كيف نحمي ثقافتنا؟
في زمننا أصبح كل شيء مختلطًا لا نكاد نميز ما تبقي لنا مما استوردناه فكيف نحمي ثقافتنا وهويتنا الثقافية
add تابِعني remove_red_eye 60,650
حينما ترى عنوان المقال فإن أول ما يخطر ببالك ما هو معنى الثقافة، هل الثقافة هي الأدب والروايات والكتب، أم الفن والسينما والمسرح، أم هي عادات الشعوب وتراثها وأساطيرها، ما هي تلك الثقافة الجديرة بحمايتها والدفاع عنها، كلمة الثقافة في معجم المعاني تعني عدة معانٍ منها: العلومُ والمعارفُ والفنون التي يُطلب الحذق فيها، وكذلك الثَّقَافَةُ العَامَّةُ: مُجْمَلُ العُلُومِ وَالفُنُونِ وَالآدَابِ فِي إطَارِهَا العَامِّ، كما أن هناك الثقافة الوطنية وهي ما يميزها عن غيرها، والثقافة الشعبية وهي التي تمايز بين شعبٍ وآخر، والثقافة المهنية، وكذلك هناك الثقافة المضادة وهي التي تعبر عن اتجاه ثقافيّ يحاول أن يحلّ محلّ الثقافة التقليديّة.
إذن مما تقدم يمكننا تعريف ثقافتنا بأنها: آدابنا وعلومنا ومعارفنا، وعادتنا وتقاليدنا، والعرف السائد في بلادنا، فطعامنا ثقافة، وملابسنا ثقافة، وكل ما حولنا في المجتمع ثقافة خاصة بنا، والأهم من ذلك أن لغتنا جزء الثقافة الكبير، أو هي هويتنا، التي نجتمع تحت مظلتها، والتي يجب أن نحافظ عليها ونعمل على رفعتها، لأننا إذا فقدناها فقدنا هويتنا نهائيًّا.
ما مكونات الثقافة؟
حينما كنت أدرس علاقة الثقافة المجتمعية بالتربية تعرفت إلى مكونات الثقافة وهي:
عموميات الثقافة
وهي تلك العناصر التي يشترك فيها الغالبية العظمى بل أحيانًا كل المجتمع، وهي تلك الأشياء مثل اللغة والدين، والأفكار والمعتقدات، العادات والتقاليد والعرف السائد.
تلك العموميات هي الأساس الذي تبنى عليه الثقافة الخاصة بتلك البقعة الجغرافية والتي تميزها عن غيرها من الثقافات، من العموميات أيضًا طريقة المأكل، وطريقة ارتداء الملابس، في بعض الأحيان تجد لتلك البلاد زيًّا موحدًا، مثل القفطان المغربي، أو الشماغ الخليجي، كما أن تلك العموميات تعد من أكبر المؤثرات على الأفراد فتصبغهم بلونٍ معين وهو ما يجعلك تميز ذلك الفرد عن غيرها وتعرف جماعته قبل أن يخبرك.
فمن العموميات اللهجة، وتلك اللهجة هي التي تميز المصري من السوري من السعودي، لأن كلًا منهم ينطق بشكلٍ متمايز عن الآخر، ولكن هل يعني ذلك أن العموميات دائمًا صحيحة ولا يجوز المساس بها؟ بالطبع لا، فتلك وظيفة المصلحين في المجتمع والذين تمتد أيديهم إليه بالإصلاح والتطوير، مثلما فعل قاسم أمين حينما ناضل من أجل تعليم المرأة المصرية، لأن العرف السائد حينها كان أن لا تتعلم، وهو عرف خاطئ، فالعموميات على الرغم من أنها قاعدة أساسية فإنها ليست مقدسة بل تمتد اليد إليها بالنقد والتغيير.
خصوصيات الثقافة
الخصوصيات هي العناصر الثقافية والتي تشترك فيها فئة معينة من أفراد المجتمع، فتصبح تلك الخصوصية بمثابة ثقافة متفرعة عن العموميات، إن الأمر يشبه الشجرة وأغصانها، فالأغصان هي تلك الخصوصيات، فالفئة الأرستقراطية مثلًا لها عاداتها وسلوكياتها الخاصة التي تميزها عن الطبقة المتوسطة، وكذلك فئة الفنانين والعاملين في السينما، تختلف عن فئة المعلمين، ففي الوجدان يصبح هناك اتفاق ضمني على أن تلك الفئة لها سلوكيات خاصة، إنه قانون غير مرئي أو ملحوظ، حتى وإن كان خاطئًا.
