لماذا أصبحت الشخصيات غير الجادة والتافهة محبوبة وناجحة؟
أصبحت الكثير من الشخصيات غير الجادة والتافهة محبوبة وناجحة في المجتمع، والسبب في هذا نحن في الواقع وليس هم
add تابِعني remove_red_eye 11,872
لم يصبح النجاح معتمدًا على عمق ما تقدمه وقيمته الفعلية، حيث إننا نلاحظ جميعًا كيف أصبح الكثير من الشخصيات غير الجادة والتافهة محبوبة وناجحة في المجتمع، حينما أفكر في الأسباب التي يمكن أن تكون سببًا لحدوث هذا أجد أنها متنوعة ومختلفة، وربما كان السبب الرئيسي لها اعتمادنا الكلي على الإنترنت، فالآن –أكثر من أي وقت مضى– أصبح الجميع يعتمد على الإنترنت في كل شئون حياته الخاصة والعملية.
أسباب نجاح وشهرة الشخصيات التافهة وغير الجادة
حينما كنا نذكر كلمة النجاح كان يتوارد إلى الذهن طبيب ابتكر علاجًا جديدًا، عالم حصل على نوبل، طالب حقق (100) بالمائة في الامتحان، أديب أو شاعر كتب شيئًا مميزًا، الآن تغير مفهوم النجاح بعض الشيء، فأصبحنا نرى العديد من الشخصيات غير الجادة –التي لا تقدم أي شيء مفيد في الواقع– ناجحة ومحبوبة من قبل المجتمع، ربما يكون العالم تغير بعض الشيء لا سيما بعد الاعتماد الكلي على الإنترنت، الذي جعل انتشار المحتوى التافه وغير المفيد وغير الجاد أمر لا يتطلب سوى ضغطة زر واحدة، ليرى هذا المحتوى ملايين الناس حول العالم، ويصبح الشخص –الذي لم يقدم أي شيء مفيد– ناجحًا ومحبوبًا وشهيرًا.
والإنترنت سبب رئيسي ساعد في تشعب عدد من الأسباب الفرعية تحته، والتي ساهمت بدورها في نجاح وشهرة هذا النوع من الشخصيات، وهذه الأسباب تتمثل في:
الرغبة في تتبع الحياة الشخصية للآخرين
سهل الإنترنت تتبع حياة الآخرين، أصبحنا جميعًا ننشر الكثير من التفاصيل على شبكات التواصل الاجتماعي، وأصبح الكثير من الأشخاص يعرفون عنا الكثير من الأشياء التي لم يكونوا ليعرفونها لولا الإنترنت، أصبحنا نشارك أخبارنا، صورنا الشخصية، تجمعاتنا العائلية، عملنا وكل ما يتعلق بنا على الإنترنت، فأصبحت الخصوصية شبه معدومة، وهذا ولد في نفوس الكثير رغبة في تتبع الحياة الشخصية للآخرين، لا سيّما الأشخاص التي تسلط الضوء على كل تفاصيل حياتها.
نرى الكثير من قنوات اليوتيوب على سبيل المثال متابعيها بالملايين، وحينما تتعمق لتعرف ما المحتوى الهادف الذي يجعل هذه الملايين تلتف حول هذه القناة، فتجد أنه –حرفيًّا– لا شيء، لا تقدم هذه القنوات أي محتوى هادف أو مفيد، بل كل ما تقدمه أنها تعرض حياتها الشخصية وحياة أسرتها، فيشاهد الملايين من الأشخاص حول العالم هذه الفيديوهات، فيصبح أصحاب هذه القنوات مشهورين ومحبوبين.
وحينما تتعمق أكثر وتقول: إنه لربما هذه القنوات تعرض الحياة اليومية بطريقة كوميدية ساخرة، وهذا ما يجعل الملايين يشاهدون، فتجد أن ما يتم عرضه فيديوهات مجردة من أي كوميديا، وأنها فيديوهات تعرض ذهاب الأسرة للحديقة، وشراء الأسرة لشيء جديد وغيرها، والسبب الوحيد وراء ما يحدث هو أن الملايين من الناس أصبحت تحب تتبع الحياة الشخصية للآخرين، ماذا فعلوا وأين ذهبوا وماذا اشتروا؟
الثرثرة وتداول الأخبار
الإنترنت ساعد كثيرًا على المزيد من الثرثرة، وتداول الأخبار بكل سهولة سواء أخبار مزيفة أو حقيقية، أصبح بإمكان أي شخص الآن أن ينشر أي خبر يريد، ليشاركه مئات وآلاف وربما ملايين الأشخاص، وهذا سبب من أسباب شهرة الشخصيات التافهة وغير الجادة، الكثير يحبون الثرثرة وتناقل الأخبار، لذا تستغل بعض الشخصيات غير الجادة هذا الأمر لتنشر شيء مثير، ربما رأي شاذ أو فضيحة، ليبدأ الناس بالثرثرة حول الأمر وتداوله، ليصبح صاحب الخبر هو الأشهر على الساحة، يتحدث الجميع عنده، يؤيده البعض وينتقده البعض، ويتحدث الجميع في الأمر لفترة.
