اذهبوا فأنتم الطلقاء: نموذج للصفح الجميل من أعظم مرَبٍّ
صفحك عن المسيء قوة، ولو أوهمك ضعاف القلوب بأنه ضعف وهوان، تمثل بالنبي الأعظم وكن ذا صفح جميل.
add تابِعني remove_red_eye 11,369
《اذهبوا فأنتم الطلقاء》
تلك الجملة التي نادى بها أعظم خلق الله للقوم الذين آذوه و شتموه ومارسوا معه كل أنواع القسوة والأذى، هددوه ومن يتبعه بالقتل، عذبوه وأصحابه وسلبوا أموالهم وديارهم وطردوه وإياهم من أراضيهم. سيدنا محمد -صلوات الله عليه- ذاك العظيم ذو الخلق العظيم، ولو أنه شخص آخر لأقسمت بأنه عذبهم وسقاهم من الكأس ذاته بل أمرّ منه أضعافًا.
《اذهبوا فأنتم الطلقاء》قالها وفي داخله صفح وعطف وعفو يسع الكون أجمع بمن فيه، قالها وهو فاتح لمكة ومقابلًا للكعبة المشرفة ويحيطه أعوانه وأصحابه وقوته بألف رجل بل أكثر، لم يقلها ضعفًا وخوفًا، ولم يصفح عنهم وهو كاره، بل نادى بها وهو في عز قوته و هم في اذل ضعفهم، قالها ليعلمنا وإياهم درسًا تتوارثه الأجيال مفاده أن الصفح عن المسيء ولو وصلت به أن يكفر بالدين، لهو قوة، و لم يكن العفو يومًا ضعف كما يصوره البعض الآن.
نعم أعزائي بعد كل ذاك التعب والتعذيب والقهر والاضطهاد والقتل والتجويع وكل ما عاناه رسولنا العظيم وأصحابه ومن تبعه، فقد قال لهم سيدنا بكل بساطة اذهبوا فأنتم الطلقاء، بلا أي محاكمة ولا أي عقاب ولا انتقام، تصدقون! في ظني يقول أحدكم الآن وهو في غمرة قهره على دينه وحقده على كفار قريش: رد الفعل البشري والطبيعي هو الانتقام والمحاسبة والأخذ بالثأر لماذا لم يعذبهم رسولنا الأكرم لماذا لم يأخذ بثأرنا؟
عادت عزة الإسلام بالعفو والصفح، فكم من كفار قريش بعد العفو اعتنقوا الإسلام إعجابا بخلق النبي وتعجبا من هذا الدين الذي يصفح عن المسيء ولا يقابل الإساءة بمثلها، اعتنقوه اندهاشًا برب عزيز غفور رحيم يقبل التوبة ويغفر عن المخطئ و يتجاوز عن سيئاته ويبدلها حسنات.
قال الكفوي: “العفو: كف الضرر مع القدرة عليه، وكل من استحق عقوبة وتركها فهذا الترك عفو، والفرق بين الصفح والعفو مع أنهما متقاربان في المعنى فيقال: صفحت عنه أعرضت عن ذنبه وعن تثريبه، إلا أن الصفح أبلغ من العفو، فقد يعفو الإنسان ولا يصفح، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُون ﴾ [الزخرف: 89]”.
همسة إلى قلبك المنهك: أعلم جيدًا بمدى غضبك وحقدك وغليان دمك الآن، كما أعلم يقينًا بشعورك بالكره لكل العالم أجمع، و أكاد أجزم أنك تريد بتر أصابع من سولت له نفسه بأذيتك ولكن مهلًا، فكل تلك من وسوسات الشيطان والنفس الأمارة بالسوء ولو أعطيتها مجالًا لإفساد روحك النقية وفطرتك السليمة لفسدت حياتك الصحية والنفسية والاجتماعية.
عزيزي، تمالك أعصابك الشديدة وهدئ روحك البائسة واعفو عمن أساء إليك لصون ذاتك وحبًا لنفسك وطمعًا لأجر عظيم عند رب عظيم.
وأعلم أن صفحك ليس ضعفًا ولا عدم قدرة على رد الإساءة أو التجريح بل رفعة لذاتك وسمو لأخلاقك، وأعلم أيضا بأن عفوك امتثال لأمر الله -عزَّ وجلَّ- إزالة لما في النفس من الأحقاد والبغضاء، راحة للنفس، وطمأنينة للقلب، ولا تنس الأجر العظيم من الله تعالى، والرفعة في الدنيا والآخرة، ونشر للمحبة والأخوة، وأخيرا هو طريق موصل إلى الجنة، فلم التهاون به؟!
اصفح الصفح الجميل، وتجمل بحسن أخلاقك، امتثل بأعظم الخلق سيدنا محمد، ولا أظن بأن ما مررت به يشابه ولو بذرة السوء الذي عاشه نبينا الأكرم، لا أتهاون بمدى غضبك ولا الظلم الذي تعرضت له، ولكن فكر بهدوء مع نفسك وانظر في قرارة ذاتك هل سيعيد لك انتقامك شيئًا؟ هل سيريح لك بالًا وخاطرًا؟ أم تصالحك مع ذاتك ويقينك بأن حقك مع الله لن يضيع هو الأنسب؟ كما لاتنس أن رد الصاع لن يجعل منك إلا نسخة من ذاك المسيء لك.
قال الشافعي رحمه الله:
قَالُوا سَكَتَّ وَقَد خُوصِمْتَ قُلتُ لَهُم … إِنَّ الجَوَابَ لِبَابِ الشَّرِّ مِفْتَاحُ
فَالعَفْوُ عَنْ جَاهِلٍ أَو أَحمَقٍ شَرَفٌ … وَفِيهِ أَيْضًا لِصَونِ العِرْضِ إِصْلَاحُ
إِنَّ الأُسُودَ لَتُخْشَى وَهِيَ صَامِتَةٌ … وَالكَلْبُ يُحْثَى وَيُرْمَى وَهُوَ نَبَّاحُ.
add تابِعني remove_red_eye 11,369
مقال يساعدك على النضج والتطور الذاتي عبر المسامحة والصفح عن المسيئين إليك
link https://ziid.net/?p=52882