التفكير المفرط: حالة مرضية أم عبقرية؟
إذا زاد الشيء عن حده، انقلب ضده. لذلك، نجد أنّ الأشخاص الذين يفكرون كثيرًا لا يستطيعون إخماد الأفكار الكثيرة.
add تابِعني remove_red_eye 13,690
التفكير سلاح ذو حدين، من المعروف أنّ العلماء والعباقرة هم أكثر الناس في إعمال العقول، يُفكرون معظم الوقت، حتى إنّ التفكير يجعلهم يفضلون الوحدة في أغلب الأوقات للتفرغ والتفكير في العلم. من الأفكار السائدة أنّ التفكير الطويل صفة من صفات العلماء، وهذه حقيقة، لكن هناك فرق بين التفكير الإيجابي في مشكلة حياتية تفيد الناس مثل العلماء والباحثين، والتفكير السلبي المطول في أمور لا تضر ولا تنفع، مثلما يفعل الكثير منا، وهذا ما نسميه في الغالب بالتفكير المفرط أو كما هو شائع “Overthinking”، وعادةً ما يأتي أغلبَنا بعد منتصف الليل.
هذا النوع من التفكير المفرط يمكن أن يتطور إلى مرض نفسي، وعادةً ما يكون التفكير المفرط هذا في شيئين: الماضي أو المستقبل، فقد يجلد الشخص ذاته بسبب خطأ ما ارتكبه في الماضي، أو يشعر بالقلق الشديد من اختبار الأسبوع القادم في المدرسة أو الجامعة. نخلص من ذلك إلى أنّ الشخص يهلك تفكيره في أشياء ليست بين يديه. وبذلك لا يستطيع المرء إخراج فكرة ما في رأسه الآن، مما يتسبب في دخوله حالة من الحزن الدائم، ويفقد الشعور بما حوله.
لا شك في أننا جميعًا نفكر في مواقف من الماضي أو نقلق من المستقبل، لكن كما يقول المثل: إذا زاد الشيء عن حده انقلب ضده. لذلك، نجد أنّ الأشخاص الذين يفكرون كثيرًا لا يستطيعون إخماد الأفكار الكثيرة، وعندما تنتهي فكرة تكون الأخرى منتظرة في الصف، وبذلك نجد أنّ التفكير كثيرًا من أكثر مصادر الإزعاج التي تطارد المرء وتجعله ينظر للحياة نظرة تشاؤم. إضافة إلى ذلك، لقد أظهرت العديد من الدراسات والأبحاث أنّ الإفراط في التفكير يؤثر على الصحة بشكلٍ سلبي، كيف ذلك؟ حسنًا، سنعرف سويًّا في السطور التالية.
بعض من مخاطر الإفراط في التفكير
زيادة فرصة الإصابة بمرضٍ عقلي:
أجل، وهذه ليست معلومة غريبة ومتوقعة جدًّا. في عام (2013م) نُشرت دراسة في مجلة “علم النفس اللاقياسي” تفيد بأنّ التركيز على العيوب والأخطاء التي يرتكبها المرء في الماضي، تزيد فرصة الإصابة بمرض عقلي. وهذا منطقي، فهذا الشخص في حالة جلد النفس بصفة مستمرة، ولا يستطيع التوقف عن ذلك، فهو يضع عيوبه نصب عينيه دائمًا، فلا شك في زيادة فرصة إصابته بأمراض نفسية، كلنا نشعر بحالة من الإحباط عندما ينتَقدنا شخص ما بكلمات جارحة، فما بالك إذا كان هذه الانتقاد طوال الوقت، ومِن مَن؟ منك أنت! الأمر قاسٍ حقًّا.
يصعب حل المشكلات:
وهذا أمر طبيعي، فقد أظهرت العديد من الأبحاث أنّ الأشخاص المفرطين في التفكير لديهم اعتقاد خاطئ، ألا وهو أنهم يقومون بإعادة صياغة مشاكلهم في رؤوسهم من خلال التفكير المفرط، لكن الحقيقة أنهم يجهدون عقولهم في أمور لا جدوى منها، ويصلون إلى حالة الشلل التحليلي، حيث إنّ الإفراط في التحليل –نتيجة الإفراط في التفكير– لا يؤدي إلى حل المشكلات، وإنما إيجاد مشاكل أخرى، حتى في القرارات البسيطة، مثل اختيار ما ترتديه في إحدى المقابلات، أو أي الأماكن تفضل الذهاب إليها في الإجازة. نجد الشخص يفرط في التفكير وفي النهاية لا يصل إلى حلٍّ لمشكلته.
