حكومة التكنوقراط.. طوق النجاة في الأزمات

تتعدد أشكال وأنظمة الحكم من دولة إلى أخرى، وقد تُستحدث أنواع جديدة في فترة الأزمات ويكون الغرض منها إيجاد حلول سريعة للخروج من تلك الأزمات. ومن أشهر أنواع الحكومات هي “حكومة التكنوقراط”، والتي عادة نسمع بها عندما تواجهه البلدان صعوبة في تشكيل الحكومات بسبب ظروف سياسية، أو في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تسبب في إغراق الشعوب في الفقر، فما هي؟

استخدم مصطلح “التكنوقراط” للدلالة على اعتماد المنهج العلمي وتطبيقه في حلّ المشكلات المادية، وتوفير الخدمات التي تتعلق بحياة المواطن، ومستوى رفاهيته، وتكليف الأشخاص المبدعين في تخصصاتهم العلمية والانضباط في تطبيقه.

ويتطلب هذا المنهج تقليل الاعتماد على المال الذي يجعل من الدول مستهلكة فقط وتستورد كل احتياجاتها من الخارج، ويجب أيضًا زيادة الاهتمام بالتنمية المستدامة التي تحرص على الترشيد في استهلاك الموارد، وينادي أصحاب هذه الفكرة بأهمية تعيين حكومة التكنوقراط واستحالة انتخابها، لأن الانتخابات في العادة لا تفرز إلا الأشخاص الذين لا يملكون مهارات ومستويات علمية عالية، آخذين بعين الاعتبار احتمال حدوث عمليات تزوير مما يقلل من فرص وصول أشخاص ذوي كفاءة.

من ابتكر كلمة تكنوقراط؟

قام المهندس “هنري سميث” العضو بالكونغرس الأمريكي في عام ١٩١٩، بكتابة مقال استعرض من خلاله فكرته التي يرى أنها جديرة بالتطبيق والتجربة، فمن وجهة نظر سميث أن تخصصه الجامعي والمهني فعّال وذو جدوى أكثر من انتمائه السياسي. ودعم سميث فكرته عن طريق سرد سِيَر أشخاص أصبحوا فاعلين ومؤثرين بحكمهم عن طريق اعتمادهم على آخرين ذوي كفاءات من العلماء والمهندسين وغيرهم، هذا المقال كان بعنوان “التكنوقراط: طُرق ووسائل كسب الديمقراطية الصناعية”، ويعتقد أن هذه كانت أول مرة يستخدم فيها هذا المصطلح.

بعد ذلك وجدت “حكومة التكنوقراط” طريقها إلى النور على أيدي المهندس الأمريكي “هاورد سكوت”، الذي أسس عام ١٩٣٢ قوة شعبية ضمّت خبراء في كافة المجالات، مهندسين، أطباء، صناعيين، ورفضوا أن يكون معهم السياسيون، وذلك لأن سكوت وجماعته رأوا أن رجال السياسة لم يكونوا قادرين على حل مشكلات الشعب الأمريكي بعد أزمة اقتصادية أفقرته أواخر عشرينات القرن الماضي، بل هم غير قادرين على الاستغلال الأنسب للتكنولوجيا، ومن هنا أتت تسميتهم “تكنوقراط” والمشتقة من كلمتين يونانيتين، τέχνη، وتعني المهارة، وκράτος وتعني القوة أو الحكم، أي حكم أو قوة المهارة بالترجمة الحرفية.

وتحولوا بعد ذلك لحركة تكنوقراط لم ينسها العالم برغم أنهم لم يصلوا للحكم وقتها.

ممّا تتكون حكومات التكنوقراط؟

حكومات التكنوقراط تتكون من الطبقة العلمية، والفنية المثقفة التي لا شأن لوزرائها بالسياسة ولا ينتمون لأي حزب. فمثلًا طبيب معروف وخبير في الأدوية الطبية يستلم وزارة الصحة، وحامل دكتوراة في العلوم المالية يستلم وزارة الاقتصاد، وهكذا.

مهام حكومة التكنوقراط

هذا النوع من الحكومات يمكن أن يحل مشكلة المواطن عن طريق توليهم أمور وزارة التموين، المياه والري، الصحة، التعليم، البنوك وغيرها. لكن مهمة ترسيم الحدود أو توقيع المعاهدات والاتفاقيات تنتظر حكومة أخرى سياسية، ولهذا السبب لجأت لها دول متعددة الأحزاب مثل اليونان وإيطاليا كحل مؤقت لمشاكل طارئة، طفت على السطح عندما وصلت لأزمة بسبب خلاف بين أعضاء الحكومة المنتمين لأحزاب مختلفة، فاحتاجت متخصصين مستقلين في قراراتهم. والأصل في الحكم والمفاوضات ومخاطبة الجمهور، وقرارات السلم والحرب هو ممارسة سياسية وليس بالتخصص فقط.

وتغيّر مفهوم مصطلح تكنوقراط حديثًا أو بالأحرى صار شاملًا حيثُ أصبح يُطلق هذا اللقب على الحكومات الذي يقودها رئيس وزراءٍ غير منتخبٍ كما في حالات الحكومة اليونانية.

وبعد أن احتفت الجماهير بهذه الحكومة وعقدت الآمال عليها للخروج من أزمات اقتصادية وصناعية خانقة، لما نشرته من أفكار وخطط أحيت النفوس مجددًا بالتفاؤل، وخاصة أن تلك الأفكار خرجت من رحم معاناة الكساد الكبير الذي مرّت به أمريكا ودول العالم بعد الحرب العالمية الأولى (1929 – 1933)، إلا أن شعبيتها تراجعت كثيرًا بسبب مواجهتها الكثير من الانتقادات، وكان أبرزها أنها لم تقدم نظرية سياسية قابلة للاستمرار لتحقيق التغيير.

إليك أيضًا

• الثورة الصناعية…جنة ثمارها مالحة
• الوأد الممنهج ضد الإناث.. الوأد في العصر الحديث
• خطر السوشل ميديا على الشخص والمجتمع