كيف كشفت الجائحة التباعد الأسري؟ وكيف نعود أسرة متماسكة؟
أجبرتنا الجائحة علي البقاء في منازلنا فترات طويلة، فأصبحنا نجتمع أكثر، لنكتشف تباعدنا! نكتشف أن كل فرد في الأسرة له عالمه الخاص
add تابِعني remove_red_eye 62,056
بعد فرض الحظر الكلي في الكثير من الدول، أصبح لا مفر من البقاء في المنازل، البعض كان منشغلًا بالأعمال وخفضت ساعات عمله، والبعض كان منشغلًا بدراسته، والبعض الآخر لم يكن هذا ولا ذاك، ولكنه كان يقضي الكثير من الوقت مع الأصدقاء أو حتى في تصفح هاتفه، ولكن الوضع طال وأصبح مُملّا.
جعل هذا البعض يعيدون التعرف إلى والديهم مجددًا، وربما اكتشف الآباء أبناءهم مرةً أخرى ظهرت طائفة من المنشورات تسخر من الفكرة، قالوا إنهم اكتشفوا أن عائلاتهم أناس طيبون، أو خلافه من موجة ساخرة، البعض رأى أنها موجة غير أخلاقية، والبعض الآخر أرْجَعَ هذا للتباعد فيما بيننا، بينما برزت موجةٌ أخرى للخروج من المنازل فما عادوا يطيقون المكوث هناك.
إلى أين ذهبت العائلة؟
منذ سنوات قليلة كانت البيوت أكثر دفئًا، والعائلات أكثر تماسكًا، فلمَّا أصبحنا بعيدين إلي هذا الحد، أصبحنا لا نحب التجمعات، نَفرّ من جلسات العائلة، ندفن وجوهنا في هواتفنا، نستجدي الأمن من الأصدقاء، بل ونضعهم محل العائلة أحيانًا، لا يفهم أحد كيف أصبحنا نعيش تحت نفس السقف بينما لا يمكننا ادارة حوار واحد مع أبائنا وأمهاتنا، تلك هي التكنولوجيا التي صيرتنا غرباء، وغذّت العزلة فينا فأبدلت، الاجتماعية إلى عزلة، وحوَّلت الصداقة إلى قائمة متابعين وأصدقاء، أم الهُوّة التي أصبحت بين تفكيرنا وتفكير آبائنا، التي تتفاقم كل يوم، فيصف الأب ابنه بالانحراف ويصف الابن أباه بالتخلف.
المعرفة القاتلة
لا يمكننا إنكار أن المعرفة شيء جيد، بل جيد جدًا، بضغطة زر أزور الصين، وبأخرى أبدأ في تعلّم الإنجليزية، وأعرف الكثير مما تجهله نفسي، تقول إحدى صديقاتي:
(الصفعة التي تلقيتها على وجهي حينما كنت صغيرة، كانت عقابًا لأنني فعلت شيئا خاطئًا ولكن حينما كبرت اكتشفت أنها ( child abuse) أو إساءة ربما لأن الخطأ لم يستحق هذا العقاب، وربما لأن نمطي الشخصي لا يتحمل هذا العقاب، رأيت كيف يربي الآخرون أبناءهم فما عُدْت أنا أنا، أو هم هم).
بالطبع ما زلت تتألم من أفعالهم في طفولتك، تتذكر سلسلة الإساءات التي مررت بها، ترى الناس يربون أطفالهم بطريقة أفضل، ترى ألف طريقة للتربية، كان يمكنهم الاختيار من بينها لكنهم لم يفعلوا.
التكنولوجيا التي صنعت الوحش
في صفحة الفيسبوك أو أي موقع آخر أنت المالك، أنت الذي تقصي وتدني، وأنت الذي ترى ألف معجب لكلمات كتبتها بضجر ربما، لكنها تماست مع الآخرين مصادفةً فصرت النجم المحبوب، في حين أنك حينما تهمّ بقول رأيك في المنزل، تنهال عليك سهام النقد والتصحيح، يخبرونك أنك صغير ويسألونك: ما خِبْرتك؟ أنت لا تعرف أي شيء، فتنسحب مخلِّفًا وراءك عالمًا من النقد، تاركًا لهم ما يريدون فعله، راجعًا إلى من يخبرونك أنك الأفضل، وينتظرون كلماتك الملهمة، التي قد تكون فعلًا عن تجربة، لكنها تجربةً بعيدة عن أعين والديك.
