دع أطفالك يشعرون بالملل من جديد!
بعد عودة الحياة الطبيعية في عدّة دول عربية مثل السعودية ومصر، هل تعلم ما سأفتقده من فترة الحظر؟ الشعور بالملل!
add تابِعني remove_red_eye 414,635
بعد عودة الحياة الطبيعية في عدّة دول عربية مثل السعودية ومصر، هل تعلم ما سأفتقده من فترة الحظر؟ الشعور بالملل!
لا، أنا لا أمزح.
“أشعر بالملل” هي مجرد عبارة صغيرة وبسيطة، ولكن لديها قدرة عجيبة على شحن الآباء والأمهات بمشاعر الفزع والإزعاج والذنب. حين يشعر الطفل بالملل، فلا بد أن والديه فشلا في إشغاله بنشاط مفيد.
ذلك على الرغم من إيمان الكثيرين أن (المملين يُشعرون غيرهم بالملل)، لكن ماذا لو أخبرتك أنه يُفترض بنا -وأطفالنا- اختبار شعور الملل عوضًا عن محاولة التخلص منه كل مرة؟
مصيبة: حين لا يشعر الطفل بالملل!
إذا لم تضع أطفالك في مواجهة الملل مبكرًا، فسيواجهونه في أول لقاء لهم مع الواقع: المدرسة .
دعنا نواجه الأمر، مَن مِنا لم يشعر بالسأم خلال مرحلة الدراسة؟ لا أحد! وهذا طبيعي لأن وظيفة المعلم/المعلمة لا تتضمن ترفيه طلابهم للترفيه على حساب تعليمهم.
في رواية “Where’d You Go, Bernadette” للكاتبة ماريا سمبل (Maria Semple) تقول الأم لابنتها
“تقولين أنكِ تشعرين بالملل. دعيني إذًا اُطلعكِ على سر صغير عن الحياة. هل تعتقدين أنها مملة الآن؟ حسنًا، في الواقع، ستزداد حياتك مللًا مع الوقت. لذا كلما تعلمتِ أن تجعلي الحياة مثيرة للاهتمام أسرع، كنتِ أفضل حالًا”.
كيف تعامل البرجوازيون مع الملل؟
تقبّل الناس سابقًا فكرة أن معظم الحياة مملة. تزخّر مذكرات ما قبل القرن الحادي والعشرين بالملل! في ذلك الوقت، كان أفراد الطبقة البرجوازية يقضون جُلّ يومهم يرسمون، ماذا لو انقطع الإلهام؟ حينها.. كانوا يعمدون للمشي -أو للسير بسياراتهم- لمسافات طويلة للتحديق في .. الأشجار!
أما بقية الشعب -ممن اضطروا للعمل- فكان الأمر أصعب بالنسبة لهم. فغالبًا ما كانت الوظائف الزراعية والصناعية مملة؛ وقلة من الأشخاص من كانوا يتوقعون أن تمنحهم وظائفهم شعورًا بالسعادة. تآلف أطفالهم وأحفادهم -ولعقود- مع هذه الفكرة منذ سن مبكرة، لذا، لم يكن من المستغرب أن يُتركوا بصُحبة أرفف الكتب وفروع الأشجار، وفي وقت لاحق، للتلفاز الشرير ببرامجه المحدودة!
[مابعد كورونا العالم مُقبل على نظام جديد ومُجتمع جَديد]
في مقابلة مع مجلة GQ، عزا الممثل والمغني الأمريكي (لين مانويل ميراندا/Lin-Manuel Miranda) فضل الإلهام -الذي تلقاه طيلة حياته- إلى أوقات الفراغ في الطفولة، حيث قال
“لأنه لا يوجد شيء أفضل لتحفيز الإبداع من صفحة فارغة أو غرفة نوم خالية من الألعاب”.
اليوم.. هذه جريمة!
في الوقت الحاضر، يُنظر إلى ترك الطفل دون شاغل على أنه تقصير من جانب الوالدين. في مقالة بعنوان “The Relentlessness of Modern Parenting“، استشهدت الكاتبة (كلير كاين ميللر/Claire Cain Miller) بدراسة حديثة وجدت أنه
“بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية أو الدخل أو العرق، يعتقد الآباء أن الأطفال الذين يشعرون بالملل بعد المدرسة يجب أن يلتحقوا بأنشطة أو نوادٍ، وأن الآباء المشغولين يجب أن يوقفوا أعمالهم ويرسموا مع أطفالهم إذا طُلب منهم ذلك”.
ليغدو شعار الحياة الحديثة: يجب الاستفادة من كل لحظة فراغ بأقصى حدٍ ممكن، وتطويعها لتحقق هدفًا.
