هل إدمان المخدرات هو الإدمان الوحيد؟
لسنوات ارتبط لفظ الإدمان بالمخدرات، ولكن هناك الكثير من الأنواع الأخرى من الإدمان، التي يجب أن نعيها لكي نعالجها ونقاومها
add تابِعني remove_red_eye 61,969
مصطلح الإدمان في أذهاننا ارتبط بالمخدرات دائمًا، فحينما تستمع إلى كلمة مدمن فورًا يحضر عقلك صورة جاهزة لأحد الرجال الذين يستنشقون المواد المخدرة، أو يسرقون الأموال من أجل شراء المخدرات، ولكن للإدمان أنواع أخرى. في فيلم (Requiem for a dream) أو مرثية حلم والذي يرسم قصة حياة أربعة من المدمنين، ثلاثة يدمنون المخدرات وواحدة تدمن التلفزيون أو الظهور والشهرة، وحينما تصلها دعوى من أجل الظهور في برنامجها المفضل يصيبها هوس الحمية وفقد الوزن من أجل أن تظهر بكل أناقة في التلفاز، يرسم هذا الفيلم نهاية فظيعة للمدمنين الأربعة، نهاية تشعرك بالفزع كما تجعلك تشفق على من يصاب بالإدمان، لأنه في الحقيقة مرض.
ما الإدمان بالضبط؟
طبقًا لتعريف الجمعية الأمريكية لطب الإدمان (American Society of Addiction Medicine)، يعتبر الإدمان اضطرابًا مزمنًا في الدماغ يتميز بخلل وظيفي في مسارات المتعة والمكافأة والذاكرة والتحفيز في الدماغ. بشكل مبسط هو أن تعتمد على مادة ما من أجل أن تجلب لك السعادة والنشوة والشعور بالرضا، لكنه فعلٌ قهري لا يمكنك أن تتوقف عنه بسهولة، لأن ذلك يعني بمرورك بأعراض الانسحاب، وهي ما يترتب عليها الألم الشديد سواء كان هذا الألم جسديًّا أو نفسيًّا، والصعوبة لا تكمن في التعافي فقط، بل في قابلية المتعافي للانتكاس مجددًا، مما يجعل من يسقط في تلك الهوة لا يتمكن من الخروج.
قد يلجأ البعض للإدمان نتيجة لصدمة أو مشكلة نفسية، وقد يكون عرضًا دفاعيًّا مثل الانسحاب الذي يتمثل في الانغماس في النوم أو الأكل أو تعاطي المخدرات. يصعب التعامل مع الإدمان بواسطة الفرد نفسه، بل لا بد من التدخل الطبي، لأنه الأمر الوحيد الذي يفلح في مساعدة المدمن. ولكن هناك سلوكيات أخرى أصبحت تندرج تحت مسمى الإدمان وهي بعيدة عن المخدرات وهو ما يسمى بالإدمان السلوكي.
الإدمان السلوكي أو إدمان غير المخدرات، مثل إدمان القمار أو التسوق، هو مجموعة من السلوكيات التي يعتمد عليها الشخص ويتوق إليها. في حين لا أحد يشك في وجود إدمان جسدي على مواد مختلفة، إلا أن الإدمان السلوكي لا يزال محل نقاش ساخن ويتجاهله العديد من الأطباء والمؤسسات والأشخاص العاديين.
يعرف أيضًا باسم السلوكيات الإدمانية ويشمل أنواعًا عدة: الطعام، الألعاب، جراحة تجميلية، الجنس، وسائل التواصل الاجتماعي، الإنترنت، المخاطر، التسوق، الإباحية، القمار. الفكرة من وراء ذلك هي أن يشعر الشخص بأعراض الإدمان، ليس بتعاطي مادة ما. بدلًا من ذلك، عمل أو مجموعة من السلوكيات تخلق بعض المشاعر المهدئة أو حتى النشوة لدى ذلك الشخص.
إدمان التواصل الاجتماعي
تُمضي العديد من ساعات يومك في تصفح الإنترنت أو تحديث الصفحة الرئسية على فيسبوك من أجل منشورات جديدة، تشعر أنه لا يمكنك أن تتخلى عن الهاتف للحظات تجد نفسك مضطرًا لإمضاء أكثر من نصف يومك مع هاتفك ربما أنت مدمن لوسائل التواصل الاجتماعي.
على الرغم من أنه لم يوجد هناك تصنيف حقيقي لمهووسي التصفح والإنترنت إلا أن هناك دراسات تؤكد أن عملية الهوس أو إدمان تصفح الإنترنت تشبه كثيرًا إدمان المخدرات، فقد خلُص باحثون في جامعة شيكاغو إلى أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون أقوى من إدمان السجائر والنبيذ بعد تجربة سجلوا فيها الرغبة الشديدة لعدة مئات من الأشخاص لعدة أسابيع. احتلت الرغبة الشديدة في وسائل الإعلام المرتبة الأولى على الرغبة الشديدة في التدخين والكحول.
