أربعةُ أعمالٍ من الدراما السورية قبل الحرب
الدراما السورية من أفضل وأكثر الأعمال الدسمة التي ليست فقط تمتع المشاهد ولكن تعلمه وترصد واقعه لكي تغيره
add تابِعني remove_red_eye 21,476
طيلةَ عشرة سنوات منذ مطلعِ الألفية الأولى قدمت الدراما السورية أعمالاً مهمة في انعطافٍ واضحٍ، تربعت بها على عرشِ الدراما العربية، كتابة وإخراجا، حيث بدأ المجتمع العربي بفتحِ قضايا جديدة وتناولها بدل التعتيم والرفض، وكان آخر عقدٍ قبل ظروف الحرب السورية التي غيرت مواضيع الدراما وتناولاتها. في هذا المقال نرشحُ لك أربعَة أعمالٍ درامية سورية في العشرية الأولى من الألفيات، وقبل الحرب، تركت بصمتها في ذاكرة المشاهد.
1. عصي الدمع (2005)
العمل الذي أخرجه الراحل حاتم علي وكان واحدا من الأعمال المهمة في مسيرته، فمنذ البداية بدا العمل أنه على موعدٍ مع فتحِ كل القضايا الشائكة الخاصةِ بالمرأة في المجتمع، منذ اللحظةِ التي تعرضت فيها البطلة “رياض العمري” إلى تحرش لفظي لم تسكت عنه بل توجهت للقضاءِ، خاصةً وأنها محامية وعلى دراية بالقانون الذي يحميها. لتتوالى الكثير من القضايا المسكوتِ عنها وحتى التي يعتبرها المجتمع سرًّا بما يقتضيهِ.
قضايا كثيرة فتحتها الكاتبة دلع الرحبي وناقشتها بسلاسةٍ تامة، بداية من التحرشِ إلى النظرة الدونية للمرأة سواءٌ من الرجل المثقف مثال “رياض المرادي”، إلى الرجلِ الذي تحكمه عاداتُ المجتمعِ، جارِ رياض العمري “زوج رزة”.
لقد ركز المسلسل على علاقةِ رياض العمري ورياض المرادي، الرجل الذي بدا مثقفًا، متفتحا، يعيش دومًا بأجواء الفن من الاستماع للمقطوعاتِ الموسيقية الكلاسيكية إلى ممارسةِ الطبخِ دون الشعورِ بالنقصِ مثلًا، في نفسِ الوقت يطلب من زوجتهِ إخباره بجميعِ تحركاتها، يملي عليها الطريقةَ التي يود أن تعيش بها. يحتفظ رياض العمري بلوحات المستشرقين للنساءِ وهن ممدداتٍ على الفراشِ، ويبدو أنهُ يريد أن يعيش كسلطان تتمدد له إحدى الجاريات في حين تعزفُ العود، ذلك المشهد الذي جمعَ اللوحة على الحائط، على حين تمسك زوجته بالعود وينظر لها، مستمتعًا بهذهِ اللوحة التي تحققت له.
يبدأ المشاهدُ باكتشافِ شخصية “رياض المرادي” بالتوازي مع الزوجة، التي يبدو لها أنه ليس الرجل الذي أحبت، وتمنت أن تعيش معهُ بقية العمرِ بمنزلٍ واحدٍ، خاصةً مع ظهورِ طليقتهِ، وابنهِ، وعلاقتهُ بابنهِ التي لا تتعدى تلبية حاجياته المادية، محاولًا طمس أي أثرٍ لما فعلهُ ابنه بدلَ التعامل معه ومرافقته في هذهِ السن التي يحتاج فيها لمرافقته والاستماع له.
في خطٍّ درامي آخر يفتحُ المسلسل، موضوعَ عمل المرأة بين تهاني (نادين سلامة) وخطيبها، وكيفَ يتم ابتزازها للتوقفِ عن العمل، أيضًا يعالج موضوع السحر والشعوذة الذي تُعدّ النساءُ أول المتجهات لهُ خاصةً لتحقيق رغبتهنَ في الزواج، من خلال شخصية ملك (ناندا محمد). بالإضافةِ إلى قضيةِ التعدد، وكيف تم الضغط على الزوجة الأولى للاستمرار في الزواج ومقايضتها بالبيتِ، وكيف يعودُ ذلك على نفسيةِ الأطفال.
