إجابتي على السؤال الأزلي والأبدي: لماذا نكتب؟
الكتابة هي طريق الخلاص، هي المتنفس الذي نهرب به من مشكلاتنا ونتحدى فيه مخاوفنا، ونسطر فيه أفكارنا وأحلامنا
add تابِعني remove_red_eye 759
“لماذا نكتب؟”
هو سؤال من فئة الأسئلة الوجودية التي قابلت الإنسان بعد أن تعلّم صيد طعامه، وضمِن وجود جدول ماء يجري تحت قدميه.
تغير الصيد وجدول الماء عبر القرون وبقي السؤال كما هو -دائمًا- يغافلنا ويُلّح كلّما تجاهلناه: هل نكتب لأننا نحب الكتابة؟ أو نكتب لأننا يجب أن نكتب لنحفظ تاريخنا وحياتنا؟ أو نكتب لأننا في سباق مع آخرين يكتبون؟ أو نكتب لأننا نقرأ والكتابة فعل يرادف القراءة؟ أو نكتب لأننا لا ندري لماذا نكتب: فقط نفعلها مجردين من كل سبب لفعلها؟
ليَخْتَرْ كلٌّ منكم سؤالًا يتناسب مع تفكيره فيجيب عليه، أو ليَخْتَرْهم جميعًا تكرُّمًا منكم.
أما أنا فأجيب على السؤال بأنني أكتب لأن البهجة التي تمنحني إياها الكتابة لا يمنحني إياها أيّ محفِّز آخر، أكتب لأنني أحتاج الكتابة أكثر مما تحتاجني، أكتب لتمنحني الألق الذي أحيا به، أكتب لأحفظ ما تبقّى من وعي يمكّنني من الاستمتاع بكل حياتي.
الكتابة بهجة وبهاء يربط بينهما قوس قزح أوله في قلبي وآخره في السماء، لطالما أمعنت النظر فيه وأَسَرَتْني الحروف بألوانها وأشكالها بدءًا، ثم أتى أسْر المعاني أكثر استحكامًا لا فكاك منه، الكتابة -التي كررتُ كثيرًا- ذلك الأتون البارد الذي يصقل روحك، هي جنين فكريّ يحرص على التواجد بين خيالك حين مخاضه، هي حبل خلاص لمتاهات عقولنا، وغور عميق تسافر فيه أعيننا باندهاش أكبر.
هي ضحكة تمنّعت عليك وغابت بغياب رفقة الصبا، هي رحلة العقل تتقافز فيها أرانب أفكاره المرحة وتغريك فيها حدائق الاختلاف زاهية التنوع، هي حنين الإنسان لترك بصمته على الكوكب ورفضه لأن يكون نسمة عابرة يهزمها الفناء، هي حُلم الخلود الذي رغبت فيه جميع المخلوقات وفشلت ونجح فيه الإنسان؛ لأنها تحقق إنسانيته، نكتب لأن الوهج يأتي من هناك، من مكان تساقط المعاني والحروف راسما حقيقتنا، نكتب لأن الكتابة هي الإجابة الوحيدة عن سؤال: لماذا نحن هنا؟ كل هذا بجانب أنها تعالج المكلومين والمجروحين وكل من لم يستطع البوح بألمه، فكم من كاتب كانت دواءَه، وكم من جريح لملمت جراحه، وكم من تائه كانت دليله، وكم من مُحبّ كانت رسول حبه، وكم من قائد كانت أداة قيادته، وكم من مفكر كانت لوحة لعرض فكره.
لماذا نكتب؟
لأن ثمة نور هناك شعاعه لن يجده كفيف الروح إلا على درب أحرف مضيئة، ولأنها هي عَصَانا لشفاء أرواحنا من أسقام الدهر، كما أن لنا فيها مآرب أخرى حين نهرب الي الداخل فلا نجد إلا الخروج عَبْرها، فكم من هادئ الملامح صامتٍ بداخله محيط هادرة أمواجه، مضطربة نفسه، ذاهل عقله.
لماذا نكتب؟
لأننا عندما نكون في الجانب الذي يتلقى دائما الكثير من الصفعات والأكثر من الخيبات فنحن نحتاج أن نكتب، حينما ينخلع باب الخيانة وتهب ريحها سوداء منتنة عِمادها أصدقاء السوء يلوثون أيامنا فنحن نحتاج أن نكتب حتى نكشف كذباتهم واحدة تلو أخرى تتناسل خيوطها، ولأن لا أحد يعلم متى تهب ريح الخيانة سنظل أوفياء طوال حياتنا للكتابة.
ولأن ثمة ما يمكن أن يُقال ولا يُقال -فقط- لأنه حقيقة ولكننا قد نكتبه، كما أن -دائما أو غالبا- الاختيار الخطأ خطيئة ولكن اختيار الكتابة فضيلة للزمن الجميل لا بد أن يكون به بعض القُبح نغسله بها، وكما أن الأمل الزاهي ينام على ريش الأمنيات تهدهده الكتابة، والروح الجميلة تزهو وتتألق بها.
حينما أكتب ينتابني إحساس مبهم لا يتضح إلا حين أبدأ فيها، فيتيقّن لي أن هذا هو ما احتاجه في هذه اللحظة، هذا بخلاف حالات الحزن التي إن صادف فيها أن أمسكت قلما وورقة -يوم أن كان للورقة والقلم هيبتها- حتى تنهمر الدموع أحرفًا وتتحول الأحرف إلى نشيج صامت.
حينما تغمرنا الخيبات فإننا نكتب لتكون غنيمتنا الكتابة، نكتب ربما لننسي مَن نحن؟ أو نكتب لآخرين لا نعرفهم فنهديهم بعض آلامنا وأفكارنا، ولأن السجل الخالد للإنسانية بدأ بالكتابة على جدار كهف، وربما لم يرتق خيال أول من كتب إلى أننا سنكون على الجانب الآخر من الزمن ننظر إليه
ونعيش ذات الفكرة “حب الكتابة” فالكتابة قدر.
كلمة زِد:
نحن نشدّ على يدك عزيزتنا الكاتبة، وما إطلاقنا قسمًا خاصًا بالكتابة إلا دليلًا على إيماننا بموهبة أمثالك.
add تابِعني remove_red_eye 759
لماذا نكتب؟ إنه سؤال من فئة الأسئلة الوجودية التي قابلت الإنسان .. تعرف على الإجابة في هذا المقال
link https://ziid.net/?p=46849