كيف يؤثر طفلك الداخلي في تشكيل شخصيتك الآن؟
مرحلة الطفولة هي الأساس الذي تُبنى عليه شخصياتنا وتركيبتنا النفسية، يظل تأثيرها ممتدًا ومؤثرًا وتُحركنا مهما كبرنا دون أن ننتبه.
مرحلة الطفولة هي الأساس الذي تُبنى عليه شخصياتنا وتركيبتنا النفسية، يظل تأثيرها ممتدًا ومؤثرًا وتُحركنا مهما كبرنا دون أن ننتبه.
add تابِعني remove_red_eye 47,852
نكبر فنظن أننا راشدون بالغون قادرن على التحكم في أنفسنا تمام التحكم، نظن أننا نعي دوافعنا.. انفعالاتنا.. غضبنا وفرحنا، والحقيقة لسنا كذلك كليًّا. فهناك طفولة غرست جذورها داخل نفوسنا وعليها تم البناء. فإذا كانت الجذور سوية فسيكون البناء مستقيمًا.. النفوس سليمة.. والدوافع والانفعالات في محلها، أمّا إذا كانت الجذور غير ذلك فالبناء مائل حائر مُتخبط مهما كبر.
ننسى غالبًا ما مررنا به في مرحلة الطفولة من أحداث ومشاعر على المستوى الواعي، لكن على مستوى اللاواعي كل ما حدث له مكان في الذاكرة، بل في الروح والشخصية والكيان بأكمله، وعليه تُبنى طبائعنا ميولنا وسماتنا. لكننا في كثير من الأحيان نتجاهل ذلك؛ فنقول هذا طبعي؛ أنا عصبي، متسرع، متردد، خواف، لا أستطيع تحمل المسؤولية، وغيرها الكثير من السمات التي نَصِم بها أنفسنا دون أن نعرف من أين جاءت. قد يبرر البعض أنها وراثة، أو هكذا خُلِق. لكن في الحقيقة لا توجد سمة سلبية إلا ولها جذور تمتد من الطفولة هي السبب في نشأتها.
قد تكون العصبية نتيجة طفل تم تعنيفه وكبت حريته، قد يكون التسرع والاندفاعية نتيجة طفل لم يُسمَح له بالتعبير عن رأيه، قد يكون التردد نتيجة طفل لم يتعود على اختيار شيء ما لنفسه، قد يكون الخوف نتيجة طفل غير مطمئن وتم إشباع خياله بقصص مخيفة، قد يكون عدم تحمل المسؤولية نتيجة طفل تحمّل مسؤولية زائدة أو لم يتعلم تحمل مسؤولية مهامه الصغيرة. فلكل صفة جذر في الطفولة، وأصل أغلب المشاكل في الشخصية خطأ في التربية.
لقد مررنا جميعًا بطفولة مختلفة عن بعضنا، فتشكلت عليها شخصيات مختلفة، نتيجة بيئات مختلفة، وطرق تربية مختلفة؛ وللاختلاف خُلقنا في الأساس، ولم يكن الاختلاف عيبًا أبدًا. لكن الاختلاف الذي أقصده هنا هو الاختلاف السلبي؛ أن تكون طفلًا تم تعنيفه، ظلمه، قهره، حبسه، لومه، حرمانه، كبته، تحميله مسؤولية أكبر من سنه وقدارته، عدم حمايته بالشكل الكافي، عدم حصوله على الحب الكافي، المقارنة بينه وبين أقرانه، عدم تقدير اختلافه.
كلها أسباب تجعل مرحلة الطفولة صعبة نفسيًّا، في ظل عدم قدرة الطفل على الدفاع عن نفسه أو التحكم فيما يتم غرسه في نفسيته. فينتج عنه طفل مشوه نفسيًّا بطريقة ما، مع اختلاف درجة التشوية وتأثيرها في الشخصية.
كُلٌّ منّا -مهما كان السن- بداخله طفل يحتاج إلى الرعاية والحماية والاحتواء والحب. عندما ننضج نستطيع أن نُعطي أنفسنا احتياجاتها باحتوائنا وتفهمنا لأنفسنا، أو بإشباعها عن طريق العلاقات المقربة. لكن إذا كنت تأخذ احتياجاتك ويظل طفلك الداخلي حزين، وتشعر دائمًا بالانكسار والتخبط، وبأنك تائه لا تدري إلى أي طريق تتجه؛ فهناك مشكلة من الطفولة تعلن عن وجودها.