أيضًا اعتبار المرأة مجرد آلةٍ للطبخِ والتنظيف في البيتِ، لا تتعب ولا تمرض، أو لا يجوز لها ذلك وهذا ما عالجته من خلال شخصية رزة (شكران مرتجى). أشار العملُ لنظرةِ المجتمع إلى المرأة في المناصب الهامة كقاضيةٍ كدورِ خلود (يارا صبري)، وحتى علاقتها بزوجها، كيف أن العمل لا يغير من متطلبات المرأة البيتية من شيء باعتبارهِ عادات اجتماعية لم تتغير بتغيرِ الزمن.
2. ليس سرابًا (2008)
ينطلقُ العمل الذي أخرجه المثنى صبح بعرضِ العلاقة بين أسرتين متقاربتين دمشقيتين، وصديقين من الأسرتين وُلِدَا في نفسِ اليومِ ليحافظا على صداقتهما لمدة تفوق الخمسة عقودٍ، جلال (عباس النوري) وميشال (سلوم حداد)، رغمَ الاختلافِ الديني بينهما، حيث عالج من خلالها الكاتب فكرةَ التعايش بين الأديان في المجتمع السوري. كمثالٍ عن أسرٍ كثيرة صهرت الاختلافات لتعيش معاني الجيرة والمعاملة الحسنة وتصنع الذكريات.
ليذهبَ بنا فادي قوشقجي في رحلةٍ لاكتشافِ العقليات والتفكير المؤثر عليها، والصراعات الأيديولوجية في المجتمع. قضايا المثقف والاختلاف الإنساني والتنوع الاجتماعي والتعايش في البلد الواحد المتنوع طائفيًّا وعرقيًّا وثقافيًّا أيضًا.
لقد حاول السيناريست خلق مجتمعاتٍ صغيرةٍ مختلفة متمثلة في عائلة “جلال” الكاتب المسلم الذي ينتمي إلى عائلة معتدلة، متقبلة للآخر، وميشال المسيحي المتفتح على الآخر، وأسرٍ أخرى تعيش في المحيط نفسه لكنها تختلف في طريقة التفكير، ليتناول عدة مواضيع كالصراع الأيديولوجي، الطلاق، الزواج المختلط بين المسيحيين والمسلمين، مشاكل المثقف والفساد.
3. يوم ممطر آخر (2008)
تأخذنا الكاتبة يم مشهدي والمخرجة رشا شربتجي إلى واقعِ المجتمع السحيق، حكاياتٌ تشبهنا، بيوتٌ تشبه بيوتنا، وشخصياتٌ تشبهنا، وحيوات نعيشها جميعًا. في هذا العملِ الاجتماعي أو كما تقول عنه شربتجي “أعمال اللحم والدم” نعيش مع أبطالِ عائلتين، عائلة كامل (عبد الهادي صباغ) الأرمل الذي يعيش مع ابنتهِ، وله أبناء آخرون، أما العائلة الثانية لجوري (سمر سامي) التي تفقد زوجها لتبقى بمفردها مع ابنتيها. تتشابك علاقات الأبطال مع محيطهم في الدراسةِ والعمل، لتبرز صورة العمل أكثر وتظهر القضايا التي يتم معالجتها بطريقةٍ أوضح.
لقد عرضت مشهدي نماذج كثيرة للعلاقات العاطفية، الزواج وحتى ارتباط ما قبل الزواج، وأظهرت علاقات جافةٍ أو كما يقال عنها “تستمر من أجلِ الأطفال” كعلاقة سلافة ومروان (قمر خلف وغزوان الصفدي)، حيث يعود الزوج من يوم العمل ليتمدد أمام شاشة التلفاز دون مراعاةٍ لأسس العلاقات من حوار واهتمامٍ وغيرهِ، في خطٍّ آخر تعرضُ علاقة هيليلن بزوجها (صفاء سلطان) والتي رغم البعد والغربة تظل علاقة يسودها الحب والاهتمام.
أما علاقة خزامى (سلافة فواخرجي) بجود (قصي خولي) فهي مثال حي عن العلاقة السامة، او العلاقةِ التي بدأت في سنٍّ صغيرةٍ، ويرفض فيها والد خزامى الطلاق وأن تعود للمنزل، بسببِ المجتمع، ولأنه “ما عنا بنات ترجع للبيت وهذا اختيارك كملي فيه” تتعرض فيها خزامى للضرب والتعنيف، من زوجٍ سيكوباتي يحول الحب إلى امتلاك وغيرةٍ مجنونةٍ.
