الانتحار: دوافعه، وحلوله، ومعضلة سيسفس
عزيزي إياك والانتحار؛ فنحن نريدك المجتمع يريدك ويحتاج إليك، أنت تعلم أن كل شيء في الحياة مؤقت لذا مهما كانت المشكلة ستنتهي
add تابِعني remove_red_eye 540
بينما تقرأ هذا المقال، ربما غادر أحدهم هذه الحياة بمحض إرادته بعد صراع طويل مع أفكاره، فإحصائيات منظمة الصحة العالمية تخبرنا أنه ينتحر شخص كل أربعين ثانية، أرقام مخيفة، وظاهرة تتفاقم يوميًّا، وكل يرى الأمر بمنظوره، وجدالات لا تنتهى. في البداية دعونا نتفق أن كاتب هذا المقال ليس من المتخصصين وربما يخطئ، فكن رحيمًا به يا صديقي.
البقاء غايتنا ولا شيء غير البقاء
غريزة النفس البشرية منذ الأزل هي البقاء، قد يتخلى الإنسان عن كل ما يؤمن به مقابل أن يظفر بحياته، لطالما كان البقاء هو هدفنا الأول منذ خلق الله آدم، بل وسعينا للخلود، نحن نكره الموت جميعًا بطبيعة الحال، ربما يعاني البعض مشاكل في عمله، ربما أحدنا سعيد والآخر حزين، قد يذهب البعض باستمرار إلى الطبيب النفسي، وقد يتملك اليأس من آخر.
لكن لو جمعنا كل هؤلاء بسعيدهم وحزينهم غنيهم أو فقيرهم على متن قارب، وطلبنا من أحدهم القفز ليهلك مقابل أن يعيش الجميع سيتشبث الكل بالحياة، سيتمسك الجميع بفرصة النجاة حتى الرمق الأخير، لكن متى يصل الإنسان إلى مرحلة من اليأس تجعله يلقي بنفسه وهو لا يبالي النتائج؟ كيف لنا أن نختار الموت بينما هناك فرصة للحياة؟
المنتحر المتفائل
يخيل لنا جميعًا أن المنتحر عبار عن كتلة من التشاؤم، قضى عمره شريدًا كئيبًا، وأنه لم يسعد قطّ في حياته، لكن رغم اختلافات التفسيرات وجهود المتخصصين لمعرفة سيكولوجية المنتحر، فإني لا أميل لأحد سوى لرأي سيوران عندما قال: “لا ينتحر إلا المتفائلون، المتفائلون الذين لم يعد لهم القدرة على الاستمرار في التفاؤل” وصف بسيط وعبقري ببساطة لا ينتحر إلا هؤلاء، فهذا هيمنجواي الأديب الأمريكي الذي قضي عمره محاربًا لفكرة الانتحار، والذي أغلب رواياته تبرز القوة النفسية للإنسان.
هيمنجواي الذي لم يكن رحيمًا مع والده الذي انتحر ووصف فعلته بالجبن، من يصدق أن هذا الهيمنجواي أطلق علي نفسه رصاصتين ليتخلص من حياته وهو ابن الستين بعد كل هذا الكفاح. وهناك الشاعرة آن سكستون صاحبة الأشعار التي كانت تدعونا فيها للتمسك بالحياة، تقرر ترك الحياة بهدوء، وهى التي ربما أعطت الأمل للكثير بعذب كلامها. وهناك كثير من الحالات التي تدعم نظرية سيوران؛ فلا أحد منا ولد كئيبًا، يريد الانتحار بل إنه لا أحد يصل لهذه الحالة أعتقد إلا أصحاب الطموحات العالية والمتفائلون؛ هؤلاء المتفائلون الذين لم يستطيعوا الاستمرار في التفاؤل.
لماذا علينا ألا ننتحر؟
في وجهة نظر الفيلسوف الفرنسي “ألبيرت كامو” أن مسألة هل ننتحر أم لا؟ هي لبّ الفلسفة، يخبرنا كامو أن الحياة عبثية خالية من المعنى، فحياتنا ما هي إلا صراع دائم بين الواقع وبين أحلامنا المنتظرة، بين مثالياتنا وبين واقع الأمور كما هي، وهذه العبثية قد تظهر لنا كثيرًا بشكل واضح لا يمكننا تجاهله في هذه اللحظة التي تري عدم اهتمام الكون بأهدافك الخاصة، هذه اللحظة تمزق نسيج حياتنا المحكمة، هذا ما يدعوه كامو تحديدًا بالعبثية.
ولإيضاح ذلك يعيد لنا كامو أسطورة شهيرة تسمي “أسطورة سيسفس” لقد حكمت الألهة علي سيسفس أن يدحرج إلى الأبد صخرة عملاقة إلى قمة جبل؛ لاعتقاده أنه أقوي إله، وكان كلما اقترب من القمة سقطت الصخرة مجددًا، يعتقد كامو أننا مثل سيسفس محرومون من الوصول إلى غايتنا؛ فواقعنا يفتقر لهدف نهائي محدد، هذا هو قدرنا تماما مثل سيسفس.
يحدثنا كامو أن الانتحار ليس حلًّا أبدًا لمواجهة عبثية الحياة لأنه ينفي المشكلة فقط بدلًا من حلها، إذ الجواب يكمن في تقييد أنفسنا بالعبثية: أن نختار في حياتنا أشياء مفعمة بالعبثية فبدلًا من عزاء أنفسنا بالأمل في عالم أفضل، يجب أن نثور علي محكمويتنا، ونخلق فنًّا يعكس حالتنا الإنسانية علي الرغم من عبثية هذه الفكرة، يقترح كامو نهاية مختلفة للأسطورة عندما تسقط الصخرة في القاع؛ علينا أن نتخيل سيسفس سعيدًا وبذلك تتحقق ثورة، ويخلق سيسفس معنى داخل عقوبته العبثية؛ ففي النهاية خلق المعنى هو الأهم فلا تتوقفوا عن خلق المعني مهما ساءت الأمور يا رفاق.
حقيقة الفناء
في النهاية عزيزي القارئ، تذكر أنه لا شيء يدوم في هذه الحياة، مهما تألمت ومهما طال بك البلاء، أو اشتد عليك الحزن، وتعرضت للخذلان، كل هذه المشاعر السلبية ستنتهي يومًا ما، والوقت كفيل بمداواة جروحنا، وستنتهي المعاناة يومًا ما، حتما ستنتهي.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 540
مقال مثير ويطرح وجهة نظر جديدة حول الانتحار
link https://ziid.net/?p=69025