العنف وأزمة السيطرة الأبوية: كيف تتعافى من الإساءة الأبوية؟
إنَّ أصعب أنواع الإساءات تلك التي نتعرض لها من الوالدين، ولكن هل هما ظالِمَيْنِ فِعلًا؟
add تابِعني remove_red_eye 62,056
مَن مِنا لم يتلقَ صَفْعة من والديه في الطفولة بغرض التربية؟
الكثيرون تعرضُّوا لذلك وتعرضُّوا لما هو أكثر، ولا شك أن تلك هي أكبر الصدمات التي قد توتر حياتنا وتدفعنا للأسوأ دائمًا، لأن الأسرة هي الحجر الأول في بناء نفس الإنسان السويّ، هي التي قد تدعمه فتخرجه سويًّا شجاعًا، وهناك من لا يجد الدَّعْم فيخرج وهو خَرِبَ النفس مكسورًا، لا يعرف للشفاء سبيلًا، كما قد تخرج تلك الأنماط غير السوية، أبناء معطوبين ولا يدرون أن العطب يسري فيهم، فيكبرون ويصبحون آباء، وهم لا يدركون أنهم تعرضوا للإيذاء، فتبدأ سلسلة أخرى من الإيذاء من ناحيتهم فيصبحوا آباء سيئين لندخل في حلقة لا تنتهي!
للأذى أشكال متعددة تبدأ من الصَّفَعات أو الضرب المُبَرِّح على أَتْفَهِ الأخطاء (أو بدون سبب أصلًا)، والبعض قد تعرض لظلم من نوع آخر مثل المقارنة بينه وبين من هم في مثل سنه، أو التسفيه من قدراته، وتمتد من بعض الآباء غير الأسوياء أو الأقرباء غير الأسوياء إلى التحرش.
هل أساء أحدهم إليك؟
ذات مرة بينما نحن في محاضرة في الدبلوم التربوي شرح الأستاذ نمطًا تربويًّا غير سويٍّ، قالت الزميلة بتعجب
كيف ذلك! كيف لا يتم ضرب الأطفال؟! بعض الأطفال لا يستقيم سلوكهم بدون الضرب
ساد الصمت القاعة كيف أصبح السلوك المؤذي عاديًّا إلى هذا الحدِّ! بل يجب الدفاع عنه والمطالبة بالإبقاء عليه حينما سألتها قالت:
ما المشكلة كان أبي يضربنا لأنه يخاف علينا، لأنه يريد أن نصبح أفضل
لقد تلَقَّت الصفعة مُزَيَّنة بالورد، والإساءة مُطعَّمة بالابتزاز العاطفي.
بينما زميلة أخرى قالت:
كنت أشعر أن هذا الذي يحدث خطأ كبير لا يمكن أن تكون تلك الطريقة هي الطريقة الصحيحة للتربية، لكنني لم أَعِي كيف أعبر عن تلك الأفكار إلا عندما كبرت.
أنت لا تعرف الآن هل تمت الإساءة إليك أم لا؟ إذا جلست لتحصي كم مرة خسرت وكم مرة أصبت بالخيبة ستعرف هذا بنفسك: هل تشعر بثورة الغضب داحلك؟ هل تثور لأتفه الأسباب؟ هل تشعر بأنك لا تستحق الحياة؟ وكأن وجودك غلطة تعتذر عنها طوال الوقت؟ هل تكره العائلة أو حتى تشعر بالنفور منها؟ وهل توقفت الإساءة عند الطفولة أم ما تزال مستمرة؟
أول الخطوات نحو التعافي
يبدأ عندما تقول “لا” .. عندما ترفض أن يُساء إليك .. عندما تخبرهم أنك لم تعد الطفل الذي كنته أن لا تتركهم يتحكمون في أمورك، لا يكون هذا الرفض عن طريق التصادم، لأن ذلك من شأنه أن يضاعف الأمر، أن يجعلك الابن العاق وأن تزداد الإساءة نحوك.
الأمر يتم بقول “لا” لكنها لا المهذبة العاقلة، لا المفندة بحُجَجِك وبَرَاهينك، لا المدعمة بكل ما يمكنك أن تدعمه به، أن تكسر ذلك القيد الذي أدمى معصمك، أن تصدق أنك تستحق الحياة الأفضل، وأنك لست الصورة التي وضعوها أمامك وأخبروك كذبًا وبهتانًا أن تلك، صورتك، يجب أن تقول “لا” حاسمة لأنهم بشر يصيبون ويخطئون، يقصرون في بعض الأحيان، لأن الزَّمَن الذي تربوا فيه كان غير ذلك الزمن الذي وُلِدنا له.
أن تروي قصتك
قالت (ذلك اليوم حينما جلست أمام المعالج النفسي وقلت القصة كاملة، استحضرت كل التفاصيل، أخرجت الحكاية المكتومة في صدري والتي تكاد تقتلني، حينها فقط كنت قادرة على التنفس لأول مرة دون أن أشعر بأن هناك ما يَجْثِم على صدري).