وللأسف تشتهر هذه الشخصيات بسبب المحبين والكارهين لها على حد سواء بفضل حب الثرثرة وتناقل الأخبار، فالأشخاص المحبة يشاركون أخبار هؤلاء بمزيد من الحب والدعم، والأشخاص الكارهون يشاهدون ما يقدمون ويشاركونه مع تعليقات لاذعة، وفي كلا الحالتين يساعد النوعان على انتشار واشتهار المحتوى أكثر.
السطحية
أصبحت الأمور الجادة عبئًا على الكثير من الأشخاص، نظام الحياة يتغير، فالحياة تصبح أسرع، ولا وقت للعمق والجدية، هكذا يفكر الكثير، فأصبح الشخص غير الجاد الذي يقول كلام غير مفيدٍ مرغوبًا في سماعه، بينما الشخص الجاد الذي يتحدث في مواضيع مهمة وجادة وعميقة شخص غير مرغوب في سماعه، وهذا للأسف أحد النتائج التي ساعد الإنترنت على وجودها.
عدم تقدير قيمة الوقت
على الرغم من أن الوقت أصبح سريع جدًّا عن الماضي، وهذا أيضًا سبب من أسباب وجود الإنترنت، إلا أن الكثير لم يعودوا يقدرون قيمة الوقت، لا مشكلة في ضياع ساعة، اثنين، عشرة، ربما يوم، أو شهر، وربما عام أو أعوام، لا مشكلة في مرور الوقت دون فعل شيء، فبالتالي أصبح الاستماع إلى الشخصيات غير الجادة، أو رؤية ما تقدمه هذه الشخصيات من محتوى أمرًا مقبولًا، فما المشكلة في ضياع ساعة أو اثنين في مشاهدة مقطع فيديو لن تستفيد منه شيئًا؟ ما الأمر العظيم الذي كنت ستفعله في هذه الساعة إذا لم تشاهد المقطع مثلًا؟ هكذا يفكر الكثير من الأشخاص، الذين أصبح الوقت بلا قيمة بالنسبة لهم، مما أدى لشهرة أشخاص لا تقدم أي شيء، أشخاص فارغون تمامًا من الداخل.
انخفاض الرغبة في تحقيق أهداف عظيمة
لنشاهد موقع يوتيوب أو فيس بوك على سبيل المثال، انظر للأشخاص الذين يقدمون محتوى عظيمًا وهادفًا، مثل الأشخاص الذين يعلمون دروس اللغات، الكمبيوتر، المعلومات والدروس العلمية، ستجد أن متابعيهم محدودون مقارنة بالأشخاص الذين لا يقدمون محتوى هادفًا، أعتقد أن الكثير من الأشخاص لم يعودوا شغوفين أو لديهم رغبة بتحقيق أهداف عظيمة، لا يريد الكثير أن يتعلم لغة جديدة، أو يتعلم مهارة جديدة، أو يسمع معلومة علمية أو تاريخية، تذكر معي عدد الأسماء الشهيرة على مواقع التواصل التي تقدم محتوى هادفًا، مقارنة بالأسماء التي لا تقدم شيء مفيد، والتيك توك أكبر مثال على هذا، تنام وتستيقظ لتسمع عن اسم جديد يتحدث عنه الملايين، ماذا يقدم هذا الشخص؟ حرفيًّا لا شيء.
أعتقد أن نجاح وشهرة الشخصيات التافهة وغير الجادة ليس لأنهم يتمتعون بذكاء أو يقدمون شيئًا يستحق وجودهم في هذه المكانة، بل لأن المجتمع –ونحن جزء منه بالطبع– مساهمون بطريقة أو بأخرى في تسليط الضوء على هذا النوع من الأشخاص، ربما بحبنا وتشجيعنا تارة، وربما بكرهنا وانتقادنا لهم تارة أخرى، ففي كل الأحوال نشارك أخبارهم بالسلب أو بالإيجاب، ونساعدهم على تحقيق المزيد من الشهرة والنجاح.
أعتقد أن الخطوة الأولى في حل هذه المشكلة ستكون بالتوقف عن الفضول، الفضول لرؤية محتوى غير هادف، الفضول لتتبع الأخبار الجاذبة، انظر إلى المشاهدات على خبر بعنوان “فضيحة الممثلة فلانة، أو خبر صادم لمحبين فلان”، وفي المقابل انظر على مشاهدات خبر تحت عنوان “حصول الطبيب الفلاني على جائزة كذا لابتكاره دواء جديدًا أو اكتشافًا أثريًّا في المكان الفلاني” ستجد الفرق آلاف بل ملايين المشاهدات، لا لشيء إلا لأن فضول الكثير لم يعد يتحرك إلا في الفضائح، أو الأخبار غير المتوقعة، أو خصوصيات الغير.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 11,872
مقال يناقش شهرة الشخصيات التافهة وغير الجادة على مواقع التواصل الاجتماعي
link https://ziid.net/?p=72353