دراما الحب والعلاقات.. الكذبة الجميلة
كثير من الأشياء نجهلها في الواقع ولكننا نعرفها من خلال التلفاز كالصحراء والبراكين، المحيطات وما تحتويه والحيوانات المفترسة
add تابِعني remove_red_eye 1,920
التلفاز ذلك الاختراع الجميل المتجدد والمتطور دائمًا، لا يخلو بيت منه أيًّا كانت ظروف أصحابه الاجتماعية، ويعتبر نافذة نطل منها على المجتمعات ومصدر معلومات مهم، والتطور يشمل كذلك البرامج والأفلام والمسلسلات وكل ما يعرضه هذا الجهاز السحري.
برامج التلفاز قديمًا
أول ما رسخ في عقلي من برامج، كانت أعمال سورية ومصرية وبعض الأعمال الأردنية، حققت نجاحًا باهرًا وتركت أثرًا عميقًا في ذاكرة المشاهد العربي ورصيدًا لغويًّا ومعلومات ثقافية لا يستهان بها، أذكر أني وضعت بعض المعلومات والمفردات خلال دراستي تعلمتها من حلقات كيف وأخواتها وكذلك المناهل، وكنت سعيدة بذلك فما شاهدته قديمًا اكتسبت منه ثقافة عامة سواء عن شخصيات تاريخية بارزة، التي كنا نشاهد مسيرتها من خلال المسلسلات التي كانت تعرض في شهر رمضان الفضيل، أو برامج وأشرطة وثائقية، حتى الرسوم المتحركة كانت تربوية وغنية بالقيم والمبادئ.
تنوع الثقافات
كان ذلك من خلال عرض المسلسلات المكسيكية، والأجنبية مع حذف كل اللقطات غير اللائقة بالمشاهَدة العائلية، عدة عناوين تصدرت الشاشة وجمعت العائلة بمتعة المشاهَدة واكتشاف طريقة حياة دول أخرى لا تشبهنا في شيء، وكان واضحًا جدًّا أنهم ليسوا مسلمين وأول مسلسل أحببت مشاهدته هو أنطونيلا، ويليه كساندرا وتوالت الأعمال التي أصابت بنات جيلي بالانبهار وترقب الأحداث الجديدة دائمًا، قديما كانت أوقات عرض المسلسلات محدودة وقناة الجزائر الأرضية لقبت باليتيمة، لأنها كانت الوحيدة في التلفاز عكس وقتنا الحالي كثرة القنوات ومشاهدة بدون انقطاع.
أسلوب حياة
في حيِّنا الشعبي عندما كنت أخرج من البيت لزيارة جدَّتي وأنا في طريقي إليها كان بإمكاني سماع البرنامج المعروض على التلفاز، فكل بيت أمرُّ بجانبه صوت التلفاز مرتفع والكل ينتظر الحلقة الجديدة من المسلسل المعروض آنذاك، وصوت أغنية الجينيريك تجعلني أركض مسرعة للبيت قبل انطلاق الحلقة، ما شدَّني حينها هو حياتهم المختلفة عنا والقصة العاطفية للمسلسل وكيف ينتصر الحب دائمًا ويلتقي البطلان في النهاية ويتوج حبهما بالزواج بعد صراع طويل ضد الظروف والحاقدين، وكل مسلسل كان يعرض أجمل من الذي سبقه حتى في الدراما السورية والمصرية، أحببت شخصية سلوم حداد في كل الأدوار التي أداها.
وشخصية نور شريف في المسلسلات الدينية خاصة مسلسل هارون الرشيد، فقد لعبت هذه المسلسلات دورًا مهمًّا في نمو عواطفي، كانت سنوات خصبة غنية بالأعمال الجميلة، والآن كوني امرأة ماكثة في البيت، فرفيقي الدائم هو التلفاز وكل ما يعرضه من أخبار وبرامج طبخ، أفلام ومسلسلات حتى النشرات الجوية أتابعها إذا أردت غسل الملابس.
ذكريات الصبا
كانت القصص العاطفية المفضلة في المسلسلات المكسيكية والأفلام العربية والأمريكية بالنسبة للشابات أما الشباب كانوا متأثرين بالنجم سيلفاستير ستالون فمعظمهم قلدوه في تدريباته من خلال سلسلة أفلامه رومبو، تحضرني الآن ذكرى حديث عائلي عن معظم الأشخاص الذين نعرفهم من الأقارب والجيران ممن قلدوا هذا الأخير أو رقصوا رقصة مايكل جاكسون، أحيانًا تكون فترة الشباب ذكرى غير مشرفة يتجنبها بعض الأشخاص الذين تعرضوا لمواقف مخجلة من تقليد النجوم التي تنعكس سلبا على حياتهم أو ذكريات صباهم فيتحاشوها ويفضلون عدم الحديث عنها، أرجو أن لا يكون لأحد القراء ذكرى شباب مخجلة فالأمر وارد في كل الأحوال.