من المهمّ دائمًا أن نروي القصة، لمعالج نفسي، لصديق، للورق إن ضاق بنا الأمر، المهم هو أن نخرج كل التفاصيل الجاثمة هناك، التي تمنعنا من التمتع بالحياة ورؤية جمال العالم، تلك التفاصيل التي تكاد أن تقتلنا، تلك الحكاية القديمة.
صديقتي تلك لجأت للمعالج النفسي حينما تغيرت معاملة والديها فجأة للأفضل، لقد أخبرتني أنه لا يمكنها التحمل، وأنها لم تعد قادرةً على تَقَبُّل تغييرهم ذلك، ما زالت هناك غُصَّة في حلقها ناحيتهم، ما زالت تتذكر الألم القديم، ولكنها حينما قصت الحكاية وعيت لجوانب أخرى فيها، رأت فيها ما لم تَرَهُ قبل ذلك، وبعد أربع جلسات أصبحت تستقبل حنان الأب والأم بمنتهى الطبيعية وشعرت بالتحسن وبالحب والدفء.
إذا كان ذلك جاء حينما تغيرت المعاملة للأفضل فما بَالُ من ما زالوا يعانون، أنكم لا تحتاجون لحل كبسولي، ولا يمكن لنقاط محددة أن تعطيكم العلاج، إنما هي نقاطٌ لتضيء نقطة ما في العقول، للسعي للعلاج، للسعي لكسر القيد وللسعي نحو الأفضل، فهناك بعض الحالات التي تحتاج للعلاج الدوائي لأن ما فعلته الإساءة الأبوية أكبر بكثير من قدرتهم على التحمل.
تنظيف الجراح
إن عملية العلاج تلك صعبة ولكنها لازمة، ربما تقابل بالرفض من الوالدين، ربما تزداد الحرب بينك وبينهم حينما تقول لا، لكنهم عاجلًا أو آجلًا سيستجيبون، إذا كان في إمكانك المغادرة بعيدًا عن منطقة الأذى فذلك أفضل الحلول، وان لم تتمكن من ذلك فحاول أن تخلق قوقعة خاصة، وان لا تنصت كثيرًا إلا ما يقال، اجعله دائمًا بعيدًا عن ناظريك.
المؤذي الذي تجرع الأذى
يقول د”عماد رشاد عثمان” في كتابه (أبي الذي أكره): (الآباء الغاضبون ليسوا سوى أطفالٍ غاضبين يتنَمَّرُون على الأطفال الأصغر سِنًّا الذين صُودف أنهم أبناؤهم).
تقول الصديقة: (ذات يوم بينما كنا في جلسة عائلية قَصّ عمِّي موقفًا عن شدة جَدِّي، وذَكّر أبي به، امتقع وجه أبي حينما سمع الحكاية مُجدَّدًا ولمحت عبرةً في عينيه)
لقد أدركت صديقتي أن الأب الصارم القاسي ما هو إلا ضحية في الأصل، لقد تربَّى بطريقةٍ صارمة، لم يَذُقِ الحنان، لم يعرف الرِّفق واللِّين فكيف يقوم فاقد الشيء بإعطائه، الأمر في غاية السوء، ربما يكون الأب ضحيةً مُعَقَّدًا مُتشدِّدًا، أو أفكار مجتمعية ظالمة، بالطبع هذا لا يعفيه من مسئوليته ولا يُسوِّغ اعتداءه، لكن فَكِّر بطريقة أخرى فهو لم تُتَحْ لديه كل تلك الوسائل المتاحة إليك، على الأقل أنت تعرف أنك مصاب وتتألم، لكنه لا يدرك ذلك ولا يشعر به.
كتاب يدلكم على الطريق
أرشح لكم كتاب (أبي الذي أكره) لدكتور “عماد رشاد عثمان” عن التعافي من إساءات الأبوين وصدمات النشأة. يبدأ الكتاب بسرد قصص للمحبوسين في سجن الإساءات الأبوية، قد تجد نفسك واحدًا منهم أو تجد نفسك جمعت بين الكثير، بعد ذلك يأتي التكوين الذي يشرح لك ما الذي أَوْدَت إليك به الإساءة وما الذي أخذته منك، بعد ذلك تأتي الاضطرابات والعلاقات، ما الذي يخرج منك في هيئة سلوكِ ذلك الذي نتج عن جرح الإساءة.
وبعد ذلك يأتي التعافي، أول خطواته الاعتراف بالمشكلة، لا إنكارها مثلما قالت الزميلة يفعل أبي هذا من أجلي، وأخيرًا تحين مراحل التعافي وهي (الإنكار- الغضب – الصدام- استعادة الذات- التجاوز) وربما الغفران، ثم ينتهي الكتاب برسالةٍ للحبيسين في أنفسهم.
الآن لا وقت لديك يجب أن تخرج من سجنك، وأن تتحرك نحو الخلاص، حتى لا تكون حَلْقةً جديدةً في سلسلة الإيذاء.
add تابِعني remove_red_eye 62,056
link https://ziid.net/?p=56420