يمكن لحياة شخص عظيم أن تُكتب بين دفتي كتاب، ويمكن أن يسرد بطولاته والصعوبات التي حصلت له في حياته، يمكن أن يصف شعور أنت شعرت به يومًا بدقة متناهية منقطعة النظير، ويمكن أن تجد من مر بنفس المحطات التي مررت أنت بها، ومنهم من تعثّر بنفس الحُفر التي تعثرت أنت بها يومًا ما، ومنهم من استطاع النهوض مجددًا بعد أن وقع، بعضهم يخبرك عن المصاعب التي مرّت به ليصل إليك شعور أن جميع العقبات تلك ستنتهي وأنها مرت على جميع العظماء ومنهم أنت، ومنهم من يدوّن لك مبادئه بالحياة فتشعر على حين لحظة أن طباعك قد تبدّلت للأفضل.
فالأسوة الحسنة ليس شرطًا أن يكون على قيد الحياة؛ يمكنك أن تتخذ أحدهم قدوةً ناجحة في حياتك وهو مقبور في أعماق الأرض منذ مئات السنين، فالمبادئ والقيم والأخلاق والروح العظيمة لا تموت بل تتحوّل من شكلٍ إلى آخر، وكأنك تقتبس طموحاتهم، وكأنك تشاطرهم الشعور.
من الممتع حقًا التقليل من الجلسات غير المهمة مع أولئك البشر السطحيين، والاكتفاء بقلة تحمل فكرًا عظيمًا يسمو بك إلى الأعلى، كما قال المتنبي: “وَخَيْرُ جَلِيْسٍ في الزَّمانِ كِتابُ”
ولا يوجد أروع من أن يرافقك كتاب لشخصيةٍ مهمة، شخصية ناجحة وعظيمة، أن تقرأ في مذكراته وتُبحر في سيرته الذاتية وتدوّن أهم المواقف التي تشبه حياتك إلى حدٍ كبير، وتجعلها مرجعًا لك في الشدائد، فالقراءة في كتب التراجم والسّيَر تفتح لك آفاقًا جديدة، فلطالما ذُيّلت تلك المذكرات بأسماء كتب أو شخصيات أو قصائد تركت أثرًا في حياة الكاتب، سيدفعك فضولك بعد الانتهاء من الكتاب إلى أن تمر على تلك الكتب وتقف عند تلك الشخصيات، وتبحث عن تلك القصائد، وها هو إذن عالَمٌ عظيم يفتح لك بابًا عظيمًا وعلمًا ثمينًا يستقر في أرجاء عقلك، لأن القراءة والبحث والمعرفة نورٌ يضيء لك عتمة الحياة.
لماذا كتب السِيَر الذاتية بالذات؟!
لأننا نميل لمن يشبهنا بعيدًا عن الروايات الحالمة وكتب الخيال العلمي، إننا نريد طُرقًا ناجحة لنحقق ذواتنا ونحلق في الأفق عاليًا من خلال تجارب حقيقية واقعية، لأننا لا نرغب بالضعف والرجوع والإحباط، فحين نقرأ كيف كانت معاناتهم، وما هي الصعوبات التي واجهتهم، فسنعلم أننا لسنا الوحيدين في ذلك، فهناك عظماء وأدباء حققوا نجاحاتهم بعد محطات طويلة من الحزن والأسى والألم.
لأن لدينا الفضول لنعرف التاريخ، فزمانهم يختلف عن زماننا لكن الأحداث بيننا تتشابه، فكيف هم استطاعوا التغلب على تلك الظروف القاهرة أو كيف استطاعوا العيش في تلك الحقبة؟ كيف كانوا يقضون أوقاتهم؟ متى كانوا يدوّنون مذكراتهم؟ وما هي طقوسهم؟ ذلك فضول ممتع يحبه الجميع وما أروع الوقت حين يمضي بصحبة هؤلاء، لأن همّتهم العالية تشحن أرواحنا بطاقةٍ كبيرة، وحين نقرأ عن علوّ هِمَمهم نشعر أن القمم قريبةً منا.
هذه مشاعري التي أشعر بها وأنا أقرأ كتب السيرة الذاتية، دوّنتها كمقدمة لبعض أسماء المذكرات التي كتبها أصحابها أو كتبها نقلاً عنهم مَن بحث جيدًا في تاريخهم أو عاشرهم، وهي أفضل السير الذاتية بوجهة نظري لأهم الشخصيات الناجحة في القرن العشرين.
بعض من أفضل كُتب السيرة الذاتية:
الكتاب الأول:
غبار السنين؛ للكاتب د: عمر فرّوخ:
وهو كاتب لبناني، وُلد عام: ١٩٠٦م وتوفي أثناء كتابته على الآلة الكاتبة عام: ١٩٨٧.
أديب ومعلّم له أكثر من ١٠٠ مؤلَّف مطبوع، وله مقالات ثرية قد جمعها في كتابِه.
الكتاب الثاني:
كتاب أنـا؛ للكاتب: عباس محمود العقاد:
وهو كاتب مصري، ولد عام: ١٨٨٩ وتوفي وهو بعمر ٧٤ عام: ١٩٦٤.
أديب، ومفكر، وصحفي، وشاعر مصري يلقّب بـعملاق الفكر العربي.
له قرابة ١٠٠ كتاب، وكتب بالجرائد ١٥ ألف مقال.
الكتاب الثالث:
تحت الرماد؛ للكاتب: محمد سعيد العريان:
وهو كاتب مصري، ولد عام ١٩٠٥ وتوفي وهو بعمر ٥٩ سنة عام ١٩٦٤
من كبار كتّاب مصر ومن روّاد أدب الأطفال، له العديد من المؤلفات والكثير من المقالات.
وهو من كتب السيرة الذاتية للكاتب الراحل أديب العروبة مصطفى صادق الرافعي.
الكتاب الرابع:
الذكريـات؛ للكاتب: علي الطنطاوي:
وهو كاتب سوري، ولد عام ١٩٠٩م، وتوفي وهو في عمر ٩٠ سنة، في عام ١٩٩٩.
فقيه وأديب وقاضٍ سوري، ويُعد من كبار أعلام الدعوة الإسلامية والأدب العربي في القرن العشرين.
له الكثير من المؤلفات، والمقالات، والخطابات التي كان يُلقيها عبر الإذاعة، وعبر برامج التلفزيون.
الكتاب الخامس:
الأيام؛ للكاتب: طـه حسين:
وهو كاتب مصري، ولد عام ١٨٨٩، وتوفي وهو بعمر ٨٣ سنة في عام ١٩٧٣.
أديب وناقد وكاتب، له الكثير من المؤلفات والكتب، آراؤه مثيرة للجدل حتى وقتنا الحالي، غيّر مسار الرواية العربية، واستطاع أن يؤسس له طريقًا أدبيًا جعل سمعته الأدبية تفوق مشارق الأرض ومغاربها، يُلقب بعميد الأدب العربي.
وجدت إلهاما في هذه الكتب فأحببت مشاركتكم
link https://ziid.net/?p=23196