ثرثرة لا بد منها
بعض الأعمال التلفزيونية تجعلني أخرج من حالة ملل من الروتين، كالأجزاء الأولى من باب الحارة وليالي الحلمية والأعمال الجديدة كوردة وشامية، حارة القبة…ومن المسلسلات التركية طبيب معجزة وبعض الأعمال الكورية كمسلسل التاجر وجوهرة القصر…. الخ، ولا أمل من إعادة مشاهدتها بعد مدة وكذلك الأفلام الهندية القديمة أما الآن في الجيل الجديد أفضل الدراما السورية وبعض المسلسلات المصرية التي تعالج القضايا الاجتماعية في الدراما الواقعية.
في السنوات الأخيرة غزت شاشات التلفزيون المسلسلات التركية أبنائي من محبي هذه الأخيرة، التنافس على كثرة الأعمال أو لا أدري لست خبيرة بالمجال ولكني واحدة من الجمهور المتلقي لهذه الأعمال ومسؤولة عما أشاهد ويشاهد أبنائي، فالتقنية المستخدمة حاليا وجودتها، كفيل بأن يجعلني أبدو من الطراز القديم كما يقول أبنائي، فما أحببت مشاهدته قديما لا يشد انتباههم، وهم أبناء الألفية الثانية وأبناء التكنولوجيا والتأثيرات الكاذبة، التي أدخلتهم في حالة من الانبهار والغرور بزمانهم وما أبدع الآخرون، ولكن كثرة الكذب في السينما والخيال ضيع الواقع وزيف الرسالة الحقيقة للحياة.
الإنتاج السينمائي همزة وصل بين المتفرج ومشاعره
كثير من الأشياء نجهلها في الواقع ولكننا نعرفها من خلال التلفاز كالصحراء والبراكين، المحيطات وما تحتويه والحيوانات المفترسة….. إلخ وكذلك المشاعر والأحاسيس التي نحسها تتغذى على الأشياء التي نتلقاها، بالرغم من عدم مرورنا بمواقف شبيهة، فبمجرد رؤية موقف سرقة أو اعتداء يتشنج جسمنا، كما تتفاعل مشاعرنا مع اللقطات العاطفية بشدة وإن قارنا بين مشاعرنا ومشاعر أبناءنا فنلاحظ بوضوح أن مشاعرنا تغذت بالطيبة زمن الطيبة.
بين الواقع والخيال
يعتبر التمثيل تقمص لشخصيات خيالية من نسج عقل الكاتب، وهناك من يقول أن الممثل كاذب بارع، وعلى المتفرج الكريم إدراك ذلك قبل أن يتابع أي مسلسل أو فلم ويتأثر بأحداث القصة والأداء المقنع للممثلين، لأن شدة التأثر قد تبلغ حد التقليد بدون وعي منا، هذا جعلني أقارن بين ما شاهدته قديما وما يعرض حاليا ويؤثر سلبا على المشاهد الكريم وعلى الشباب خاصة فالمشاهدة منفتحة على ثقافات دول أخرى بعيدة عنا في كل تفاصيل الحياة والدين والأخلاق.
أفلام السينما الأميركية التي تركز دائما على البطل الخارق الذي ينتقم من أجل حبيبته أو زوجته أو أطفاله ولقطات عنف تقشعر منها الأبدان، أو أفلام خيالية لوحوش وشخصيات قاتلة تمزق الأجساد وعدة أشياء لعبت بتركيب الصور في أذهاننا فباتت صور الحرب والقتل الحقيقية لا تؤثر فينا، ونادرا ما نتعاطف مع ضحاياها، أو أفلام ومسلسلات تركية رومنسية بعيدة كل البعد عن الواقع، لا تصور الحياة الزوجية الحقيقية وما فيها من مسؤوليات وتلغي تعاليم ديننا الحنيف وتتمادى على قيم ومبادئ المسلم العربي.
وبدل معالجة المشاكل تحث على تغيير الحياة، الحقيقة التي لا مفر منها أن هذه الأخيرة لها دور كبير فيما آلت إليه حياة الشباب الحالية، فدولة تحت راية الإسلام وما نشاهده عكس ذلك تماما، مثلا في مسلسل كل أولادي تظهر الجدة تصلي، وابنها يحتسي الخمر مع أبنائه وابنته تقيم علاقة غير شرعية فكل هذه القيم المتضاربة تلعب بعقل المراهق أو المراهقة وتجعله يتمادى بحكم أنها دولة مسلمة، ربما هي النقطة الفاصلة بين ما كنا نشاهد قديما وما يشاهده أبناؤنا حاليا.