حينما تركناهم علي جزيرتهم المنعزلة وأبحرنا للمحيط
إلى محيط المعرفة وغمار التكنولوجيا أبحرت سفننا، دون أن نلتفت إلى من خلفناهم وراءنا، وحينما وصلنا إلى البر الآخر وجدنا أنفسنا غرباء عنهم، حينما يحكي أحد والدِيّ عن زمنهم، أجِد أن مخاوف الآباء على أبنائهم من الزمن الماضي لم تتغير، وأجد نزعة الشباب التي التمرد نفسها لم تتغير، تتغير من حولنا الظروف دائمًا، ولكننا لا نتغير، نتوارث طريقة التربية الواحدة دون تغيير فيها، دون مراعاةٍ للتقدم والظروف، دون مراعاة للانفتاح، فالنقد الذي كان يدفع الإنسان إلى التغيير أو حتى الكبت، أصبح يجد متنفسًا آخر لدى الأصدقاء والمتابعين، والمراقبة لم تعد تُجدي نفعًا، فصار الشخص يعيش بشخصيتين واحدة ترضي أهله، وواحدة ترضي غروره.
الخطأ في هذه الحالة مشترك!
فهمّ بادئ الأمر قابلوا اقترابنا بابتعاد، ومبادراتنا بالتسفيه، ورَأْينا بالكبت، ونحن ابتعدنا، وكففنا عن المحاولة، قرّرنا أن نخلق لأنفسنا عوالم جديدة نجد أنفسنا فيها، ولكن ماذا إذا انْهَار كل شيء مثلما يحدث الآن؟ ماذا إذا وجدنا أنفسنا مضطرين إلى نعود اليهم مجددًا؟ بل إن هذا هو الوضع الطبيعي، هل نكتفي بالتذمر فحسب، أما نتوجه بكل طاقتنا للسخرية أم نحاول الانخراط معهم.
نسينا أننا مثلما نكبر وننضج هم يكبرون ليصيبهم الضعف ربما ليحتاجوننا أكثر، بل ربما نقدهم اللاذع كان بغرض أن يشعروا أنهم ما زالوا يملكون سلطانًا علينا، وأننا ما زلنا نحتاجهم، ربما كانت الجملة الجارحة تخفي خلفها لقد أفنيت حياتي لأصنع لك حياتك، فلا تبتعد عنا، لا أقصد أن أقول لكم تخلوا عن أفكاركم، ولكن تجنبوا الصدام.
حينما جربت أن أفتح حديث مع والدتي كنت خائفة من الرفض والنقد ولكنها فاجأتني بمسحة التقبّل، مع الوقت صِرنا صديقتين، قبل ذلك كنت لا أَذْكر إلا صورة الأم المربية من طفولتي، الصورة التي تقف حائلًا بيني وبينها، بل وبيني وبين أبي أيضًا، لذلك أقول لكم خذوا زمام المبادرة، إنهم ينتظرونكم، يتسلحون خلف وجوههم الصارمة، ونقدهم اللاذع لكنهم يحتاجونكم، ربما يكون هذا قاسيًا، ربما خبراتكم المخزنة في الذاكرة تأمركم بعكس هذا، ولكن جرّبوا فإن التجربة هي خير برهان ودليل، وإليكم القليل من المقترحات:
- شاركوا والدتكم المسلسل المفضل لديها، ضعوا الهاتف جانبكم، لا تتحدثون مع أصدقائكم عبر الواتساب، حاولوا أن تتجنبوا التعليقات اللاذعة، نحن الآن بصدد ردم هوة بيننا، ذلك الفعل البسيط قد يجعلها تشعر بالسعادة، ربما تشعر أنها ما زلت في قائمة الأولويات لديكم، وأنكم لم تنفصلوا عنها انفصالًا كاملًا.
- بادروا بالحديث: المبادرة بالحديث قد تنجح أحيانًا في إدارة حوار ودّي، حاولوا إقصاء أراءكم الصادمة قليلًا للخلف، تعلموا أن تعرفوا كيف يمكنكم ما تريدون قوله دون إصابة مباشرة قد ينتج عنها جرح. ربما أصبح الأهل في مزاج رائق، ربما يمكنكم معاتبتهم الآن على أشياء ما زالت تؤلمكم ويمكن لهذا أن يجعل التواصل أكثر جدوى.
- تَشَارَكوا الطعام: حتى لو كنتم تتبعون حمية غذائية تخافون فشلها، تمسكوا بطعامكم الصحي لكن مع المائدة الكبيرة، إن عادة تناول الطعام مع العائلة قاربت على الاندثار لتغير المواعيد أو لاستقلال الأفراد داخل المنزل، لكنها عادة دافئة ولذيذة وتعيدنا للأيام الأولى في حياتنا.
لنتذكر دائمًا، أننا من نمتلك سبل المعرفة، أننا من نعرف المرونة أكثر منهم، وأن العائلة مهما بدر منها، ستبقي ركيزة أساسية لأن لا أحد يهرب من جذوره، والآن هلا عانقت والديك وأخبرتهم بأنك تحبهم، ربما يستغربونك، وربما يضحكون، وربما تتعرض للنقد من يدري، لكن المهم، هو أن تبادر، من أجل نفسك أولًا.
add تابِعني remove_red_eye 62,056
مقال مهم حول التباعد الأسري الذي أصبح واضحًا أمامنا بسبب جائحة الكورونا
link https://ziid.net/?p=55455