العرّاب: عن أحمد خالد توفيق الذي أَثَّر في الجميع
الراحل أحمد خالد توفيق الذي جعل هدفه في الحياة أن يعود الشباب للقراءة ويبحروا في هذا المحيط الواسع ليفكروا ويتطوروا
add تابِعني remove_red_eye 61,620
بينما أنا في الطريق حيث سكن الجامعة، خطرت لي يومها فكرة أن أتخلى عن الأغنيات التي تؤنسني في طريقي، وأجرب الكتاب الصوتي بحوزتي، لم تكن أيامها تطبيقاتها كثيرة مثل الآن، لقد كان لدي تطبيق واحد “اقرأ لي” جرّبت أن أستمع للكتاب والذي هو بالمصادفة “يوتوبيا” للدكتور أحمد خالد توفيق، تلك الرواية التي تتحدث عن مصر بعد الكثير من الأعوام، في صورتها المستقبلية القادرة على خلع قلبك وجعلك تبكي.
فبينما انفصل رجل الأعمال والنفوذ في مدينتهم، بقي الفقراء مطرودين في الخارج لا يجدون الرغيف، وبينما أنا منهمكة في القراء إذ بتعبير على لسان أحد سكان يوتوبيا حينما خرج إلى عالم الفقراء أو “الأغيار” كما يسميهم سكان يوتوبيا يقول فيه:
“الشطائر مشكلة أخرى.. كومة من الشطائر.. يزعمون أنه كبدة وأن ثمنه عشرون جنيهًا.. لو كانت هذه أكباد فئران لما أمكن بيعها بهذا السعر”
لقد كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، ونجح هذا التعبير البسيط في إصلاح ما حاولت أمّي لمدة عام ونصف أن تصلحه، وهو أن أكف عن تناول شطائر الكبد من عربة في الشارع الذي أسكن فيه.
حينما أخبرتها في الإجازة التالية بَشّ وجهها وقالت “أحسن” ثم عقبت ذلك بدعوى رفعتها للمؤلف الذي جعل ابنتها تكفّ عن طعام الشارع الذي كاد أن يفتك بها ذات يوم، لكنني لم أخبر أمي عن العرض الجانبي لقراءة يوتوبيا التي تخلف انطباعًا عن كل من يقرأها بالخوف، بالخوف من القادم الذي ينتظرنا، ولا نعرف هل سنكون قادرين على مواجهته أم لا.
الوقوع متأخرًا في غرام كتابته
منذ قراءة “يوتوبيا” عقدت العزم ووضعت خطتي أن أنهي كتب د. أحمد خالد توفيق، لكنني لم أتمكن من ذلك فأنا مثل الجميع، أضع الخطط وأفشل في تحقيقيها، ولكنني قرأت عددًا لا بأس به من كتبه، وعلى الرغم من ذلك كنت أشعر بالحرج حينما أدرك أنني فاتتني قراءة “ما وراء الطبيعة” عندما كنت طفلة ومراهقة، لم تكن السلسلة تصل لبلدتي ولم يكن أخي يهتم بها، لقد كانت ميوله بوليسية.
فكان البيت يعج بسلسلة “رجل المستحيل” أدهم صبري البطل البوليسي الذي لا يمكن أن يهزمه أحد، وأعداد قليلة من ملف المستقبل، حتى حينما أحضر كتاب “أسطورة الطفيل” ذات مرة قال إنها مملة على الرغم من أنني أحببتها وأعجبتني، ولكن سلطة إحضار الكتب لا تخضع لي لذلك لم أتمكن من استكمال قراءة السلسلة، وحينما ذهبت للجامعة انغمست في أمور أخرى، وكتب جديدة وخطط قرائية نُفّذ نصفها، بعد قراءة يوتوبيا تغير كل شيء، وصرت أحلم بذلك اليوم الذي أراه فيه وأوقع كتبه منه وأخبره أنني أحب ما يكتبه.
لقد امتزجت في كتابته السخرية اللاذعة ونقد المجتمع، مع اللغة غير المتحذلقة، وهو لا يعجب الكثيرين الذين يرون أن الكتابة قرآنًا لا يُمس ولا تتغير ملامحه، لقد عُرف عنه أنه كان يساعد من يريدون نصيحة يهتم بمن يراسله، بل إنني كنت أشعر بالغيرة أحيانًا من الذين حظوا بالوجود بجانبه، ومعرفته عن قرب أو حتى لقاء واحد يجمعني، من فرط ما كنت أقرأ عنه إنسانيته.