في جامعة هارفارد، قام الباحثون بالفعل بتوصيل الأشخاص بأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفية لفحص أدمغتهم ومعرفة ما يحدث عندما يتحدثون عن أنفسهم، وهو جزء أساسي مما يفعله الأشخاص في وسائل التواصل الاجتماعي. ووجدوا أن التواصل عن طريق الإفصاح عن الذات يحفز مراكز المتعة في الدماغ مثلما يفعل الطعام.
يعتبر بعض الناس أن الاستخدام المفرط للشبكات الاجتماعية هو ببساطة أحدث أشكال “اضطراب إدمان الإنترنت”، وهي ظاهرة بدأ الناس الكتابة عنها لأول مرة في التسعينيات عندما بدأ استخدام الإنترنت في الانتشار، لأنهم افترضوا أن استخدام الإنترنت بكثافة يضعف من أداء الناس في حياتهم اليومية.
بعد ما يقرب من (20) عامًا، لا يوجد اتفاق حتى الآن على أن الاستخدام المفرط للإنترنت أو خدمات الشبكات الاجتماعية مرضى أو ينبغي اعتباره اضطرابًا طبيًّا. ولكن هذا يرجعنا إلى مصطلح الإدمان السلوكي فبما أن استخدام الإنترنت أصبح عرضًا يسبب توقف الحياة، أو عرقلة الشخص على المضي قُدمًا في حياته، والامتناع عنه يسبب أعراض انسحاب فإنه نوع من أنواع الإدمان.
إذا كنت تريد أن تتأكد من أنك مدمن للإنترنت فقم باختبار إدمان الإنترنت، لكي تتأكد من ذلك.
إدمان الطعام (حينما يصبح الطعام متعتك الوحيدة)
رأيت ذات مرة منشورًا على فيسبوك يعبر عن إدمان الطعام بجملة واحدة (حينما يصبح الطعام متعتك الوحيدة)، فعلى الرغم من أن هناك اضطرابات الطعام التي تتعلق ببعض الأمراض النفسية، أو التي هي في نفسها مرض نفسي، إلا أن إدمان الطعام يختلف عن ذلك، فأنت حينما تسقط في فخ ذلك الإدمان اللذيذ لا تفكر إلا في الطعام، يزداد وزنك ببشاعة وتتوقف حياتك، وبدلًا من أن يكون الطعام وسيلة للبقاء يصبح وسيلة لتعجيل هلاكك.
بيّنت التجارب على الحيوانات والبشر أن نفس مراكز المكافأة والمتعة من الدماغ التي يتم تحفيزها من قبل إدمان المخدرات مثل الكوكايين والهيروين يتم تحفيزها أيضًا عن طريق الأطعمة خصوصًا المستساغة للغاية. الأطعمة الشهية هي الأطعمة الغنية بما يلي: السكر- الدهون- الملح.
فالمصاب بإدمان الطعام لا يتوقف حينما يشعر بالشبع، بل يتجاوز ذلك، وكلما أكثر من تناول الطعام أكثر كان شعوره بالرضا أقل عما تناوله، وبالرغم من أن إدمان الطعام يعد من محفزات السمنة، إلا أن العلماء وجدوا أن أصحاب الأوزان العادية أيضًا قد يصابوا بإدمان الطعام، ويشبه هذا الأمر إدمان المخدرات من حيث إن المدمن على الطعام يصاب بالأمراض الخطيرة التي يسببها الإفراط ولكنه لا يكترث، كما أنه يجد من الصعوبة التوقف عن تناول الطعام.
علامات إدمان الطعام
- ينتهي بك الأمر بتناول طعام أكثر مما هو مخطط له عندما تبدأ في تناول أطعمة معينة.
- تستمر في تناول أطعمة معينة حتى لو لم تعد تشعر بالجوع.
- تتناول الطعام لدرجة الشعور بالمرض.
- تقلق من عدم تناول أنواع معينة من الأطعمة أو تقلق بشأن تقليل أنواع معينة من الأطعمة.
- عندما لا تتوفر بعض الأطعمة، تبذل قصارى جهدك للحصول عليها.
حينما تبدأ في اتباع نظام غذائي ستجد أن إدمان الطعام يوقفك، ستجد من الصعب أصلًا أن تقلل حتى في بعض أنواع الأطعمة مما يترتب عليه فشل نظامك الغذائي.
لذلك عزيزي القارئ إذا كنت تشعر بالإفراط في أي نشاط، وأن حياتك أصبحت بلا معنى بدونه، فعليك أن تنتبه وأن تتوقف قليلًا وتعيد ترتيب حساباتك، لأنه لا شيء أقسى على النفس من القيد، والإدمان مهما اختلفت أشكاله ومهما جلب من متعة لحظية يظل قيدًا للنفس.
اقرأ أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 61,969
مقال هام يناقش أنواع مختلفة من الإدمان
link https://ziid.net/?p=67254