ماذا وراء اللون الرمادي؟ ظلال الأشياء هي حقيقتها
من حقنا جميعاً عزيزي وعزيزتي أن نستمتع بشيء من ظلال الأشياء، ولكن الخوف أن نؤمن بها كحقيقة ومنتهى للأشياء
add تابِعني remove_red_eye 610
انتشرت مؤخرًا سيولة في المواقف، ودعوة للإنسان أينما كان ألا ينحاز لجهة. أن يقلل من أحكامه وتصنيفاته، أن “يتسامح” ويتقبل فحسب زعمهم أن هكذا ترتقي البشرية. عندما لا يصبح هنالك حكم، تصنيف، لا أبيض ولا أسود. فقط ظلال الأشياء هي حقيقتها، جميعها يشترك في الرمادية. ليصبح من يبحث وراء الظل هو ذاته من يدعو للتفرقة.
وكما يقول المثل: “كل القطط رمادية حين يحل الظلام” تصطبغ الأشياء بصبغة واحدة وهذا يخالف طبيعة وحركة هذا الكون الذي يتسع كلما تنوعت الخيارات. لذلك ارتبط الرمادي بالحياد برغم تميزه هو باعتباره تمرحل بين لونين أو تعبير عن وسطية أو استجابة لظرف محيط. تعاملنا الحاد مع الرمادية سلبنا القدرة على الاستفادة منها كوضع طبيعي يعيشه الإنسان، أن يتردد بين شيئين أو أن يرفض الوقوف في صف ضد الآخر أو أن يلتزم الصمت وهو حق مشروع! يختلف الوضع بين من يريد أن يصبغ الكون بالحياد والضبابية وبين من يضع الحياد في موضعه باعتباره أداة للتعامل مع تغيرات الكون.
كيف نعرف لون الحقيقة؟
تصور معي أن الحقيقة لها لون محدد، عندما تراه لا تخطئه، وما سواه وهم، لنتخيل أن الحقيقة سوداء وما يعكس وجودها هو الفراغ والمساحة التي تحتمل وجود أشياء أخرى غير الحقيقة كالافتراضات والأوهام أو النظريات لكل منها لون خاص قد يقترب هذا اللون من سواد الحقيقة أو يتلاشى مع الفراغ المحيط بها، وبين هذه المواقف تحدث الحركة والحياة اقترابًا وابتعادًا من الحق. لكن أين الرمادي في هذه الصورة؟ الرمادية والحياد هو موقف لكنه بين الحقيقة والفراغ الذي يعكسها وليس بين الحقيقة وموجود آخر.
الحياد هو رغبة لمعرفة الحقيقة ومرحلة عبرها تستطيع أن تتذوق وتبصر وتميز بين الموجودات. عن طريق الحياد ترى الحقيقة لكن الحياد ليس هو الحقيقة.
منطقة بين بين..
عندما نبحث عن دلالات اللون الرمادي تبرز كلمات مفتاحية نستطيع من خلالها فهم تصوراتنا عن “الرمادية”، كلمات مثل: الحياد، الانطوائية، العملية، السكون، العزلة، الإحباط، الهدوء، الوسطية، الملل، اللامبالاة … إلخ. نستطيع أن نبصر نمطًا يتكرر وهو منطقة “بين بين” منطقة لا تعبر عن عدم وجود شيء بينما تعكس المسافة المتساوية أو المتفاوتة أحيانا بين نقطتين.
هذه المنطقة هي زاوية مميزة تبصر عبرها جدوى ومزايا شيئين، تسمح لك هذه الزاوية أن تحكم بعدل وحنكة لأنك ترى الجانبين، يراودني السؤال لماذا نخاف أن نكون هنا؟ أن نكون بينهما..
الرمادية…نفاق أم أداة لمعرفة الحق؟
أن تكون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء هو تعبير قرآني لوصف المنافقين الذين لا يظهرون موقف محدد، بل يتشكلون حسب محيطهم، تحركهم مصالحهم ورغباتهم، لا يستندون لمبدأ أو قيمة، بل هم في الظل دائمًا. هذا الموقف هو الذي يخيفنا، أن نكون ضمن المنافقين إذا اتخذنا موقفًا محايدًا.
ما يخفى علينا أنه برغم تشابه الرمادية إلا أن المرجعية تختلف! وبالتالي تختلف النتائج. هناك فئة تغض النظر عن الحق وتؤيد كل ما من شأنه أن يدعم وجودها وتتقلب وفقًا لذلك، وفئة أخرى يحركها الحق فقط تخاف أن تنزلق مع أهوائها وأهواء الآخرين، تحرص على أن تكون مواقفها موافقة للحق فتتخذ الحياد مرحلة للتقييم والفهم والتدبر حتى يصبح حراكها على بصيرة وليس اتباعًا. هنا تعتبر الرمادية داعمة لمعرفة الحق وليست تلاعبا بالمفاهيم.
التلاعب بالمفاهيم…معركة العصر
العمل على المفاهيم ودلالاتها وتأويلاتها هي معركة العصر الهادئة. معركة النفس الطويل والتدمير الممنهج لأهم ما يميز الفرد، فكره وفهمه ومعالجته لما حوله من نظريات وأفكار مضادة، داعمة أو بناءة.
تحييد الأمور هو أخبث الطرق التي تؤسس للميوعة والسيولة في كل شيء وتنفي سلطة المرجعيات، بل وتنفى سلطة الفرد ورأيه الخاص الذي يساهم به في حراك هذا العالم. لهذا يصبح استخدام الرمادية خبث ممنهج يمتص صبغة الحقيقة ويدعو للحياد الصارخ.
مشكلة الرمادي..
الإشكال أن الرمادي رمادي! هو حقاً محايد، يتسع بطبيعته للمنافق وللباحث عن الحق، هو منطقة برزخية تعبر عن التمرحل لكنها لا تجزم بالنتائج. ومثل هذا المكان ضروري حتى يتسع الوجود.
أخيراً… أود أن أقول إن من حقنا جميعًا عزيزي وعزيزتي أن نستمتع بشيء من ظلال الأشياء، ولكن الخوف أن نؤمن بها كحقيقة ومنتهى للأشياء.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 610
نعبر عن المواقف الغير واضحة بأنها رمادية, ضبابية يصعب الحكم عليها. إليك لماذا نخاف من الرمادية!
link https://ziid.net/?p=102415