تقول “رشا” إحدى المتابعات له، والتي لم يكن يعاملها كمتابِعة بل ابنة: (بدأت علاقتي مع دكتور أحمد من منذ طفولتي عن طريق رواياته، حينما أحببت أنا وأختي العزيزة ما كان يكتبه، لم يتوقف الأمر عند الولع بكتبه وقرءاتها، وحبها واصطحابها معنا في كل مكان وأي وقت، بل إن آخر ما نطقت به أختي قبل وفاتها، أنها ستقرأ لي إحدى قصصه، ولكنها لم تعد لتقرأها، بعد تجاوزي الصدمة لا الحزن عليها، قررت أنني أريد رؤيته، كنت أشعر أن ذلك أمر بعيد، لكنه ليس على الله ببعيد، حينها مهد الله السبيل للقاء، وهناك عرفته عن قرب وكنت أتمنى أن أحظى بصورة تجمعني به.
ولكن مثلما شاء الله أن يرزقني لقاءه منحني فرصة الحديث إليه، أخبرته عن أختي، وعن آخر شيء قالته لي، وبكيت، كانت لغتي البكاء ولغته كانت إنسانيته، ومنذ ذلك الوقت وهو يعاملني وكأنني ابنته، حتى إن صدمتي بوفاته كانت كبيرة جدًا).
وتحكي “وئام” ( عام 1996 نشر دكتور أحمد خالد توفيق رسالتي إليه، بكل أسئلتها الساذجة وعفويتها، اهتم بي ولم يستخف مني، لقد كانت فرحتي غامرة، فهو كاتبي المفضل الأبدي، حتى إنني في مواقف كثيرة في حياتي كنت أتخيل رد فعل رفعت إسماعيل “في ما وراء الطبيعة” الساخر العجوز)
ولكن القدَر لم يمهلني لأحقق حلمي
كنت أحلم أن أرى دكتور أحمد خالد توفيق وأحظى بتوقيعه على أعماله، ولكن في ليلة من ليالي أبريل من العام 2018 وبينما كنا نتجول في الشارع أنا والصديقات، انعطفنا لمحل تجاري وهناك بينما أتابع فيلم سندريلا، وبينما أنا أضحك على طيران العرابات، أصدر هاتفي إشعارًا وحِينها دخلت إلى موقع فيسبوك، فوجدت الأخبار تنتشر، والحلم يختفي، كانت حالة من الحزن عظيمة، الجميع يبكي، الجميع لا يصدق، حتى الذين لا يقرؤون له، حتى الذين يعرفونه كاسم، لقد هزّ رحيله وجدان الجميع، وجداننا كلنا، ليلتها تركت صديقتي وجلست على رصيف الشارع أبكي، لقد رحل قبل أن أراه ولو لمرة.
حتى تحترق النجوم
“حتى تحترق النجوم” من أفضل التعبيرات التي قرأتها فعلًا، ومن أكثر التعبيرات قربًا لقلبي، وحتى تحترق النجوم وتفنى العوالم سيظل الجدل دائرًا حول ما كتبه دكتور أحمد خالد توفيق، فمن فترة لأخرى ترتفع موجات من النقد اللاذع لتطال كتابات دكتور أحمد خالد توفيق، فيتم تصنيف ما يكتبه إلى أدب المراهقين -على الرغم من أن تلك التسمية غير مَعِيبة- إلى اتهامات بسرقة أعماله من الأعمال الأجنبية، أو حتى التقليل من الأسلوب الذي كتب به السلسلة، حتى إن البعض يقتطع التعبيرات من سياقها الكتابي، والزمني التي كتبت به وينسى روح السخرية في القصة، ويعيب عليه، لكن على الرغم من كل ذلك فإن أعداد القرّاء تزيد ولا تنقص.
بالتزامن مع إعلان شبكة Netflix إنتاجها المصري الأول وهو مسلسل “ما وراء الطبيعة” المأخوذ عن سلسلة ما وراء الطبيعة، والذي يُعدّ نجاحًا عظيمًا للسلسلة التي بدأت عام 1993م، وظلت باقية حتى الآن، ظهرت موجة جديدة من النقد، ولكنها جددت في قلبي شغف معاودة القراءة للراحل، الذي أثّر فيّ وفي كل مَن قرأ له، سواء السلسلة، أو الروايات المنفردة وحتى المقالات، رحم الله من جعل الشباب يقرؤون، ويحبون الكتابة، ومن نجح فيما فشلت فيه أمي.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 61,620
لقد جعل د.أحمد خالد توفيق الشباب يقرؤون، وقد فعل معي ما فشلت أمي في فعله! مقال ملهم
link https://ziid.net/?p=64930