العادات والطباع: الفرق بينهما، وأيهما قابل للتعديل
لماذا زوجي لم يتغير لقد وعدني؟ لأن ما تريدين تغييره هو طبع ليس مجرد عادة، لذا يجب أن تعرفي أولًا ما هو الفرق بين العادات والطباع.
add تابِعني remove_red_eye 11,872
تظهر العديد من المشكلات بسبب الخلط بين ماهيّة العادات والطباع، حيث يظن العديد من الأشخاص أن أيًّا منهم قابل للتعديل والتغيير، فيصدم بعد ذلك من الواقع، الطباع شيء متأصل في شخصية الإنسان هي ما تحدد ماهيته وكينونته وهي غير قابلة للتعديل، أما العادات فإنها شيء يُكتسب مع مرور الوقت بسبب وضع الشخص في بيئة معينة، لكنها قابلة للتعديل والتغيير سواء من خلال حافز خارجي أو من خلال الشخص نفسه ورغبته.
الفرق بين العادات والطباع وأيهما قابل للتعديل
تختار الفتاة رجلًا ما وتجد فيه بعض العيوب فتتغافل عنها بحجة أنه “سوف يتغير في المستقبل”، فيتزوجان ولا تمرّ إلا فترة حتى تكتشف أنه كما هو لم ولن يتغير، تظن أنه لم يعد يحبها وأنها خدعت فيه وغيرها من الظنون، لكن حقيقة الأمر أن الخطأ كله يقع على عاتقها، إنها لم تسأل نفسها من قبل هل عيوب هذا الشخص طبع أم عادة، وبناءً عليه تتخذ قرارها، فالعادة يمكن أن تتغير تمامًا أما الطبع فأقصى ما يمكن القيام به تجاهه هو محاولة تهذيبه.
فالعادة: شيء اعتاد الشخص على القيام به بصورة مستمرة مثل: تعود الشخص على سماع الموسيقى في الصباح، شرب فنجان من القهوة بعد الغداء، ممارسة الرياضة الجماعية كل يوم جمعة.
كلها عادات يقوم بها الشخص في حياته كروتين مستمر لكنه يمكن أن يتغير، على سبيل المثال زوجة اعتاد زوجها على تناول الطعام في الخارج دائمًا قبل الزواج، لكن هذه العادة أصبحت تزعجها كثيرًا عندما تزوجا فتوقف الزوج عن فعل ذلك رغم اعتياده على الأمر لماذا؟ لأن هذا ليس طبعه إنها مجرد عادة تعود عليها ومارسها لفترة من الزمن، وبالتالي يمكنه في أي وقت مع القليل من المجهود التوقف عنها.
شرب السجائر أو التدخين عادة أم طبع؟ بالطبع إنه مجرد عادة، لكنها عادة تعود شخص على القيام بها لسنوات، فيجب عليه في هذا الوقت ممارسة الكثير من الجهد للتوقف عنها، لكنها في النهاية تتغير لأن هذا ليس طبعه.
أما الطباع: فهي السمات التي تحدد شخصية الفرد، طبعي يختلف عن طبعك يختلف عن طبع فلان، يمكن أن يكون هناك بيننا أشياء مشتركة، لكن ما يحدد شخصيتي ويجعلها مميزة ومختلفة عن شخصيتك هي مجموعة الطباع التي تتشكل معًا لتعبر عني، كوني كريمة أم بخيلة هذا طبع، كوني هادئة أم عصبية هذا طبع، كوني حقودة أم عطوفة هذا طبع، والطباع لا تتغير وإنما يمكن مع الكثير جدًّا جدًّا من الجهد أن تهذبها.
وبالعودة إلى مثال المرأة واختيارها لشريك حياة خاطئ، فهي التي اختارت شريك حياتها بخيلًا للغاية ظنًّا أنه سيتغير، وبعد الزواج اكتشفت استحالة تغيره فظنت أنه لا يحبها، بالطبع هو لا يستطيع التغيير حتى وإن أراد، هذا طبعه، يمكنه أن يهذبه في بعض الأحيان، لكن سيظهر رغمًا عنه في موقف من المواقف، لأن الطباع تتم دون إرادة صاحبها، إنها شيء متأصل في نفسه.
متى تتشكل الطباع في شخصية المرء؟
هناك نوعان من الآراء التي يجب أن نسردها لكي نحدد الوقت الذي تتشكل فيه الطباع عند الشخص:
الرأي الأول: أقرّ به جون لوك الذي أسس الفلسفة الحسية التجريبية، والذي قال فيه إن “العقل صفحة بيضاء” وأن الطفل يولد بلا أي طباع أو أفكار ويتم تشكيل هذه الطباع والأفكار فيما بعد من خلال التجربة، ويقول لوك: إن هذه التجربة تعتمد على الحواس، بمعنى أن العقل تتكون لديه الأفكار من خلال التجربة التي تتم عن طريق الحواس الخارجية للشخص، وبعدها يقوم العقل بالربط بين هذه التجارب واستنتاج النتائج وتكوين انطباعه.
