كيف تتشكل وتسقط الأمم
المبادئ هي المحركات الخفية للأمور.. والنظم هي وليدة المبادئ ولا يمكن لأمة أن تصمد دون مبادئ
add تابِعني remove_red_eye 3,704
يعرض غوستاف لوبون في كتابه “السنن النفسية لتطور الأمم”، شرح تشكل العرق البشري، وتأثير البيئة على صفات البشر، وما الأسباب الحقيقة لتطور الحضارات؟ وما هي عوامل سقوطها؟
سنستعرض في هذا المقال نصوص مختارة من ذلك الكتاب، تفي لشرح الأسئلة المطروحة. ولكن قبل ذلك أودّ أن أشير إلى عدم اتفاقنا مع ما يراه غوستاف لوبون بتميز العرق الأوربي عن باقي الأمم، معتبرًا أن الأوربي أكثر أخلاقًا وذكاء وعلى هذا الأساس هو من الأمم العليا.
علاقة المساواة بالفروقات النفسية
يقول في مقدمة كتابة: “مبدأ المساواة الوهمي بين الناس هو الذي قلب الدنيا، وأحدث في أوروبا ثورة عظيمة، وأوقع أمريكا في حرب انفصال دامية”، ثم يستأنف قائلا: “ويداوم مبدأ المساواة في النمو، وباسم هذا المبدأ تزعم الاشتراكية أنها تنشر ألوية السعادة، وباسم هذا المبدأ تطالب المرأة بمساواة مع الرجل غافلة عن الفروق النفسية التي تفصلها عنه، والمرأة إذا ما كتب لها النصر في ذلك، جعلت من الأوربي بدويا لا منزل له ولا أسرة”.
أشار غوستاف هنا إلى أن الفروقات النفسية لها تأثير كبير على تشكيل الفروقات بين الأفراد، ويمتد أثر هذه الفروقات إلى الأمم، باعتبار أنها مشكله من مجموعة أعراق.
هل الأعراق متساوية؟
إن خلف نُظُم كل أمة، وفنونها، ومعتقداتها، وانقلاباتها السياسية، ما يصدر عنه تطور هذه الأمة من صفات ذهنية وخلقية، ومن مجموع هذه الصفات يتألف العرق. وإن لكل عرق مزاجًا نفسيًّا ثابتًا ومرتبطًا بتركيب الدماغ، ومن هنا نفهم اختلاف الشعوب من حيث العادات والتقاليد والطباع. تلك الصفات الخلقية والذهنية هي عنوان ماضيه، وتراث أجداده وعوامل سيره، حيث إن هناك اتصاف معظم أفراد عِرْق ما في كل وقت بصفات نفسية مشتركة ثابتة.
كيف يمكن لأمةٍ ما أن تتطور في سلم الحضارة؟
إن الشعوب كثيرة التمازج تكتسب الأسس الجوهرية الثلاثة لروح الأمة وهي: وحدة المشاعر، وحدة المصالح، وحدة العقائد. والأمة إذا ما بلغت ذلك، اتفق ابنائها بالغريزة على جميع المسائل المهمة، ولا يبدو فيها كبير الشقاق، لذلك فالتمازج هو من أهم العوامل لتطور الأمة.
ظهور فكرة الوطن وعلاقته بالمشاعر
وحدة الأفكار والمشاعر والمصالح، تمنح المزاج النفسي للأمة تجانسًا وثباتًا عظيمَيْن، ومنها تتشكل الروح القومية. وتلك الروح كانت مقصورة على الأسرة في البداءة، ثم امتدت إلى القرية ومنها إلى المدينة ثم الإقليم، وهنالك فقط ظهرت فكرة الوطن وفق ما ندركه اليوم.
ضبط النفس والارتقاء في سلم الحضارة
كلما عرفت الأمم أن تضبط غرائزها، وتضبط نفسها، عرفت أهمية النظام والتضحية من أجل مثال أعلى، وهو ما يشكل دافعًا قويًّا جدًّا للارتقاء في سُلم الحضارة.
علاقة انحطاط الأخلاق بسقوط الأمم
إن العامل الأساسي الذي أدَّى إلى التتابع في سقوط الأمم على مر التاريخ، هو تغيّر في مزاجها النفسي والذي أدى إلى انحطاط أخلاقها. فالأمة التي تصل إلى أعلى درجات الحضارة والقوة، وتطمئن بحيث لا يمكن الهجوم عليها من جيرانها وأعدائها، فتبدأ بالتمتع بالنعم والترف الذي يمنّ بهما الثراء عليها، فتذبل المزايا الحربية، ويفقد أبناء تلك الأمة المثل الأعلى، بحيث لا يبقى سوى التمتع، ويتركون إدارة البلاد لغيرهم، فيفقدون جميع الصفات التي كانت سببًا في عظمتهم.
عندها يَغِير على الأمة المتمدنة والمتحضرة، أمم أخرى ذوات احتياجات أقل مع مثل عالٍ جدًّا، وضبط للنفس، فيقيم هؤلاء حضارة جديدة على أنقاض الحضارة التي قلبوها رأسًا على عَقِب، وعلى هذه الصورة هدم البرابرة حضارة الرومان، والعرب حضارة الفرس. ويجب الإشارة هنا إلى أنه لا علاقة لعامل الذكاء في سقوط الأمم، ففي فترة سقوط الإمبراطورية الرومانية، كانت تمتلك أروع المتفننين والأدباء والأذكياء والعلماء، ولكن روما قد خسرت العامل الأساسي ألا وهو الخلق.
بالإضافة إلى ذلك تغير النفوس بسبب الاكتشافات الحديثة التي تنزع من النفوس كل المبادئ الدينية والاجتماعية. ويجب التسليم بأن النُظم هي وليدة المبادئ، ولا يمكن لها أن تصمد بدونها، وإذا زالت تلك المبادئ تقوضت أركان النظم، فالمبادئ هي المحركات الخفية للأمور.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 3,704
يتناول هذا المقال العوامل المؤثرة في بناء الامم و كيف يمكن للأخلاق أن تؤثر فيها
link https://ziid.net/?p=90531