هل يمكن أن تكون الحياة بلا معنى إذا كنا نعيش إلى الأبد؟
نتمنى أن نعيش طويلًا كي نستمتع بالحياة ونجرب كل شيء، ولكن حين نفكر مليًّا في الأبدية قد نشعر بالخوف الشديد
add تابِعني remove_red_eye 11,872
الموت هو الحقيقة المؤكدة في هذه الحياة، وربما بسببه يمكننا أن نستشعر قيمة الحياة وأهمية كل لحظة تمر فيها، لأننا نعرف أن الوقت محدود مهما طال، وأن النهاية آتية لا محالة، وهذا الذي يعطي لحياتنا معنى، لذا أتساءل هل إذا كنا سنعيش للأبد بلا موت أو نهاية، هل ستفقد الحياة حينها أهم معانيها؟ هل سنشعر أن هناك الكثير من الوقت غير المنتهي أمامنا، وبالتالي سنظل نؤجل شيئًا بعد شيء؟ هل سنكون أكثر زهدًا أم أكثر جشعًا وطمعًا؟ هل ستزيد إنسانيتنا أم أنها ستتضاءل ويمكن أن تختفي؟
ما الذي يعطي حياتنا معنى؟
لكي نتوصل لإجابة على سؤالنا الأول: هل ستفقد الحياة معناها إذا كنا سنعيش إلى الأبد، أعتقد أنه يجب أولًا أن نعرف ما الذي يعطي لحياتنا معنى؟
هل حياتنا تزيد قيمتها ويتحدد معناها لأننا سنرحل في وقت ما؟ هذا شيء مؤكد، الحياة مقسمة لمراحل، كل مرحلة نمر بها نكسب فيها شيئًا ونخسر مقابلها جزءًا من وقتنا، في الطفولة نكسب المرح والانطلاق ونخسر جزءًا مهمًّا من وقتنا الذي لن يعود، وفي الشباب نكسب السعي وخوض المزيد من التجارب، ونخسر أيضًا جزءًا ثانيًا من وقتنا، وتظل مراحل الحياة تتعاقب مرحلة تلو الأخرى، فنستمتع بكل مرحلة فيها، ونأسف على المرحلة الماضية التي لن تعود أبدًا، وهذا في حد ذاته يكون سببًا كافيًا لإضفاء معنى عظيم على الحياة، وإلا ما كان ليتحسر الكثيرون على أنهم فوتوا مرحلة ما دون الاستمتاع الكامل بها، لأنهم يعلمون أنها فترة من عمرهم لن تتكرر، وأنها محسوبة عليهم سواء استمتعوا بها وعاشوها أم لا.
لذا ما يعطي حياتنا معناها –من وجهة نظري– هي النهاية، نهاية أي شيء تجعلك تدرك قيمته وتزيد من رغبتك في قضاء أطول فترة ممكنة مستمتعًا به، لذا دائمًا ما نقول: نتمنى أن يطول الوقت، ليت هذه اللحظة لا تنقضي، ليتنا نظل معًا للأبد.
هل ستفقد الحياة معناها إذا كنا نعيش للأبد؟
بالطبع الحياة لن نتفقد معناها الكلي إذا كنا سنعيش للأبد، لكنها ستفقد أهم معنى لها، وهو الشغف الذي يجعلنا نقوم بالشيء لأننا نعلم محدودية الوقت الذي بين أيدينا، إذا كنا سنعيش للأبد سنفكر على هذا النحو: “لن أفعل هذا الآن، يمكنني فعله غدًا، أو بعد غد، أو ربما العام القادم، أو ربما بعد (50) عام، الوقت أمامي لا ينتهي ولن ينقضي، والنهاية لن تأتي، والستار لن يسدل أبدًا”.
سيظل استمتاعنا بالأشياء نفسه، سنكون سعداء ونحن نقوم بما نحب، لكننا سنفقد عنصرًا مهمًّا وهم استشعار قيمة الوقت وأهميته، استشعار قيمة اللحظة التي لن تعود، وبالتالي هذا سيؤثر على الحياة وسيجعلها تفقد واحدة من أهم معانيها.
