(إن الإنسان خلق هلوعًا) فمنذ نعومة أظافرنا ونحن أناس طينتهم الخوف، أمضينا حياتنا كلها مذعورين من أمور قد تحدث وأمور أخرى قد لا تحدث، لطالما كانت حياتنا سلسلة متصلة من المخاوف، التهم فيها الخوف ما بداخلنا من طمأنينة وثبات و انتزع أحشاء السلام وألقى بأرواحنا إلى الهاوية. أي: إنه منذ بدء الخليقة والخوف صفة متجذرة بالطبيعة البشرية، فالإنسان مجبول على الخوف وليس في هذا منقصة أو عيب، ومع ذلك فإن النفس البشرية ما زالت تحيطها هالة من الغموض فيحبو العلماء تجاهها ليكتشفوها كما يكتشف الأطفال العالم في بداية حبوهم، فهي بمثابة لغز يحير جل العلماء وما زال الكثير من بواطنها مدفون بداخلها لم يكتشفوه بعد، ولم تثمر محاولاتهم إلا باكتشافات طفيفة.
أغلبنا يمارس خوفه في خزانة روحه ويدفن الخوف قرب شجرة قلبه، فيملؤها بالهواجس والخيالات المريضة فيرتبك وجود المرء وترتبك بوصلة النفس ولا تدري أي الجهات تسلك وهذا وقعه أشد عليها، فأحيانًا يكون الخوف ثقافة وطريقة، فأشياء شتى لا نعرف عنها إلا خوفنا منها، مثلما يحدث مع الكثيرين الذين يدربون أنفسهم باستمرار على فقدان المقربين والأحباب، فلا نعرف عن الموت إلا خوفنا منه، وكخوفنا من اكتشاف العوالم الأخرى التى لا نعرف عنها الكثير ونخافها، وأحيانًا أخرى يجعل أبصارنا تزيغ والقلوب تصل الحناجر من شدته، بل ويخلق تهيؤات وخيالات مريضة لا أساس لها من الصحة، فمثلا من يعاني رهاب الظلام يتوهم بأن الأشباح تلازمه وتتبعه بل من المحتمل أن تفاجئه وتخرج من بين الجدران، لذلك يعتبر الخوف مناخًا مناسبًا للوهم والضلال.
يقول البعض بأننا نولد ويولد معنا خوفنا من السقوط ومن الظلمات، أي: إن هذا الشعور شعور ذاتي نابع من دواخلنا أما عدا ذلك فهو شعور مكتسب أي: إنه صناعة بشرية ككل هذه الحكايات والأساطير التي صنعها الأجداد والجدات ليحذرونا من الخروج بغير رفقتهم ومن تبعات تصرفاتنا الصبيانية في اكتشاف العالم .
أنواع الخوف
الخوف أنواع فمنه المذموم وهو الذي يقتل الإنسان معنويًّا ويحطم كيانه ويأسره بقيود لا داعي لها تعطل من مسيرته، كخوفه من الفشل فيخاف التجربة ولا يقدم عليها ولا يسلك طريقًا لا يألفه، أما الخوف المحمود هو الذي يكون بمثابة وازع أخلاقي وإجتماعي، كالخوف الذي يدفع المرء للمحافظة على القوانين وعدم مخالفتها، والخوف من عقاب الله الذي يدفع المرء لطاعة الله خوفا من عذابه.
- الخشية أخص من الخوف.
- الخشية أخص من الخوف لأنها تبنى على علم ومعرفة أما الخوف هو عكس ذلك.
-كقوله تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء)
-وكقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : (والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له)
الخوف في القرآن الكريم
لقد وردت كلمة الخوف صريحة في القرآن الكريم حوالي 21 مرة، و ذكرت مشتقاتها حوالي 103 مرة، أي: إنها إجمالًا ذكرت حوالي 124 مرة، وذكرت عبارة (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) حوالي 14 مرة منهم 7 مرات جاءت في سورة البقرة، وقد جاء هذا التكرار بهدف التثبيت وبث الطمأنينة في النفوس. قال تعالى :
-(هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا) (الرعد: 12)
-(يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) (النور: 37)
-(فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) (الأحزاب: 19)
-(إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) (الأعراف: 59)
-(قال رب إني أخاف أن يقتلون) (الشعراء: 14)
الخوف في السنة النبوية
كذلك وردت كلمة الخوف على لسان النبي (صلى الله عليه وسلم) في بعض الأحاديث .. قال النبي (صلى الله عليه وسلم) :
-(أعلى الناس منزلة عند الله أخوفهم منه)
-(أتمكم عقلًا أشدكم لله خوفًا)
-(أكمل الناس عقلًا أخوفهم لله وأطوعهم إليه)
الخوف في الأدب
كذلك وردت كلمة الخوف على لسان بعض الأدباء والمفكرين
– الحقيقة أن الناس في مصر محظوظون، فهم ليسوا بحاجة إلى قراءة أدب الرعب لممارسة بروفة الموت، إن الرعب ضيف دائم معهم خاصة أسوأ أنواعه وهو الخوف من الغد ( دكتور أحمد خالد توفيق)
– لست خائفة من الضياع، الجميع يفقدون طريقهم من وقت لآخر، إنه الخوف من عدم إيجاد ذاتي أبدًا (سيلفيا بلاث)
– لا تخف، الخوف لا يمنع من الموت ولكنه يمنع الحياة (نجيب محفوظ)
– البشر يحكمون بالخوف أكثر من المهابة (أرسطو)
أخيرًا، يتضح لنا أن الخوف كالظل يلازم المرء فلا مفر منه، ولكن عليك تقبله ولا تجعله يآخي وحدتك لتتحرر من ثقله الذي يقيد روحك ويشدها للأسف؛ لذا فعليك بمبارزة مخاوفك لا الهرب منها لتطفو روحك من جديد وترى النور، فرحلة التغلب على الخوف تبدأ بمجابهة الخوف نفسه، كما يقول نيلسون مانديلا بأن (الشجاعة ليست غياب الخوف ولكنها بالانتصار عليه) ، فالمجابهة هنا بمثابة التخلي عن كل الألم الذي قاسته روحك من ويلاته، فعليك المجابهة بشجاعة لتسترد روحك من براثنه.
إليك أيضًا
كيف تعالج خوفك وتنطلق دون أن تهاب شيئًا
link https://ziid.net/?p=82992