التنافر المعرفي: لماذا نكذب على أنفسنا؟
نلجأ للكذب على أنفسنا لأننا نرفض أن نعترف أن اختياراتنا لم تكن صحيحة أو أننا مقصرون، نكذب على أنفسنا كي لا نصطدم بالحقيقة المؤلمة
add تابِعني remove_red_eye 61,969
يحكى في خرافة قديمة من خرافات “ايسوب” أنّ ثعلبًا رأى كرمة تتدلى منها عناقيد العنب التي تلمع كالجواهر، كانت بطن الثعلب تقرقر من الجوع، فحاول القفز ليظفر بقطف من عنب يسكن به جوعه، إلا أنه لم يصل إلى العناقيد، لقد كانت بعيدة المنال جدًّا، ولكنه لم يتقهقر بل حاول مرة، واثنتين، والثالثة، والرابعة ولم يكفّ أو يتوقف عن ذلك، حتى أصابه التعب وأدرك أنه لن يظفر بها، فتركها قائلًا
“من الأفضل حدوث ذلك فالعنب حامض”.
في بلادي مصر يقال مَثَل حينما يعيب أحدنا شيئًا كان يريده بشده فلم تطاله يده، هذا المثل هو “دا قصر ديل” قصة المثل أن فأرين جلسا على حافة مرطبان من العسل، أحدهم طويل الذيل والآخر قصير الذيل قد قطع في إحدى المطاردات مع قطة، فكان طويل الذيل ينزل ذيله للعسل ثم يلتهم العسل الذي يحمله ذيله، وحينما لاحظ أن أن صاحبه لا يفعل مثله سأله لما، فأجابه الفأر ذو الذيل القصير قائلًا: (أنا لا أحب العسل) فضحك صاحبه طويلًا وقال “دا قصر ديل”.
قد تضحك من تلك القصص، وقد تذكرك بموقف ما، كنت أنت الثعلب أو أحدًا من أصدقائك، أحد الذين تعرفهم ويعرفونك، ذلك الصديق مثلًا الذي أمضى الأيام والليالي في مراقبة أحد الفتيات والتي قد شغفته حبًّا، ولكنه حينما صرح لها بمشاعره أخبرته أنها لا تحبه، وحينها جاء إليك وأخبرك أنه سعيد جدًّا، وأنه ليس يَعُد مستعدًّا لخطوة الارتباط وأن أفضل ما حدث له أنها رفضت، أو أنك كنت تسعى لنيل شهادة ما أو تعلم شيئًا ما وحينما لم يحدث ذلك قلت: لا بئس لم أكن راغبًا بشدة في ذلك، عن نفسي كنت أفعل ذلك الشيء كلما شعرت أنني خسرت شيئًا، كنت أفعل ذلك بغرض حماية نفسي من الشعور بخيبة الألم، أو لأحميني من شعور الرفض وتبعاته على نفسي، المشكلة أنني كنت لا أدرك أنني لا أكذب على نفسي أصلًا، لقد كان يحدث دون أن أدري وأحيانًا لا ولكنني حينما بحثت عن سبب ذلك الشعور أو التغير الذي يصيب رغبتنا وجدت أنه يسمى، التنافر المعرفي-Cognitive Dissonance.
ما هو التنافر المعرفي
يشير التنافر المعرفي موقفًا يتضمن مواقف أو معتقدات أو سلوكيات متضاربة ينتج عن ذلك شعور بعدم الراحة الذهنية يؤدي إلى تغيير في أحد المواقف أو المعتقدات أو السلوكيات لتقليل الانزعاج واستعادة التوازن. تم تناول النظرية للمرة الأولى من قبل ليون فيستينجر ، وقد نشأت عن دراسة ملاحظة شارك فيها أحد الطوائف التي اعتقدت أن الأرض ستدمر بسبب الفيضان، وما حدث لأعضائها –خاصة أولئك الملتزمون حقًّا الذين تخلوا عن منازل ووظائف للعمل في الطائفة– عندما لم يحدث الفيضان.
في حين أن الأعضاء المهمين كانوا أكثر ميلًا إلى إدراك أنهم قد خدعوا أنفسهم و”وضعهم في التجربة” كان الأعضاء الملتزمون أكثر ميلًا لإعادة تفسير الأدلة لإظهار أنهم كانوا على حق طوال الوقت (لم يتم تدمير الأرض بسبب إخلاص أعضاء الطائفة) تشير نظرية التنافر المعرفي لفستنجر (1957م) إلى أن لدينا دافعًا داخليًّا لجعل جميع مواقفنا وسلوكنا في تناغم وتجنب التنافر. يُعرف هذا بمبدأ الاتساق المعرفي.
