لماذا عليك تجاهل كل الضغوط الإنتاجية الناتجة عن فيروس كورونا؟
مع الجلوس في البيت وصعود موضة العمل عن بعد والاحتفاء بالساعات المتاحة صار الفرد أمام سيل هادر من ضغوطات الإنجاز وتطوير الذات
add تابِعني remove_red_eye 414,635
هناك أمرٌ خاطئ يحدث الآن، هل تشعر به؟ فمنذ تحوّل كورونا إلى جائحة عالمية، ارتفعت شعبية المحتوى المتعلق بالعمل من المنزل بشكلٍ جنوني. على سبيل المثال، تزيّن الصفحة الرئيسية لصحيفة نيويورك تايمز 7 مقالات حول العمل من المنزل، تتضمن نصائحًا حول “كيفية الظهور بأفضل مظهر على كاميرا الويب” بالإضافة إلى كيفية”إعادة تصميم مساحتك الخاصة أثناء تواجدك في المنزل” و “تحدي إنتاجية الـ 7 أيام” وتوصيات وتحذيرات متعلقة باجتماعات الفيديو (بمحتوى مختلف هذا عمّا تتضمنه مقالة “كيفية الظهور بأفضل مظهر على كاميرا الويب“)، وغيرها.
ولعُمري، كأن الأفكار نضبت، فلم يتبقى سوى الحديث عن فيروس التاجي أو العمل من المنزل!
أين نذهب بكل أوقات الفراغ تلك؟!
نظرًا لأن كورونا قلبت العالم رأسًا على عقب (أو خارجًا إلى داخل)، بات العديد منّا يشعرون بالضغط لتنظيم كل غرفة في منازلهم، أو ليصبحوا طهاة خبراء انطلاقًا من منازلهم، أو ربما “نجيب محفوظ” التالي. لقد عززت الإنترنت -من خلال ضخّها المستمر للعناوين التحفيزية والتحديات الفيروسية- حمى الإنتاجية!
إن كنت ممن تجاهلوا نصائحنا بالابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي، فلا شكّ أنك تدفع الثمن الآن! فبعد أن كنت تتميّز من الغيظ كلما شاهدت أحدهم يُشارك منشورًا حول آخر أسفاره حول العالم (في حين تعتبر أنت رحلة الشاطئ أقصى طموحاتك)، بدأت أنفاسك تضيق كلما صادفت سيل منشوراتٍ تحثّ القارئ على زيادة الاستفادة من وقته إلى أقصى حدّ (تحت عنوان: لديك كل هذا الفراغ والطاقة بسبب الظروف الحالية، ولذا أنت بحاجة إلى مكان ما لتوجيهها، ويُفضل أن يكون ذلك في أمرٍ يُكسبك المال).
ولكن في خضم جائحة أدّت إلى قلب كل جوانب الحياة الحديثة تقريبًا، يجد الناس صعوبة أكبر في تنفيذ المهام.
يقول كريس بيلي، مستشار في الإنتاجية ومؤلف كتاب “التركيز المفرط: كيفية إدارة انتباهك في عالم مليء بالمُشتتات“:
“من الصعب أن تكون منتجًا في أفضل الأوقات ناهيك عن وقوعنا في أزمة عالمية، إن فكرة امتلاكنا اليوم لأوقات فراغ طويلة رائعة، ولكنها -أوقات الفراغ- ليست رفاهية. نحن في منازلنا لأننا ضمن حجر منزلي، لذا من الطبيعي أن نفتقر للحماسة لأننا نختبر الكثير”
ومع ذلك، البعض يحاول!
بعد أن أعلن مكتبها أن عملها سيغدو عن بُعد، وضعت سارة جونسون -30 عامًا- جدولًا تفصيليًا بما ستفعله بالساعات الثلاث الإضافية التي كانت تقضيها في التنقل:
حددت ساعة للتمارين الرياضية، وساعة أخرى لأقضيها في إعداد وجبة إفطار تقليدية صباحًا، وثالثة لنشاط -بعيد عن الشاشة- مساءً.
لكن مع نهاية الأسبوع الماضي، جلست لإحصاء ما فعلته، وعليّ الاعتراف هنا: لم أحُقق أيًا مما كنت أطمح إليه!
هذا الدافع للإفراط في القياس -حتى خلال الأزمات العالمية- يعكس الثقافة الأمريكية في المداومة على العمل (والتي يبدو أننا اقتبسناها منهم دون أن ندري).
يقول الصحفي نيك مارتن في مقال نشرته مؤخرًا صحيفة نيو ريبابلك:
“تمثّل هذه العقلية خلاصة الثقافة الأمريكية المتسارعة: فكرة أن كل “نانوثانية” من حياتنا يجب أن تتحول إلى (سلعة) هدفها إما تحقيق الربح أو تطوير الذات”
تواجه ماغي شومان -32 سنة- هذا المأزق حيث تشارك عائلتها في تحدي (بيلوتون -Peloton)
وهو تحدي يُطلق في بداية العام، ويهدف إلى تتبع وقتك على مدار العام، ثم مكافأتك بأوسمة حصرية بمجرد قضاء 2000.. 3000.. 4000.. 5000 دقيقة في النشاطات الصحية.