مشاكل النوم:
حتى الأشخاص العاديون يجدون صعوبة في النوم عند التفكير في مشكلة ما، فما بالك بهؤلاء الذين يعانون من فرط التفكير. في حالة الشخص المفرط في التفكير يجب عليه أن يدرك حقيقة وهي أنه لن يستطيع النوم حتى وإن أغلق عينيه إلا إذا أغلق عقله، وهذا ما تؤكده الدراسات والأبحاث، فالقلق والتفكير يؤديان إلى عدم قدرة الفرد على الحصول على الساعات التي يحتاجها لنومٍ مناسب، حيث إنّ فرط التفكير يتسبب أيضًا في إضعاف جودة نومه، فلا يستطيع المرء السقوط في حالة النوم العميق الهادئ المريح للجسم والعقل.
كيف تتوقف عن التفكير المفرط؟
- ذكر نفسك بما حدث في المرة السابقة: حاول أن تركز في إحدى المرات التي تدخل في حالة التفكير المفرط، ما تأثيرها على الحالة المزاجية، هل تشعر بالغضب أو التوتر؟ وما المشاعر الأساسية وراء أفكارك هذه؟ حاول في المرات القادمة تذكر إجابات هذه الأسئلة، فامتلاك الوعي الذاتي هو مفتاح تغيير طريقة تفكيرك.
- اشغل نفسك دائمًا: لا تتوقف عن فعل نشاط مفيد طوال الوقت، يمكنك لعب رياضة أو تعلم الطبخ أو ممارسة هواية تحبها، يمكنك أيضًا التطوع مع منظمة دولية، وبذلك عندما يأتي موعد النوم، تجد نفسك منهكًا للغاية، وتريد النوم. وتسقط في سبات عميق.
- تنفس بعمق: عندما تشعر بأنّ بوادر التفكير المفرط أوشكت على القدوم، فقط خذ نفسًا عميقًا. اجلس في مكانٍ هادئٍ، أرخِ كتفيك ورقبتك، ضع إحدى يديك على قلبك والأخرى على بطنك، قم بأداء الشهيق والزفير من أنفك. تستطيع القيام بهذا التمرين كل يوم لمدة ثلاث دقائق كلما راودتك هذه الأفكار.
- التأمل: يساعد التأمل بشكلٍ كبير على تصفية الذهن جيدًا من خلال الممارسات المنتظمة، كل ما تحتاجه في هذه الممارسة، مكان هادئ وخمسة دقائق.
- انظر إلى الأمر من زاوية أكبر: فقط فكر يا صديقي فيما سيحدث في المستقبل، هل ستؤثر هذه المشاكل التي تفرط في التفكير فيها على حياتك خلال الخمس أو العشرة سنوات القادمة؟ مثلًا، هل سيهتم أحدهم بأنك قد اشتريت مجموعة من الأطباق بدلًا من الأكواب؟ بمعنى، لا تدع الأشياء الصغيرة تتحول فجأة لعقبات كبيرة. أعطِ كل شيء حجمه الطبيعي.
- افعل شيئًا لطيفًا لشخصٍ آخر: حاول أن تفعل شيئًا ولو بسيطًا للتخفيف عن الآخرين. مثلًا، شراء احتياجات جارك المريض، أو الاعتناء بأطفال صديقك أثناء غيابه. حقيقة أنك قادر على جعل يوم شخص آخر أفضل سيمنع الأفكار السلبية من التسلل إليك.
وللإجابة على سؤال “هل التفكير المفرط عبقرية أم مرض؟” فالإجابة أنّ ذلك يتوقف على نوع هذا التفكير، هل هو إيجابي أم سلبي، وهنا نستطيع تحديد نوعه.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 13,690
هناك فرق بين تفكير العلماء ومرضى التفكير المفرط.
link https://ziid.net/?p=74168