تمثال الحرية.. مصري أم أمريكي؟
يتناول هذا المقال تمثال الحرية منذ أن كان فكرة حتى أصبح موجودًا على أرض الواقع
add تابِعني remove_red_eye 3,704
بعض الاشياء تأخذ قيمتها من معناها، وكلما ارتبطت قيمتها بمعاني تمس شخص الإنسان وكرامته، كلما زادت مكانتها في قلوب البشر. وتعتبر علاقات الصداقة بين الدول، من أهم العلاقات الدبلوماسية التي تبني عليها تعاملات الدول مع بعضها مستقبلا.
ومن أبرز سبل التعبير عن رغبة دولة ما في إقامة علاقة صداقة مع أخرى، هي تقديم الهدايا ذات القيمة المعنوية. ومن أشهر الهدايا التي قُدمت من أجل إقامة أواصر المحبة والصداقة، هو تمثال الحرية الذي تم تقديمه من قبل فرنسا للولايات المتحدة الأمريكية. مر هذا التمثال بعدة مراحل حتى وصل إلى مدينة نيويورك حيث هو الآن ، وسنستعرض هذه المراحل من خلال هذا المقال.
خروج فكرة التمثال إلى العلن
في خمسينيات القرن التاسع عشر زار النحات الفرنسي “فريدريك أوغست بارتولدي”، المعروف بالاسم المستعار “اميلكار هاسيلفراتز”، مصر، وانبهر بآثارها، وتحفها الفريدة، مما ألهمه أن يقترح بعد هذه الزيارة بسنوات بناء تمثال عند مدخل قناة السويس فور الانتهاء من تشييدها، تحديدًا في مدينة بورسعيد الواقعة شمال القناة، بموافقة مبدئية من قبل حاكم مصر وقتها “الخديوي إسماعيل باشا”.
كان المخطط بناء تمثال بارتفاع ٨٦ قدمًا على متن قاعدة يصل ارتفاعها إلى ٤٨ قدمًا، التمثال كان من المفترض أن يكون على هيئة فلاّحة مصرية محجبة، يقال إنها كانت تحمل جرّة.
استوحى بارتولدي التصميم من الإلهة الرومانية “ليبيرتاس”، أو “سيدة الحرية”، وكان الاسم المقترح لهذا التمثال هو “مصر تجلب النور لآسيا”، لكن الخديوي إسماعيل باشا رفض هذا المقترح بعد مراجعة تكاليف بناء التمثال التي تعدّت ١٠٠ ألف دولار أمريكي، وهو مبلغ كان يعد ضخمًا في ذلك الزمن، خاصة وأنها تزامنت مع التكاليف الباهظة لحفر قناة السويس وحفل افتتاحها.
بعد الرفض المصري لمقترح بارتولدي، اقترح المؤرخ الفرنسي والمفكر السياسي “إدوارد دي لابولاي” في عام ١٨٦٥ أن يهدي الشعب الفرنسي للشعب الأمريكي عربون صداقة لقرب الاحتفال بمرور ١٠٠ عام على استقلال الولايات الأمريكية ، وتعاون لابولاي بارتولدي الذي خطرت بباله الفكرة المثالية لهدية بهذه الأهمية، وهي إعادة تصميم تمثال الفلاحة المصرية، لكن هذه المرة بنسخة أمريكية، و إطلاق عليه اسم “الحرية تنير العالم”، بالتعاون مع المهندس الفرنسي “غوستاف إيفل” مصمم برج إيفل، لتصميم الهيكل الإنشائي لتمثال الحرية .وتم استبدال الحجاب بتاج، أما الجرة فتحولت إلى مشعل، ليصبح التمثال هذه المرة من نصيب الولايات المتحدة الأمريكية.
رحبت الحكومة الفرنسية بهذه البادرة واشترطت مساهمة الشعب الفرنسي بتكاليف بناء التمثال، بينما تتولى الولايات المتحدة الأمريكية وشعبها تكاليف بناء قاعدة التمثال، وتم أخيرًا تقديم تمثال الحرية إلى ولاية نيويورك وإلى العالم بين عامي ١٨٨٥_ ١٨٨٦.
يرمز تمثال الحرية إلى سيدة تحررت من قيود الاستبداد التي ألقيت عند قدميها، لتصبح فيما بعد رمز ترحيب المهاجرين الذين قصدوا الولايات المتحدة الأمريكية للبحث عن حياة أفضل، وتمسك هذه السيدة في يدها اليمنى مشعلًا يرمز إلى الحرية، بينما تحمل في يدها اليسرى كتابًا نُقش عليه بأحرف رومانية ٤ يوليو ١٧٧٦، وهو تاريخ إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية. ويحقق تمثال الحرية اليوم مكاسب تتجاوز ٢٦٠ مليون دولًار سنويًّا.
تمثال الأخت الصغيرة
يبدو أن فرنسا ما زالت مصرة على الحفاظ على صداقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعلنت أنها سترسل إلى الولايات المتحدة نموذجًا مصغرًا من “تمثال الحرية” الأصلي، وأطلق عليه اسم “الأخت الصغرى”، الذي صُنع من البرونز وبارتفاع ثلاث أمتار، وبوزن ٤٦٠ كيلو غرام، وسيقدم خلال فترة الاحتفالات بعيد الاستقلال، وتم اختيار مدينة واشنطن ليقيم التمثال هناك، حيث يقيم السفير الفرنسي. والجدير بالذكر أنهم شرعوا في نحت التمثال عام ٢٠٠٩، وتم وضعه في المتحف الوطني للفنون والحرف.
يقول “أوليفييه فارون”، المدير العام للمتحف إن التمثال: “يرمز إلى الحرية والنور في جميع أنحاء العالم. نريد إرسال رسالة بسيطة للغاية، هي أن صداقتنا مع الولايات المتحدة مهمة جدًّا، لا سيما في هذه اللحظة. علينا الحفاظ على صداقتنا والدفاع عنها”.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 3,704
link https://ziid.net/?p=91698