وما يميز زماننا أن هذا النوع من المسلسلات كان يقاطع في رمضان ويركز على المسلسلات والحصص الدينية فشهر رمضان كان كفيلًا بشحن بطارية الأخلاق، والتقرب لله – عز وجل – بقلب سليم، شهر التوبة والغفران وكل شيء فيه كان مختلف، أما الآن فحتى منتجو المسلسلات العربية لا يحترمون حرمة هذا الشهر الفضيل.
ضحايا الوهم
قد تمر مرحلة المراهقة والعلاقات العاطفية وفوضى الأحاسيس والمشاعر بدون خسائر، مع أنه قد تتأثر سمعة الفتيات الجريئات في هذه المرحلة بالذات عند الخوض في مغامرات عاطفية عابثة لمحاولة إيجاد فارس الأحلام المزعوم الذي يكون في مثل سنها لم ينضج بعد، أو أكبر منها فيستغلها ويدنس شرفها لتصبح منبوذة ويفوتها قطر الزواج.
وقد يكون هناك خلق يصارع للقدوم للحياة وفي لحظة يتراقص الشاب على عزيف إغراءات الشيطان يسلك هو دروب الخطيئة ليقبع في زاوية مظلمة ويولد في أوقات عصيبة ويلف بلفافات الندم على شيء ليته لم يكن فتصبح حياته وحياة والدته مجهولة وشائكة، فهل تستحق نشوة تلك اللحظة كل هذا؟ الحياة صعبة وقاسية ولا تحتاج كل هذا الكذب والتزييف، فمعظم شباب العرب إذا أرادو الزواج يبحثون عن فتاة ليس لها ماضي، ونادرا ما يتزوج الشاب بصديقته هذا بعد نضوج العقل.
أكبر جمهور هذا النوع من المسلسلات هم أطفال مراهقين وقعوا ضحية أشخاص يصنعون ثروات هائلة من نسبة المشاهدات لتسويق الكذب والأوهام والثمن الوقت والأخلاق، فالموضة الحالية مشاهدة المسلسلات والأفلام على المواقع، وتتبع النجوم المفضلين أو بالأحرى الغيوم التي تغطي الرؤية الحقيقية للحياة، فكيف نربي أجيالا تحت راية الإسلام؟ إذا كان المسلمين وغير المسلمين تحالفوا ضد عقل الشاب المسلم.
ترند الواقع
أن يخبرك شاب في مقتبل العمر خبرًا بتلقائية عن نجمه المفضل الذي تزوج أخيرًا من حبيبته بعد أن أنجب منها طفلًا أو لا أدري كم، وكذلك تتلقى خبرًا من إحدى الشابات في نفس السياق عن أحد النجوم الذي لديه ثلاثة أبناء من حبيبته وكلما خطبها رفضت الزواج به، بالنسبة لي شيء مضحك ولكن ماذا عن الشباب الذين أضحوا يرون العلاقات قبل الزواج وأبناء الزنا شيئًا عاديًّا، الأمر خطير وظاهرة العلاقات غير الشرعية تفشت في مجتمعاتنا العربية بشكل رهيب، فقبل كل شيء نحن مسلمين بالفطرة ولن نتقبل كل شيء فالحرام حرام ولا نقاش فيه.
وفي الختام
هل تشاهد للمتعة أم للتقليد؟ هل خدعوك في تمثيل المشاعر حتى ظننت أن حب الأبطال حبًّا حقيقيًّا؟ هل يمكن الكذب في الحب لهذه الدرجة؟ هل يعيش الفنانون في واقعهم الحياة التي يصورونها لنا من خلال أعمالهم ورسائلهم؟ لماذا تعيش ضغوطات نفسية معقدة مع أحبة حقيقيين تعبث بمشاعرك السليمة؟ هل لهذه الأعمال علاقة بما يحدث؟ لِمَ تساهم الأعمال الروتينية اليومية في برود المشاعر؟ كيف يكون الحب في نظرك؟
فلسفة الحب شائكة ومعقدة وكل يفسرها حسب معتقداته واحتياجاته، مع ذلك يبقى الكنز الوحيد الذي يحاول كل شخص البحث عنه وإيجاده وهذه الأعمال تصيب نقطة الضعف، فتجعل المرء غير راض بالموجود ويبحث دائما عن المفقود في دروب الكذبة الجميلة لفنانون يتجملون بالحب.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 1,920
بعيدا عن الكمال والمثالية، فلنبحث عن الجمال في حياتنا العادية وهل عكست هذا الدراما الكورية؟
link https://ziid.net/?p=106435