على صعيدٍ آخر، هناك علاقات تصارُع للاستمرار رغم كل الحواجز والعراقيل كعلاقةِ غيث ونهال (محمد حداقي وكندة علوش)، التي يسعيان فيها بضغطِ الأهل للزواج بعد فترةِ خطوبةٍ طويلة ووسط عراقيل مادية جمة، حيث يسعيا فيها الاثنين بكلِ قرشٍ لتأمين حياةٍ ولو في غرفة إيجارٍ وعفشٍ مستعملٍ، وغير بعيدةٍ عن ذلك تحارب مها (سلافة معمار) المجتمع ورفض والدتها جوري للزواج من الشابِ المسيحي شادي (مكسيم خليل)، وسط رفضٍ من عائلتهِ أيضا لإعلانهِ الإسلام بل، فيتم التخلي عنه منه طرفِ محيطه.
يبدو الأبطال يصارعون من أجلِ استمرارية أو إنهاء علاقاتهم العاطفية، في حين يركض آخرون لإيجادِ شريكٍ كبديعة (لورا أبو أسعد) التي تتعرفُ على شخصٍ عن طريقِ الإنترنت لتكتشف أنه يكذب عن حقيقة حياته بعد لقائها به. أما رحاب (كندة حنا) وديمة (ناندا محمد) فتتقربان من الشخصِ الخطأ عمار (وائل رمضان)، الذي يترك ماضيه في روسيا عائدًا لسوريا، محاولًا العمل كمخرج أين تتشعب طرقهُ إلى العمل في وظيفة ومخرج إعلاناتٍ.
4. عن الخوف والعزلة (2009)
لقد صور لنا المخرج سيف الدين السبيعي، بيتًا واحدًا تعيش العمة دلال (ثناء دبسي)، مع أولادِ أخيها وزوجته المتوفيان: لميس (كاريس بشار)، أكرم (عبد المنعم عمايري) بسمة (ميسون أبو أسعد) وحسام (رامي حنا)، تختلف شخصيات الإخوة، ويجتمعون تحت سقفٍ واحدٍ، لكلٍ منه حياته الخاصة أو عالمه الخاص التي تتقاطع مع آخرين. يعرض المسلسل قضايا اجتماعية كثيرة، يدقق فيها على المشاعر الإنسانية وانفعالات الفردِ حيث يطرحُ من خلال 32 حلقةٍ مسار الشخصيات التي تخفي في دهاليزها، كلّ الممكن وغيرهِ.
يقدم لنا فادي قوشقجي شخصية مربكة، خائفة ومعزولةٍ عن الجميعِ غير أفكارها، لميس، أستاذة اللغة الفرنسية، الثلاثينية، الجميلة، المتعلمة والمتحققة التي تقع في الخطأ الذي لا يغتفر، حيث تجمعها علاقة بزوجِ صديقتها وجارتها، لا تنتمي لميس إلى الشخصياتِ الشريرة، أو التي تريد أن تؤذي أي أحدٍ لغايةٍ في نفسها، ولكنها ربما ضحية، ضحية أنها كأيِّ بنت عُزلت لفترةٍ طويلة عن التعاطي مع الجنسِ الآخر فلم تكن لها تجارب تتعلم منها، ولا تهيئها أو ترشدها لتعرفَ توجيهِ مشاعرها. شخصية يصعبُ أن تكرهها أو تحبها، قد تتعاطف معها لكن تنبذها في الوقتِ نفسهِ.
أما شخصية ماجد (عدنان أبو شامات) الذي يشارك لميس في الخيانة، لم تكن لميس وحدها امرأة في حياته، كان رجلًا لعوبًا، يقيم أي علاقةٍ مع أي امرأةٍ تسمح بذلك، بالأحرى يشبه الكثيرين الذين يرمون سناراتهم وينتظرون أي سمكة يجود بها البحر.
لم يكن للخيانة وجهٌ واحد في العمل، فحتى التزوير والرشوة وتجاوز القوانين خيانة أمانة المنصبِ، وخيانة أمانةِ العمل. يفتح العمل ملف الفساد والرشوةِ والسرقة في العمل، في الإدارات العمومية وحتى تجاوزات بعض المهن كالطب، فيظهر أكرم كرأسٍ صغيرةٍ أمام رؤوس أكبرٍ، فهذا هو الفساد كما نعرفهُ حوتٌ كبير، يأكل الحوت الصغير، وحوت كبير يخدمه حوت صغير.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 21,476
في هذا المقال نرصد لك أربعة أعمال درامية سورية في العشرية الأولى من الألفينات وقبل الثورة السورية.
link https://ziid.net/?p=87885