المتغيرات الثقافية
تلك هي سلوكيات أو استجابات لم تصل إلى حد النضج بعد، فتلك الأنماط السلوكية لم تصل لدرجة الاستقرار، فهي ما تزال بعد في طور التجريب، فإما يقبلها الجميع وتنضم للعموميات، أو تصبح حصرًا على فئة خاصة فتنضم للخصوصيات، أو يتم رفضها فتندثر وتزول، مثل الكثير من الموضات التي ظهرت على مجتمعاتنا، واحتلتها لفترةٍ ما، وبعد ذلك تم التخلص منها، والمتغيرات دائمة الحدوث، لا تتوقف، إنها عنصرًا هام يساهم في نضج الثقافة وتطورها.
هل تتعارض الثقافة المجتمعية مع الحرية؟
في عالمنا الجديد، حيث جميعنا يطالب بالحرية، قد نرى أن التمسك بعادات ما يتنافى بالضرورة مع طلب الحرية، ولذلك قد نقف في منطقة البين بين، لأننا نحاول حماية الثقافة من الانحدار أو التغيير، وكذلك نريد الحرية، نريدها بكل ما أوتينا من قوةٍ وعزم، ولكن في حقيقة الأمر أرى أن الثقافة المجتمعية لا تتعارض مع الحرية، طالما أن تلك الحرية تقف عند حدود الآخرين، لا تدخل إلى حيزهم وتطالبهم بالتغير والتبدل.
وهنا بالضبط يبرز دور المصلحين والمصححين، فكما خرج قاسم أمين، وصفية زغلول، وجماعة النسوية من أجل خروج المرأة للتعليم والعمل وحق التصويت، يبرز دور هؤلاء الآن من أجل تصحيح مسارات الثقافة المجتمعية، وحمايتها من السقوط في هوة التعصب والركود، لذلك فلنتمسك بعاداتنا وتقاليدنا وعرفنا الصحيح السليم، لا ذلك الذي يظلم فردًا من أجل آخر، أو ينصر جماعةً على أخرى.
ما ضرورة أن نحمي ثقافتنا؟
حتى لا نصبحُ مسوخًا، لا نعرف إلى أي أساس نستند إلى مظهر نكون، وهو ما يحدث حاليًا في بعض المجتمعات العربية، فلا هي بقيت كما هي ولا هي تطورت، إنها مرحلة من البين بين، لم تصل إلى التطور الكامل، ولم تتغير بما يتناسب مع مطالب العالم الجديد إنما هي تترنح بين التعصب، وبين الانحلال بين الحرية وبين القيود، لذلك يجب أن نحمي الثقافة وأن لا نستورد نماذج جديدة نطبقها لدينا، بل أن يتم التغيير والتطوير بما يتواءم مع مفردات حياتنا الحالية، مع عموميات ثقافتنا نحن، فالنماذج الجاهزة غير مفيدة، بل على العكس ستصيبنا بالشلل والجنون، ونصبح لا نصل بين الشرق وبين الغرب، حياة بلا طعمٍ ولا معنى.
ففي الزمن الماضي لم يخرج أحد المصلحين ليقول أريد أن تصبح المرأة المصرية، نموذجًا أوروبيًّا جديدًا بل نريد أن نعطيها حقوقها بما يتناسب مع المجتمع، فأصبحت المرأة متعلمة، ثم ذهبت إلى أبعد من ذلك فأصبحت معلمة، ثم طبيبة، ثم المطالبة بالتصويت في الانتخابات، ثم أصبحت المرأة برلمانية ووزيرة ومديرة، وكذلك ينطبق ذلك النموذج على كل شيء في الحياة، وكل منحى ثقافي نريد تغييره أو تطويره.
كيف نحمي ثقافتنا؟
إن أيسر السُبل التي نسلكها لنحافظ على ثقافتنا هو التمسك بها، فأولًا نتمسك بلغتنا ونكف عن استعمال الكثير من الكلمات الأجنبية من أجل إثبات أننا الأفضل، ففي الثقافات الأخرى لا يستخدم أحد لغةً غير لغته الأم ليتعامل بها مع الآخرين، وكذلك أن نتقبل ثقافتنا، وأن نحبها ولا نتبرأ منها، ثم نتناولها بالتشريح فنرى ما يفيدنا وما يساعدنا على التطور ونبقي عليه، أما ما يقف عائقًا لأنه موروث خاطئ فيجب علينا أن نتخلص منه، لأنه عبء علينا وعبء على الثقافة نفسها مما يجعلها غير صالحة للحياة، ولا للتطور الجديد من حولنا.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 60,650
مقال هام للغاية حول الثقافة والحفاظ عليها
link https://ziid.net/?p=72150