ما أول مسجد بني في قارة أفريقيا؟

كان عمرو بن العاص هو الصحابي الذي فكر في فتح مصر، وعرض الأمر على عمر بن الخطاب، الذي كان رافضًا في بداية الأمر، لكن عمر بن العاص ظل يقنعه حتى وافق أخيرًا، وكان عمرو بن العاص قد ذهب إلى مصر قبل الإسلام أكثر من مرة للتجارة، فتعرف على ظروف وأوضاع البلاد عن قرب، وعمرو بن العاص من سادات قريش، كان يعمل بالتجارة، لم يدخل الإسلام في بداية الدعوة، بل إنه شارك مع المشركين في غزوة بدر، وغزوة أحد، وغزوة الخندق ضد المسلمين، ولكنه أسلم بعد صلح الحديبية فحسن إسلامه، ليصبح هو وخالد بن الوليد من أهم قادة المسلمين، حيث أوكل إليه خليفة المؤمنين أبي بكر الصديق القضاء على حركة الردة، وساهم في فتوحات الشام وفلسطين، وكان هو قائد جيش المسلمين في فتح مصر.

دارت العديد من المعارك مع البيزنطيين في مصر انتصر فيها عمرو بن العاص واستطاع دخول مصر، ليستقر بها، وقد رحب المصريين بالفاتح الجديد لذي خلصهم من ظلم واستبدا البيزنطيين، الذين فرضوا على مصر جميع أنواع الضرائب التي أثقلت كاهل المصريين، الذين كانوا بدورهم يقومون بالثورات ضد البيزنطيين، ولكن البيزنطيين كانوا يخمدون تلك الثورات، وكان المصريون يدينون بالمسيحية.

وقد كفل لهم عمرو بن العاص الحرية الدينية، ولم يكره أحدًا على الإسلام. كما اهتم عمرو بن العاص بإصلاح كافة شئون البلاد التي قد انهارت في ظل ضعف الدولة الأموية، وخاصة الزراعة، وقد قرر عمرو بن العاص من أن يخفف الضرائب التي أثقلت كاهل المصريين، فتحسنت أحوال المصرين، وأحبوا الفاتحين الجديد من العرب وزادت الألفة بينهم، واندمج كل فريق منهم مع الأخر.

عندما أراد عمرو بن العاص أن يتخذ للمسلمين عاصمة في مصر، بعث لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يستشيره، فقال له أن يتخذ مكانًا ومقرًّا للمسلمين لا يحول بينه وبينهم -أي عمر بن الخطاب في المدينة المنورة- نهرٌ ولا بحر سواء في الشتاء أو الصيف، فوقع اختيار عمرو بن العاص على مدينة الفسطاط، وبالفعل بُنيت مدينة الفسطاط، واتسعت رقعتها، ونمت نموًّا سريعًا، ونزل بها كثير من القبائل العربية كان من بينها: (أسلم، وبلي، ومعاذ، وليث، وعنزة، وهذيل، وعدوان)، كما أن المصريين قد سكنوا مدينة الفسطاط مع العرب واختلطوا بهم، فأصبحت الفسطاط هي عاصمة مصر، حتي جاء أحمد بن طولون وبنى مدينة القطائع لتكون عاصمة الدولة الطولونية في مصر.

بعدما أسس عمرو بن العاص مدينة الفسطاط، واكتمل بناؤها، واستقر المسلمون فيها، قرر عمرو بن العاص إقامة مسجد المسلمين في مصر عام 642هجريًا، فأنشأ أول مسجد في تاريخ مصر، بل وفي تاريخ قارة أفريقيا، وهو مسجد عمرو بن العاص، وقد أطلق عليه أكثر من اسم، فكان يعرف بمسجد الفتح، والمسجد العتيق، وتاج الجوامع، وكانت مساحة هذا المسجد عندما أقامه عمرو بن العاص خمسين ذراعًا في ثلاثين ذراعًا، وكان للمسجد ستة أبواب، وقد ظل المسجد على هذا الحال حتى قام الوالي مسلمة بن مخلد الأنصاري، والي مصر من قبل معاوية بن أبي سفيان بإصلاحات جديدة لمسجد عمرو بن العاص، فأسس به أربعة مآذن، وكان كل حاكم يأتي إلى مصر يعمل في توسيع المسجد وإصلاحه، حتى بلغ مساحته حوالي أربعة وعشرين ألف ذراع.

ولا يزال هذا المسجد موجود في مصر القديمة، ويحتل مكانة كبيرة عند المصريين، بل وليس فقط المصريين بل نجد أن السياح عندما يأتون إلى مصر يذهبون إلى القاهرة القديمة لمشاهدة الآثار الإسلامية هناك، والتي من ضمنها مسجد عمرو بن العاص.

إليك أيضًا

• حنين إلى المسجد [مشاعر شخصية]
•  ملهمون من بلاد “المغرب”  
•  ما الذي قاله السميط في رسائله لابنه.. عن الدعوة في أفريقيا