيرًا عن بعضهما، فنحن نجد البعض يخبرون المتحابين أنهم يشبه بعضهم بعضًا، لأن اللاوعي يلعب دورًا في ذلك فهو يخبرك أن هذا الشخص الذي تتفقان في نظرتكما للحياة، وأسلوبكما وحتى صفاتكما الشكلية، فإنه هو أكثر الأشخاص المناسبين لك، لأنك لن تحتاج الكثير من الجهد للتأقلم معه، ولن يرهقكما وجودكما سويًّا.
يقول “أنطوان ري سانت اكسوبيري” (الحب ليس أن ينظر أحدنا إلى الآخر، بل أن ننظر معا في الاتجاه نفسه).
لكن ذلك ليس حبًّا، تخيل!
كل ما أخبرتك به سابقًا هو ليس حبًا، بل هو انجذاب عاطفي، ولكنني عرضته تحت مسمى الحب، لأن الجميع يخلطون بين الانجذاب العاطفي، والحب، وهذا ما يعيدنا لمقولة ابن حزم الأندلسي السابق ذكرها وهو أن الحب لا يكون إلا بطول التجربة، وطول العشرة والمواقف، فالحب ليس قصائد الشعر، أو الكلام الجميل، أو الوعود الموشاة بالكلمات المنمقة، الحب هو أن تجد من تحبه بجانبك، أن تحتاج إليه فتجده جانبك، أن يقبلك، وأن يتحملك وأن يصبر عليك، وأن تبادله أنت بالمثل.
خرافة الحب من النظرة الأولى، بيد الهرمونات لا بيدي
طالما أن المشاعر هي نتاج عقلي، هي عبارة عن استجابات، أي عملية عقلية، وكذلك الشعور بالسعادة هو ليس أكثر من هرمون السيروتونين، فكذلك الحب أيضًا تتحكم فيه مجموعة من الهرمونات.
كيف يتحكم الدماغ في عملية الانجذاب العاطفي؟
يفرز الدماغ سلسلة من المواد الكيميائية، منها الدوبامين الذي ينتج شعورًا بالسعادة والغبطة، أما الهرمون الثاني فهو النوريبنفيرين وهو المسؤول عن مشاعر التوتر، والذي يسبب زيادة في معدل ضربات القلب، والتعرق، والهرمون الثالث هو السيروتونين، الذي ينخفض ممّا يجعلنا مشغولين بالتفكير في الشخص الآخر، وأحلام اليقظة، كما يلعب هرمون الأندورفين أيضًا دورًا رئيسيًّا في الحث على الارتباط، وقمع الألم وخلق شعور بالأمان.
فأنت لا تتحكم بشيء، إنها انخفاضات وارتفاعات الهرمونات في الدماغ ليس أكثر، فالانجذاب هو عملية هرمونية، شأنه شأن عملية الاكتئاب مثلًا، بل وإنه يتشابه كثيرًا مع عملية الإدمان لأن الهرمونات التي تحفزها المادة المخدرة هي نفس الهرمونات التي تحفزها عملية الحب.
كيف تحول الانجذاب إلى حب
يتطور الانجذاب إلى حب حينما تتعرف على الشخص أكثر، وتهتم به وتقدره، وتفعل ما يسعده وما يجعلك تبدو كبيرًا في عينه، كما أنه من المهم أن تضع احتمالية أن يرفض ذلك الشخص حبك قائمة، لئلا يحزن قلبك.
لكن قبل أن تنساق خلف الانجذاب العاطفي، حكم عقلك قليلًا، فكر جيدًا إن كان هذا الشخص مناسبًا أم لا، ستشكلان ثنائيًا جيدًا، يمكنكم المضي قدمًا في حياتكما أم لا، فلا أحد ينكر أن المشاعر التي يخلفها رائعة، بل شديدة الروعة، وتجلب لك السعادة، ولكن شعور السعادة المؤقت حالما ينتهي ويصطدم بالواقع، لأن الانجذاب ليس كفيلًا بأن يجعل الحياة تكتمل وتستمر.
في النهاية أود أن أقول أن الحب الجميل، وحينما تجد شخصًا ملائمًا لك، يحبك، ويحب أن يسعد قلبك، ويستمع إليك، فلا تهمله ولا تعتمد أن الحب وحده هو ما سيجعله يظل بجانبك، بل حافظ على تلك الرابطة، بالأفعال الدالة على الحب..
إليك أيضًا
الحب لا يكفي! هناك أمور أهم إن كنت تفكر في الزواج
add تابِعني remove_red_eye 61,969
الحب الذي حير الشعراء والأدباء، وحير المحبين طويل، كيف يحدث، وهل للقلب شأن في ذلك؟
link https://ziid.net/?p=65800