بين الإساءة والمبالغة في الإطراء، ما الضرر الذي يقع على الأطفال؟
الطفل مثل الورقة البيضاء كل كلمة تقولها له تنطبع على هذه الورقة وتؤثر فيه وفي نفسيته وفي تكوينه
add تابِعني remove_red_eye 4,350
يولد الأطفال كورقة بيضاء، يخط عليها الوالدان والبيئة المحيطة فتتلون وتتشكل شخصية الطفل؛ لذا فإن كل علماء التربية مهما اختلفت توجهاتهم وأساليبهم يرون أهمية سنين العمر الأولى في تشكيل شخصية الطفل ويجزمون جميعًا بما لها من تأثير مباشر على الصحة النفسية للطفل طوال حياته، لذا فيوصي جميع المحللين النفسيين والأخصائيين التربويين بضرورة توخي الحذر في التعامل مع الأطفال.
وبما أن الكلام ولغة الحديث يعتبر من إحدى وسائل التعبير فإن اختيار الكلمات وطرق التعبير للطفل ليست رفاهية بل هي واحدة من أهم وسائل تعريف الطفل بالحياة.
أثر الكلمات السيئة على الطفل
كما ذكرنا فإن الطفل يستقبل كل ما يصل له من أبويه في بداية حياته ويتعامل معه على كونه شيئًا من المسلمات، فالأب الذي يشير لشيء ما ويخبر الطفل بأن ذلك الشيء يسمى” باب” لن يجادله الطفل، ويتعرف على الشيء من أبيه، فالأب في هذه الحالة مصدر ثقة. والأم التي تعلم ابنتها أنه يجب أن تمشط شعرها فور الاستيقاظ من النوم، ستتعامل الطفلة مع الأمر أيضًا على أنه أمر فطري لا جدال فيه.
فكيف الحال إذا أخبرت الأم ابنتها بأنها مهملة أو عصبية أو غير جميلة، أو أخبر الأب ابنه أنه شقي أو غير مهذب أو غبي؟ سيتعامل الطفل مع المعلومة على أنه كذلك بالفعل، لا مجال للتشكيك أو للتفكير حتى؛ لذا فإن الكلمات السلبية لها ضرر مباشر على تنشئة أطفال أسوياء، فطفل يرى والداه أنه غير جيد لن يرى في نفسه أي نوع من الفلاح.
المدح المبالغ فيه أيضًا له ضرر كبير
قد يرى البعض بعد قراءة الفقرة السابقة ضرورة إطراء أذن الطفل بكلمات التشجيع والمديح بصورة مستمرة، وليكن المثال التالي نموذجًا لما أود قوله. طفل في الصفوف الابتدائية الأولى، هادئ نسبيًّا ويبدو عليه أمارات الفلاح الدراسي، طوال الوقت يردد له أبواه أنه العوض العادل من الرب على فشلهما الدراسي وعدم تحقيقهم لما أرادا، يحمله أبواه بصفات حسنة في ظاهرها فهو الولد الهادئ المؤدب غير المتمرد المطيع المجتهد.
قد يظن البعض أن تلك الكلمات تشجع الطفل وتوضح له مدى حب الأبوين له، وهي بالفعل كلمات ليست ضارة في ذاتها، لكن في الناحية المقابلة تُلبِس تلك الكلمات الطفل بشخصية “المثالي” فيعيش الطفل أيامه من خلال تلك الشخصية ويحاول طوال الوقت عدم الخروج عنها في كل الأوقات.
ما تفعله كلمات الإطراء المبالغ به في الطفل؟
- تعتبر المشكلة الأكبر هي اعتقاد الطفل بأنه مثالي ويجب عليه التعامل بتلك المثالية مما يضعه في ضغط نفسي مستمر لأن حالة المثالية بالأساس ليست موجودة في عالم الكبار البالغين فكيف الحال في عالم الأطفال الذين في بداية معرفتهم بالحياة؟
- ربط الطفل لتصرفاته الإيجابية بأنها شرط حب أبويه له، فإن حدث وارتكب خطأ أو فشل في أمر ما فإن أول ما يتسرب لنفسه هو فقدانه لحب أبويه لأنه دائمًا ما تلقى حب مشروط.
- التصرفات المثالية المستمرة أيضًا لها ضرر مباشر على الطفل لأنها تفقده القدرة على اكتساب بعض المهارات الحياتية كالفشل والغضب والحزن، كل تلك المشاعر بالرغم من قسوتها إلا أنها ضرورية فالحياة ليست مثالية وضرورة التعرف على المشاعر المختلفة ومعرفة كيفية إدارتها والتعامل معها هو واحدة من مراحل النمو للشخص الطبيعي.
- في بعض الأحيان يتعامل الطفل بفوقية مع من هم في مثل سنه ويصيبه الكبر والإحساس بتقديس آرائه وأفكاره ومعتقداته، تلك الأمور قد تصل لحد التعصب والنرجسية في كثير من الأوقات.
ما بين كلمات التشجيع وكلمات الإساءة، كيف نتعامل مع الأطفال؟
بما أن الكلام هو الطريقة الأكثر انتشارًا في التعامل والتعبير بين البشر، وكما هو معرف بأن خير الأمور أوسطها، فإنه يجب وضع بعض النقط في الاعتبار قبل التعبير اللفظي
- عليك أن تعلم أنه يجب على طفلك أن يرتكب الأخطاء، ويجب عليك تقويمها، لذا فتعامل مع أخطاء طفلك ببعض الصبر وحاول أن تفكر كما يفكر طفله فلا تبالغ بتوبيخه وباستخدام الكلمات المسيئة.
- تعبيرك على الخطأ الذي ارتكبه طفلك يكون على الفعل نفسه مثلًا “هذا تصرف خاطئ” وليس “أنت شخص غبي لأنك تصرفت بتلك الطريقة”.
- لا تربط حبك لطفلك بأي فعل، لأن هذا يجعل طفلك يربط حبك له بأفعال محددة، والأدهى أن هذا يرسخ بداخل طفلك أيضًا مفهوم أن الحب يجب أن يكون شرطيًّا، مما ينعكس على حبه لك.
- يجب أن تعبر لطفلك عن حبك بالكلام لكن دون مبالغة ودون مقارنة ودون شرط مثلًا لا تقل “أحبك لأنك حصلت على الدرجات النهائية متفوقًا على زميلك فلان” ولكن “أحبك لأنك طفلي وأغلى ما أملك وسعدت جدًّا لتفوقك واجتهادك الدراسي وتمكنك من تحقيق أهدافك”
أخيرًا، فكما قال القائل: لم أندم مرة على الصمت ولكنني ندمت كثيرًا على الكلام.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 4,350
كلمات الإساءة مضرة على الطفل باتفاق، فكيف للمبالغة في الإطراء أن تضره أيضًا؟
link https://ziid.net/?p=85025