ما الذي قد يدفعنا إلى التنافر المعرفي؟
1– الامتثال قسرًا
يحدث الامتثال القسري عندما يقوم الفرد بعمل لا يتفق مع معتقداته، لا يمكن تغيير السلوك لأنه كان بالفعل في الماضي، لذا يجب تقليل التنافر من من خلال إعادة تقييم موقفهم تجاه ما فعلوه. فعندما يجبر الشخص على القيام بشيء بشكل علني وهو يرفضه بشكل خاص ينشأ ذلك التنافر.
2- اتخاذ القرارات
مثل أن يكون لديك القرار للعمل في مكان بعيد عن البلدة مما سيؤدي إلى قلة اجتماعك مع أصدقائك وأقاربك، ولكن تلك هي وظيفة أحلامك. هنا يحدث التنافر لأن الخيارين مقربان منك بشدة، فمن الممكن أن تلجأ لأن تعطي مبررات وهمية مثل أن الأصدقاء كانوا يضيعون عليك الكثير من وقتك المفيد والثمين حتى لا تشعر بالخوف أو القلق أو الحزن.
3- بذل المجهود
يحدث حينما تجد نفسك قد بذلت الكثير من المجهود من أجل أن تصنع شيئًا تبين لك فيما بعد أنه لا يستحق ذلك المجهود، أنه شيء ضعيف، فتبدأ في إقناع نفسك أنك لم تبذلك كل ذلك المجهود، أو أنك كنت تستمتع بوقتك.
تجد هذا بالأكثر حينما يحاول الأصدقاء تبرير علاقاتهم العاطفية التي استمرت لفترة طويلة دون أن يجنوا منها أي شيء، أو اضطرار أحدهم لدراسة تخصص لا يحبه.
هل تلك هي الطريقة الوحيدة للكذب على أنفسنا؟
بالطبع تلك ليست الطريقة الوحيدة التي نكذب بها على أنفسنا، يبدو أننا بارعون في ذلك حقًّا، لذلك إليك طرق أخرى تكذب بها على نفسك حتى دون أن تشعر:
الإنكار:
هو حيلة دفاعية، من تلك الحيل الدفاعية التي يستخدمها العقل من أجل حمايتنا، تتمثل حيلة الإنكار في أنك ترفض أن ما حدث تراه غير حقيقي، تنكر أنه موجود، تنكر فشلك موت أحبائك، أصدقائك، ترفض حتى أن يقول لك أحدهم أنك مرفوض وأنه لا يقبلك في حياته العاطفية، وتبدأ في يوم جديد محادثته وكأنما شيئًا لم يحدث.
الثقة المفرطة:
يثق الناس في أنفسهم بطريقة كبيرة غنهم يرون أنهم هم من يمتلكون مقاليد النجاح، بل يعتقدوا بأنهم مؤيدون من القوى العليا التي تساعدهم وتمهد لهم الطرق، وهذا ما يسمى بالتفاؤل غير الواقعي، وهو يسبب في الكثير من الأحيان الإخفاق، ففي دراسة وجدت أن أكثر الذين يتعرضون للإخفاق في الإقلاع عن التدخين هم أولئك الواثقون في قدراتهم.
الإعاقة الذاتية:
يمكن اعتبار هذا السلوك عكس الثقة المفرطة. إذا كان الشخص غير متأكد من قدرته الحقيقية ويخشى معرفة ماهية قدرته الحقيقية فقد يمتنع عن القيام بالعمل الذي قد يكشف عن ضعف قدرته. في مثل هذه الحالة يمكن أن يُعزى الأداء الناجح إلى المهارة بينما يمكن أن يُعزى الأداء غير الناجح إلى الافتقار إلى الإعداد الجيد.
الإسناد:
يستخدم علماء النفس مصطلح الإسناد (أو الأسباب) لتفسيرات الناس للأحداث في حياتهم. نميل إلى أن نسند نجاحنا إلى سمات شخصيتنا الدائمة، وإخفاقاتنا في الظروف المؤسفة. فقد يرى أحد أن المدير المتسلط هو السبب في فشله في أداء العمل لا تقصيره الشخصي.
توقف عن ذلك الآن
يجب أن تتوقف عن الكذب على نفسك الآن، إن الكذب على النفس هو أسوأ الكذب على الإطلاق، أنت لن تتقدم، لن تخرج من مكانك الضيق إلى براح العالم، لن تلح الخطأ، وتقوم المعوج، وتصنع من الفشل نجاحًا، إذا كنت تبرر لنفسك، فلو رأيت أن المدير الشرير هو الذي يمنعك من التقدم في عملك سيأتي يوم ويطردك ذلك الشرير للشارع لئلا تُبلي بلاءً حسنًا في عملك، إذا كنت ترى أن الأستاذ هو من تسبب في مشكلتك الدراسية لن تنجح، إذا كنت تنكر أخطاءك لن تصلحها أبدًا لذلك أوقفها الآن، وابدأ في عيش حياتك بصدق.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 61,969
أحيانًا كذبنا على أنفسنا يضرنا أكثر من جرحها وإعلامها بفشلها وتقصيرها، فلماذا نفعل ذلك؟
link https://ziid.net/?p=68438