هل سيكون الناس أكثر أم أقل جشعًا إذا كنا سنعيش للأبد؟
أفكر فيما نمر به في هذه الحياة المؤقتة والزائلة، الجميع بلا استثناء يعلم أنه سيموت في مرحلة ما، النهاية آتية لا ريب فيها، لكن هناك من يكون لديه الكثير من الجشع، يريد أن يأخذ المزيد ويحصل على الكثير، ولا أعلم هل أقول: إن هذا نتيجة مرتبة على كون الحياة مؤقتة؟ أم أنه على الرغم من كون الحياة مؤقتة إلا أن هناك الكثير مصابين بالجشع؟
احتمالية الأمرين ممكنة، لكني أرجح الكفة الثانية، التي تقول: إنه على الرغم من علم الأشخاص الجشعين بأن الحياة مؤقتة إلا أنهم ما زالوا جشعين، وهذا يضعنا أمام احتمالية كبيرة في أنه لو كانت الحياة دائمة بلا موت، لربما سيطر الجشع على الجميع، تخيل أن الأشخاص المصابين بالجشع –وهم يعلمون أن الحياة مؤقتة– يريدون شراء القصور والسيارات الفارهة وعيش حياة البذخ والحصول على الكثير جدًّا من الأموال، فتخيل معي لو كانت الحياة أبدية! كل ما تقوم بالحصول عليه سيظل معك دائمًا، أعتقد أننا حينها سنكون جميعًا جشعين، نريد أن نحصل على الكثير، بل نريد أن نحصل على كل شيء، فلا نهاية، ولا رحيل.
ربما كون الحياة مؤقتة هو ما يجعل الأشخاص غير الجشعين غير جشعين، يعلمون أنهم لن يرحلوا بشيء، مهما حصلوا على أشياء، ومهما حققوا، ففي النهاية لن يأخذوا شيئًا معهم، وهذا ما يضفي عليهم إحساسًا بالرضا، إحساسًا بالتقبل لما يمتلكون، لكن إذا كانت الحياة مستمرة بلا توقف ووجودهم دائم ومستمر فكيف يمكن أن يشعروا؟ سيكون لديهم شعور أن هذا شيء أبدي لا ينتهي، لا يجب أن يظلوا يعانون، لا يجب أن يظلوا فقراء، لا يجب أن يظلوا محتاجين، وهذا سيزيد من الشعور بالجشع، وسيسيطر هذا الإحساس على الجميع.
هل الأبد ميزة أم عقاب؟
لا أعتقد أن الأبد ميزة، تخيل لو لم يكن هناك موت، فمن يمرض سيظل مريضًا دائمًا، ومن يعاني سيظل يعاني للأبد، الموت راحة للجميع حتى لو لم يدركوا ذلك، الحياة ليست مريحة كما تبدو، والملل طبيعة كل كائن حي، الآن أنت تريد أن تحيا للأبد، لكن لو تحقق لك ذلك في هذه الحياة ستشعر بالملل، تخيل أنك تشاهد فيلما بلا نهاية! أحداث متوالية متعاقبة دون هدف! لن تكون سعيد أبدًا في عيش حياة أبدية على الأرض مثلما تتخيل، بل ربما ستتولد فيك أبشع الصفات، وستندثر لديك أروع الميزات، وربما ستفقد إنسانيتك التي تميزك.
جميعنا في مرحلة ما نتعب، نريد أن نرتاح، أن نتوقف، وما يجعلنا نكمل طريقنا هو أننا سواء عشنا قليلًا أم كثيرًا سنموت، لذا نريد أن نحقق أقصى ما يمكن تحقيقه قبل الرحيل، لذا تخيل معي أن السعي دائم بلا توقف، لا راحة من التعب ولا نهاية لما بدأناه.
هل يجب أن نشعر بالامتنان للموت؟
بالطبع، يجب أن نشعر بالامتنان لوجود نهاية، إنها النعمة التي لن نشعر بقيمتها إلا إذا فقدناها، يمكن أن نشعر بالحزن من رحيل الأشخاص الذين نحبهم، أن نشعر بالنقمة على الموت، أن نلومه على التفريق بيننا وبين الآخرين، لكن هناك وجه آخر لكل شيء، والوجه الآخر للموت هو الراحة، هو التوقف بعد التعب، هو الاستعداد للانتقال إلى مرحلة جديدة، مرحلة سنعيش فيها للأبد بالطبع، لكن على غير هذه الصورة، وفي أرض غير هذه الأرض، وعلى شكل غير هذا الشكل، لن يكون هناك معاناة يحيا فيها شخص إلى الأبد، ولن يكون هناك جشع وأطماع ورغبة في الحصول على المزيد، ستختلف المشاعر، وتتبدل الصفات، وتتغير الأحوال، فلا أسف على ماضٍ ولا حزن على راحل.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 11,872
هل كون الشيء مؤقت وراحل هو ما يعطيه معنى وأهمية وهل إذا كان وجوده أبديا سيفقد معناه ونفقد معه شغفنا؟
link https://ziid.net/?p=72370