أسطورة “القطة المغمضة” إلى أين وصلت؟

لا أعلم من أين أتى هذا المثل؟ ولمَ وقع الاختيار على القطة بالتحديد؟ على الرغم من أن جميع المخلوقات بلا استثناء تولد مغمضة العينين جاهلة بما حولها، إلا أنّني أذكر أول مرة سمعت هذا المثل، سمعته في بداية مراهقتي عندما لم أتعدى الخامسة عشر بعد، لم أفهم مغزى المثل ولا لمَ قد يمدح أحد شخصًا لا يفقه أي شيء في أي شيء!

لسوء حظي تعاملت مع من يطلقون عليهنّ “قطة مغمضة” تكون الفتاة منهن لطيفة ذات صوت هادئ، تحسبها طفلة من شدة جهلها بالأمور حولها، يرعبها طيف ويصيبها الذعر من عبور الشارع بمفردها، لا تعي الإساءة أو كيفية الرد عليها، لا تعي مكائد من حولها وسهلة الوقوع في الحفر، لا يعتمد عليها في أي شيء ودائمًا تحتاج من يمسك بيدها.

صفات كهذه قد تناسب حفلات الشاي التي نقيمها مع عرائسنا ونحن صغار، لكنها ببساطة لا تناسب “الحياة” التي نعيشها الآن. لا أعلم كيف يستطيع شخص عاقل البحث عن فتاة لا تعرف من أين يأتي “لسان العصفور”، ليتزوجها وتصبح أمًّا لأطفاله تزرع فيهم الشجاعة وشق طريقهم في الحياة وهي يُغشى عليها إذا ما أخطأت طريق العودة إلى المنزل!

أتساءل من أين بدأت القصة؟ أي ضعف أصاب الشاب ليبحث عن فتاة هشة حتى يُظهر قوة غير موجودة! لا أدرى كيف يهاب رجل امرأةً قد تصبح جيشه الوحيد، اليد التي يستند عليها إذا تعثر، أن تكون عمود البيت إذا – لا قدر الله – توفاه الله؟

من حسن الحظ أن الظروف الحياتية الحالية حولت معظم “القطط المغمضة” اليوم إلى نساء قويات، لا يذيبها الكلام المعسول من أي عابر، يستطعن تحمل المسؤولية كاملة إذا تطلب الأمر، يزرعن روح القتال في أبنائهن. يراهن المجتمع الآن مجموعة من النساء الخارجات عن فطرتهن، لا أدري أين ورد أنه إذا ما ولدت امرأة فيجب أن أجر الجهل والخوف معي، وأن أستجدي حماية من أي رجل قريب لي، زوجًا كان أو أخًا. أراهم يمصون شفاههم حزناً على زمن كان في النساء خائفات ضعيفات مكسورات الجناح، يوجوا كلامهم بـ جملة “فطرة المرأة”.

أنا مررت بهذا التحول، تحولت من فتاة صغيرة ساذجة، لأخرى أستطيع الاعتماد على ذاتي في كل شيء، لا أهاب سوى الله، لكنني لم أسلم من الانتقادات المزعجة، كأنني لن أجد زوجاً، وأنني يجب أن أظهر الضعف دائماً. لمَ أرى في حياتي أضعف وأوهن من تلك “القطة المغمضة” التي تسقط صريعة أول كلام غزل يقال لها، سهلة الإغواء لا تتبين الصدق من الكذب، تنتظر من الجميع أن يمسك يدها ليعبر بها الحياة، بينما لم يكن لي قدوة سوى تلك النساء، اللاتي حولتهن الحياة إلى قطط مخربشة، يسلكن الحياة بقلوب النمور، يلدن أشبالًا، ويربين أسودًا. لا زالت لا أفهم حب الناس لتلك “القطط المغمضة” ولم يستمر الأهل في تنشئة بناتهن على هذه الطريقة، ولم ما زال الأمر مدعاة للفخر في أوساط المجتمع.

لم تكن زوجات رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم- قططًا مغمضة لا تفقه شيئًا، كان خديجة -رضي الله عنها- تملك تجارة ومالًا، ونقلت السيدة عائشة -رضي الله عنها- أحاديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وهربت حفيدته زينب برأس أخيها إلى مصر، وبلقيس التي ذكرت في القرآن كانت ملكة أمتها، لم يدعو الدين إلى “كسر جناح النساء” وجعلهن “قططًا مغمضة” عنوة، لم يطلب الدين من أن تجعل من نصف المجتمع خائفًا مرعوبًا من ظله لا يقوى على شيء حتى تستشعر قوتك على حسابه.

أتمنى أن أظل قوية، وأن تصبح النساء من دمي قويات، وتسقط كذبة “قطط مغمضة” ولتحيا القطط التي نبتت أنيابها واقتلعت أحلامها من قلب الحياة، ويبارك الله في رجال أقوياء بحثن عن نساء ليستندن عليهن وقت الشدة.