يترك الأطفال اليوم لأجهزتهم المحمولة، ويبدو الآباء -حين يستعدون لرحلة طويلة- كما لو كانوا ضباط الجيش يخططون لمناورة برية معقدة:
- ما الأفلام التي سيتم تحميلها على الآيباد؟
- هل هو الوقت المناسب للسماح للأطفال بلعب فورتنايت حتى تذوي قواهم العقلية في المقعد الخلفي؟
لا أحد يعترف بالجُملة السابقة، لكنها الحقيقة، ودعونا نتذكر ماذا فعل الآباء في السبعينيات عندما كان أطفالهم يشعرون بالملل في طريق السفر؟
باختصار، لا شيئ! سمحوا لهم بمشاكسة أشقائهم، وبما أنه لم يكن صالحًا للاستخدام: اللعب في حزام الأمان المكسور!
إذا كنت تذمرت من الشعور بالملل في ذلك الوقت، فستحصل على رديّن لا ثالث لهما: اخرج وألعب مع أصدقائك -أو ما هو الأسوأ- نظّف غرفتك.
هل كان هذا ممتعًا؟ لا!
هل كان مفيدًا؟ نعم.
[١٠ مواقع عربية مفيدة تقضي على الملل وتملأ وقت فراغك]
قصتي مع الملل
لأن الأشياء تحدث عندما تشعر بالملل. بعض أكثر الوظائف مملة التي أتيحت لي كانت أيضًا الأكثر إبداعًا. أثناء عملي في مصنع لتجميع الأجهزة المستوردة بعد المدرسة، قمت بلصق صور لسترات قبيحة على أوراق المبيعات. أصبحت يدي مغطاة بالغراء واتخذت صور السترات أشكالًا غريبة. ولسببٍ ما أصبحت رائحة كل شيء تُشبه رائحة العسل الأسود! لم يكن لدى عقلي خيار سوى الانجراف إلى عالم خيالي متقن.
وماذا عن عقلنا الذي يبدأ في نسج القصص عندما نشعر بالملل؟ عند شراء مواد البقالة من السوبر ماركت، اخترعت روايات حول مشتريات الأشخاص.
بالطبع، ليس الملل بحد ذاته هو المهم؛ بل كيف نستغله. عندما تصل إلى نقطة الانهيار، يعلمك الملل أن تستجيب بشكل بنّاء، لتُحدث شيئًا لنفسك. ولكن ما لم نواجه الملل مرارًا وتكرارًا، فإننا لا نتعلم أبدًا كيف نستفيد منه.
لا ريب من أن القدرة على التعامل مع الملل ترتبط بالقدرة على التركيز والتنظيم الذاتي. أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نقص الانتباه معرضون بشكل خاص للشعور بالملل. من المنطقي أنه في عالم يعاني فرطًا في التحفيز، تغدو الأمور التي أمتعتنا في الأمس.. باهتة.
من المهم -بشكل خاص- أن يشعر الأطفال بالملل، وألّا يتم اعتبارها “مشكلة” يتم تجنبها أو القضاء عليها من قبل الكبار، بل شيئًا يتصارع معه الأطفال بمفردهم.
لقد توقفنا عن تعليم الأطفال القيام بذلك. فبدلاً من تعليمهم استيعاب المواد البطيئة والباهتة والثنائية الأبعاد، مثل الكثير من المعلومات المفيدة، تستجيب المدارس لما يتوقعه الأطفال: المرح. يقضي المعلمون المزيد من الوقت في ابتكار طرق “لإشراك” الطلاب في العملية التعليمية من خلال المرئيات و “التعلم التفاعلي” والمناهج المصممة لتناسب فترات اهتمام جيل (كاندي كراش – Candy Crush)!
لكن من المؤكد أن تعليم الأطفال التعامل مع الملل -بدلاً من رفع مستوى الترفيه- سيعدّهم لمستقبل أكثر واقعية، مستقبل لا يثير توقعات خاطئة عما يستتبعه العمل أو الحياة نفسها. في يوم من الأيام -حتى في وظيفة يحبونها- قد يضطر أطفالنا لقضاء يوم كامل في الرد على رسائل البريد الإلكتروني المتبقية أو التحقق من جداول البيانات المملة.
باختصار، ربما يجب أن نستفيد من تجربة آبائنا مرة أخرى، ونستخدمها في مواجهة عالمنا المتسارع، وإلا قادنا ذلك لحافّة الجنون “حرفيًا”!
add تابِعني remove_red_eye 414,635
link https://ziid.net/?p=59867