“كل يوم يرسل الجميع علامة خضراء (كدلالة على تحقيقهم هدف اليوم)، ولسببٍ ما، تتولد (إشارة) داخل عقلي حيال الشيء الذي من المفترض أن أفعله، ولكنني لا أفعل، مما يُشعرني بالفشل.”
وجهة نظر “مختلفة” نحو الإنتاجية
عوضًا عن انغماسها في تلك المشاعر، بدأت (شومان) مفكرة امتنان حيث تمارس من خلالها التقبّل. حيث تقول: “من المفترض أن تخترع شيئًا ما أو ستخرج بفكرة العمل الكبيرة التالية أو تفعل شيئًا رائعًا يستحق قضاء الوقت في المنزل، لكنني أحاول أن أعيش الحاضر”
تؤيدها نويل كيلسو -38 سنة- وهي مستشارة علمية في جورجيا من خلال “محاولتها إيجاد إنتاجية في اللحظات الصغيرة” ولكن الأحداث الأخيرة أعطتها وجهة نظر.
الإنتاجية -في ظل الظروف العادية- مصطلح لا قيمة له: فقضاء يوم كامل في كتابة مقال من 10000 كلمة سيجعلني “منتجًا”، لكنه لا يضمن أن أيًا من هذه الكلمات تستحق القراءة.
على الجانب الآخر، في الوقت الذي ترتفع فيه احتمالية أن تختفي قطاعات كاملة من الاقتصاد بين ليلة وضحاها، وترتفع معه نسبة البطالة (نظرًا لاحتلال الذكاء الصنعي مكاتب العديدين)، يصبح “العمل” مفهومًا أكثر تجريدًا.
بعبارة أخرى، من المفيد حقًا لصحة أحدنا العقلية أن يكون لديه نشاط -أي نشاط- ليمارسه الآن. وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة لك، فعليك أن تتذكر أنك في هذه المرحلة لا تعمل من أجل مديرك في العمل، وإنما لمصلحتك الخاصة ومصلحة من تعولهم.
في حين ترى فوز العجلان – وهي كاتبة في زد- أن أوليات حياتنا لا تتغير (سواء في ظل وجود جائحة أو في الظروف العادية)، حيث تقول:
الاهتمام بالعائلة أهم جزء من يومي، لطالما كانت عائلتي الأهم لديّ من كل شيئ وبعد وفاة والدي تفرقت عائلتي من حيث الاهتمامات والانشغال بالعمل فأصبحت سفرة الطعام شبه فارغة من العائلة.
جاء كورونا، فتقاربت الأسرة أكثر، معظم ما نطبخه من طعام لا يبقى بالثلاجة، وكانت “فوضى” المنزل بوجودهم رائعة: اجتماعات عائلية – قصص جانبية لوقت متأخر.. باختصار، عادت الأجواء العائلية للمنزل.
ولكسر الملل، كانت اجتماعاتنا العائلية عبارة عن نشاطات مختلفة مثل:
- لعب الكيرم والأونو وغيرها من الألعاب.
- متابعة بعض البرامج والمسلسلات معًا.
كان اجتماع العائلة دون انشغالات وارتباطات نعمة قد لاتتكرر
أن تكون معافى وبين عائلتك نعم انت لا تدركها إلا مع مرور الوقت
يقول كازوو إيشيغورو: في مقتبل عمرك تبدو أشياء كثيرة مملة و لا حياة فيها، و لكن ما إن تكبر في السن ستكتشف أن تلك الأشياء هي الأهم بالنسبة لك.
الخلاصة
إذا كان العمل من المنزل يساعدك على الشعور بمشاعر طيبة، فاعمل بجد قدر المستطاع (شخصيًا، ساعدتني كتابة مقالة العمل عن بعد طوق النجاة أمام كورونا: نظرة من داخل أروقة الشركات الكبرى في التصالح مع مخاوفي، لكن دون نسيان حقيقة أننا نحيا في وضع غير طبيعي).
أما إذا افتقدت للرغبة في العمل (أو كان يُشعرك بالسوء بلا داع)، فأنا أتفهم ذلك. ونصيحتي لك أن تنغمس في بعض الهوايات الجديدة لبعض الوقت، أو تقرأ كتابًا، أيا كان.
لا أقصد أن العمل ليس مهمًا؛ وإنما أن الأهم الآن هو البقاء عاقلًا وآمنًا ومتزنًا، ولكلٍ منّا طريقته المختلفة لتحقيق ذلك، وكلها جيدة دون تمييز.
add تابِعني remove_red_eye 414,635
link https://ziid.net/?p=56161