وأيضًا إذا كنت لا تعرف نفسك تمام المعرفة وتتفاجأ دومًا بردود أفعالك المختلفة في مواقف شبة مكررة، أو تُصدِر دائمًا انفعالات زائدة في مواقف بسيطة. أو إذا كنت تُعاني من صفات سلبية لا تدري متى اكتسبتها، فقط تتذكر أنها نشأت من زمن بعيد وتظن أنك ولدت هكذا؛ فهناك مشكلة مغروسة في نفسيتك منذُ الطفولة وإن لم يتم الاستجابة لها فستزداد مع الوقت.
وبسبب عدم الانتباه لكونها مشكلة من الطفولة والتربية؛ نظل نحاول تغيير الحاضر فقط دون الرجوع للماضي وتحريره وشفائه، وبالتالي تظل المشاكل قائمة مهما حاولنا الحل أو تغيير الواقع الحالي بسطحية.
هناك من أدرك ما مر به من صعوبات في الطفولة، لكنه قرر ألّا يجعله الماضي أسير، فتقبل ما حدث من صعوبات وسمح لمشاعر الغضب والحزن واللوم أن تخرج لا أن يتم كبتها بداخله. فعبّر عنها بالطريقة بالمريحة والمناسبة له؛ طلب المساعدة.. أشبع احتياجات الطفولة غير الملباة.. واجه الأهل بأخطائهم.. أو استعان بمتخصص لإرشاده ومساعدته. ومن هنا تدريجيًّا يُصبح أفضل مع زيادة وعيه بنفسه وتحليل دوافعه ومشاعره وتصرفاته وتعلُم كيف يُصبح أفضل.
وهناك من لا يتخيل أن المشكلة الحالية بسبب حدث ما في طفولته، ويمكن أيضًا ألّا يدري عمّا مر به من صعوبات في الطفولة نتيجة مسح الذاكرة للذكريات المؤلمة التي مر بها. وهي حيلة دفاعية يصنعها العقل عندما يتألم، لكن يظل أثرها وتبعيتها قائمة، وإذا حدث موقف مشابه لما كان يحدث معه في الصغر فسيشعر بالألم داخل نفسه، وسيتذكر بعض الصور المشوشة في البداية. وهنا لا بد من الاستعانة بمتخصص في علم النفس كي يساعده على التذكر بشكل كامل وتحليل الدوافع والانفعالات والوصول لأصل المشكلة المُسببة لما عليها الشخصية الآن، ومن ثَم العلاج تدريجيًّا حتى يُصبح في أفضل نسخة من شخصيته.
كلما هربت من مواجهة الماضي وما حدث في الطفولة ستزداد المشكلة، بل ستظل تتعقد شخصيتك وتشعر بالمعاناة والألم وعدم الراحة في علاقاتك وحياتك. فلا تهرب من ماضيك وطفولتك بل داوِها.
في الحقيقة ليست رحلة سهلة، ستمر بمشاعر صعبة، وستذكر مواقف مؤلمة، وربما تشعر بالاختناق، لكنها مرحلة مؤقتة ستمر. وعندما تمر ويتحرر طفلك الداخلي؛ ستشعر بالخفة والاختلاف في روحك.. شخصيتك.. علاقاتك.. حياتك، وبالاختلاف في تقديرك لذاتك. ستكون شخصًا حرًّا غير مُقيَد، وستكتشف نفسك من جديد بروح مُنطلقة مُقبلة على الحياة.
add تابِعني remove_red_eye 47,852
زد
زد
اختيارات
معلومات
تواصل
الإبلاغ عن مشكلة جميع الحقوق محفوظة لزد 2014 - 2025 ©
أهلاً ومهلاً!
10 مقالات ستكون كافية لإدهاشك، وبعدها ستحتاج للتسجيل للاستمتاع بتجربة فريدة مع زد مجاناً!
المنزل والأسرة
المال والأعمال
الصحة واللياقة
العلوم والتعليم
الفنون والترفيه
أعمال الإنترنت
السفر والسياحة
الحاسوب والاتصالات
مملكة المطبخ
التسوق والمتاجر
العمل الخيري
الموضة والأزياء
التفضيل
لا تكن مجرد قارئ! close
كن قارئ زد واحصل على محتوى مخصص لك ولاهتماماتك عبر التسجيل مجاناً.
كيف تؤثر الطفولة عليك وعلى تكوين شخصيتك
link https://ziid.net/?p=86655