الرأي الثاني: الذي صدر عن العقلانيين والذين يؤمنون أن الأفكار تنقسم لنوعين، فهناك أفكار فطرية تولد مع الطفل في عقله، هذه الأفكار أو الطباع هي ما يحدد شخصيته، وهي أشياء لا تكتسب مع مرور الوقت، وأفكار يمكن للشخص اكتسابها من خلال التجربة والاحتكاك أثناء مراحل عمره، في الواقع أنا أميل بشدة لهذا الرأي وسأشرح لكم تحديدًا لماذا أؤمن برأي العقلانيين لا رأي جون لوك ومدرسته.
رأي العقلانيين فيه شيء من الاعتراف بالوراثة، أب عصبي وأم عصبية وُلِد لهم طفل عصبي، تشتكي الأم من عصبية طفلها وهو ما زال في الشهور الأولى من عمره، رغم أنه لم يكن قد سمع أي شيء بعدُ واحتكّ بأي مواقف بعدُ طورت لديه هذا الشعور، لكنه منذ أيامه الأولى عصبي، فمتى خضع هذا الطفل لتجربة جعلته عصبيًّا؟ إذن من البديهي أنه ولد هكذا وأن العقل ليس كصفحة بيضاء كما قال جون لوك.
أيضًا إذا كانت التجربة هي السبيل الوحيد لتكوين الطباع والأفكار، فكيف أن أخين في نفس المنزل خضعَا لنفس التجارب ومرَّا بنفس الأحداث أن يصبح أحدهما هادئًا والآخر عصبيًّا؟ أحدهما كريم والآخر بخيل؟ بالتأكيد إنها الطباع المختلفة الفطرية التي ولدوا بها وميزت كلًّا منهما عن الآخر.
وهذا يعني أن الطباع شيء فطري يحدد هوية الشخص، بينما العادات هي الشيء الذي يمكن للشخص اكتسابه من التجربة، فمثلًا قام الطفل بوضع يده على الموقد فاحترق، تكونت في عقله هذه الفكرة بناءًا على تجربته، فأصبح في الفترة القادمة يفزع كلما اقتربت يده من الموقد حتى وهو مغلق، هذه عادة تكونت لديه بناءًا على تجربته السلبية، لكنه مع مرور الوقت يمكن أن يتوقف عنها عندما يختبر تجربة أخرى يتأكد منها أن الموقد لا يمكن أن يحرقه وهو مغلق.
بناءً على هذا التحليل فإن هذا يعني أن الطباع تتكون لدى الشخص قبل ميلاده، أيّ أن الشخص يولد معها وتولد معه، وبالتالي فهي متأصلة فيه لا تتغير، بينما العادات يكتسبها الشخص من خلال التجارب والاحتكاك بالعالم الخارجي، وبالتالي يمكنه في أي وقت التوقف عنها بإرادته أو من خلال مؤثر خارجي يجبره على ذلك.
كيف يمكن أن تتغير العادات؟
هناك العديد من الطرق التي يمكن بها للعادات أن تتغير، فهناك تغيرات جبرية غير إرادية وهناك تغيرات طوعية تتم بإرادة الشخص، فمثلًا شخص اعتاد على ممارسة الرياضة يوميًّا في الصباح، لكنه أصيب في قدمه فجلس مصابًا في المنزل للعلاج (3) أشهر، نتج عن هذا توقفه عن هذه العادة، هذا تغير غير إرادي أو جبري، وهناك شخص من عادته النوم المتأخر كل ليلة، فطلب منه والده الانتباه أكثر على صحته ونصحه بالنوم المبكر ووعده الابن بذلك، فبذل بعض الجهد للتوقف عن هذه العادة السيئة وبالفعل توقف عنها، هذا تغير طوعي تم بإرادته.
لكن هل يعني هذا أن العادة لا بد وأن تختفي للأبد؟ لا، يمكن للعادة الرجوع مرة أخرى في أيّ وقت ويمكنها ألا تعود، يمكن أن يتوقف هذا على ظروف الشخص أو مدى قوة إرادته مثل المدخنين، وهذا عكس الطباع التي لا تظهر ولا تختفي إنها موجودة من أول لحظة في العمر حتى آخر لحظة في العمر، ثابتة ومتأصلة ولا تتعرض لتيارات الظهور والاختفاء مثل العادات، لذا من وجهي نظري فإن الطباع هي ما يجب أن نعتمد عليه في حكمنا على الأشخاص وليست العادات.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 11,872
مقال يساعدك على فهم الفرق بين الطبع والعادة وبالتالي معرفة ما يمكن تغييره مما لا يمكن تغييره
link https://ziid.net/?p=63427