تأثير إزالة التثبيط عبر الإنترنت: لماذا يتوجب عليك ألا تصدق كل شيء؟
في وسائل التواصل، الجميع صاحب رأي، الجميع لديه مبادئ، الجميع قادر على الرد، الجميع سعداء، هل هذا حقيقي؟
add تابِعني remove_red_eye 61,969
أمرّ بين صفحات الأصدقاء، أجد الجميع يدافع عن نفسه، عن مبادئه، آرائه، أفكاره، معتقداته مهما كانت، بلباقة شديدة وتنظيم عالٍ للأفكار، وحتى أنا أيضًا حينما أشرع في الكتابة معبرةً عن أفكاري، أكتُب بسلاسة شديدة، أو حتى حينما أسجل رسائل صوتية، أما في حقيقة الأمر فإنني حينما أتكلم في الواقع أتلعثم، وكأنني تعلمت الكلام للتو، ربما للوقت الذي تمنحني إياه وسائل التواصل لأنظم أفكاري.
لا أعرف، لكن أنا والكثير يشبهونني دائمًا ما ندافع عن وجهات نظرنا باستماتة وتنظيم، وكثيرًا ما أرى بعض منشورات الذين أعرفهم فأندهش، الكثيرون ممن لا يتمكنون من رفع أصواتهم في الواقع، تعج منشوراتهم بالشتائم، أو المتفاعلون عبر صفحات الفيسبوك فتحسبهم اجتماعيين، ولكن في واقع الأمر هم لا يملكون الأصدقاء ولا حتى واحدًا فقط.
لماذا نختلف في الواقع عن الفيسبوك؟
يرجع كل ذلك إلى “تأثير إزالة التثبيط عبر الإنترنت – The Online Disinhibition Effect” وهو تأثير سيكولوجي يمر به الإنسان نتيجة خصائص الطبيعة الافتراضية للإنترنت. فالإنترنت يوفر لك خاصية أن تكون غير مرئي أو حتى غير معروف بالكامل، كما يوفر لك الوقت الكافي لترتيب ما تريد قوله وإعادته وتدعيمه بالأدلة والمنطق، حتى يتيح لك حذف ما قلت والتخلص منه للأبد في بعض الأحيان، إنه يشبه الغطاء الذي من خلاله تفعل كل ما تريد، وتصدر ما تريد، لكل من يراك أو يتعامل معك.
خصائص تأثير إزالة التثبيط عبر الإنترنت
– إخفاء الهوية: حينما تضيف شخصًا لقائمة أصدقائك أنت لا تضيف شخصًا حقيقيًّا، إنما شخصية افتراضية قد تكون غير حقيقية على الإطلاق، فقد يختار الشخص اسمًا غير اسمه، وعنوانًا غير عنوانه، وحتى دين وتوجهات سياسية غير توجهاته، إنها الفرصة السانحة ليخرج كل إنسان أسوأ ما فيه، أو يخلق لنفسه صوره مثالية عكس حقيقته السوداء.
– عدم وضوح الرؤية: ذلك الشخص الذي تعرفه أو الذي تزعم أنك تعرفه لا تراه، لا تراه في الوقت الحالي لا تعرف هل هو الآن في الموقع أو لا، بل وفي بعض الأحيان لا تتمكن من معرفة إن كان قرأ رسالتك أو لا، إن ذلك يوفر الأمان للأشخاص ويجعله يشعرون بالطمأنينة فهم ليسوا خائفين من أن يراهم الناس أو يعرفوا حالتهم الآن.
– عدم التزامن: الأمر سحري مثل أن تعلق الوقت في محادثة واقعية حتي يواتيك الرد المناسب، ففي فضاء التواصل الاجتماعي، لست مضطرًا للرد على الفور، فقد تقوم بتعليق محادثة ليوم لأسبوع لأشهر حتى دون الرد، يمكنك حتى إخفاء خاصية رؤية الرسائل.
– الإدراك الخاطئ: إننا حينما نتفاعل مع الردود أو الرسائل النصية نتفاعل بحاسة واحدة فقط، لا نرى ذلك الشخص حينما كتب هذا لا نرى وجهه لا نسمع نبرة صوته، وتلك الأشياء هي ما تشكل إدراكنا، للذي يحدث، لذلك في الكثير من الأحيان ندرك إدراكًا خاطئًا لما حدث قد تنتج عنه نتيجة في غاية السوء.
-الهروب: العالم الافتراضي يوفر للشخص خاصية الهرب والعودة مرة أخرى بهوية افتراضية أخرى جديدة، يمكنه من خلاله مصادقة من يريده، والاستمتاع بصحبة من يريد، بل قد يسب الشخص الأخر، ثم يعود ليتعرف إليه بخاصية جديدة.
فتلك الخصائص هي في الأصل سلاح ذو حدين، فقد تساعد تلك الميزات، بعض الأشخاص الانطوائيين على تكوين الصداقات والخروج من قوقعتهم، وعلى العكس تمامًا فقد يتسبب في خداع البعض وإفساد حياتهم، لذلك فالحذر كل الحذر من التعامل مع الأشخاص الذين لا نعرفهم بشكل حقيقي بأمان زائد عن الحد، فقد يتم استغلالنا.
البلوجرز وما أفسدوه في الحياة
منذ عدة أعوام لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، ظهرت علينا ظاهرة بسبب الانتشار الواسع لوسائل التواصل، وهي البلوجرز (Bloggers) لا يقصد بهذا أصحاب المدونات، بل الأشخاص الذي يقومون بمشاركة مشترواتهم، ملابسهم، حياتهم، بغرض التسويق لبعض المنتجات، ولكن يجيء ذلك عفوًا وكأنهم يشاركون الشيء للمشاركة فحسب، يعتمد ذلك على عدد متابعيهم الكبير، لكن المشكلة هنا أن الكثيرين يقلدونهم أو يطمحون لأن تصبح حياتهم مثلهم، لا لشيء إلا ليشعروا بسعادتهم التي تصدرها الصور، فهم يشاركون فقط الجانب المشرق الدعائي.
ولكن في الحقيقة فإن حياتهم بالضرورة مثلها مثل الجميع، تحمل الحلو والمر، وكذلك فإن بعض المشاهير من هذا الصنف، يعرضون قصص حبهم على المشاع مما يجعل الفتيات يشعرن بضرورة أن يفعل شريك حياتهن ما يفعله هؤلاء وأزواجهم، وحتى لو لم تكن تلك مشكلة فهناك مشكلة أكبر، وهي أن بعض المراهقات من صغار السن يستشيرون هؤلاء الأشخاص في حياتهم وفي الكثير من الأحيان لا يكونوا ملمين بالكثير مما يجعلهم يعطون الحل الخطأ.
الإنستجرام السعيد
بين أصدقائي لا أحب الإنستجرام ولا أفضل استخدامه، أشعر أنني لا أتمكن من استخدامه بشكل صحيح، ولكن في المرات المعدودة التي كنت فيها هناك كنت أشعر أن جميع الناس يتمكنون من السفر وأنا لا، ينجحون، يتزوجون، يقضون أسعد أوقاتهم بينما أراقبهم من بعيد، وتلك الملحوظة لم تصدر مني فقط بل الكثيرات أخبرنني بها من الصديقات، لقد أخبرتني صديقة أن الاكتئاب أصابها لكثرة مكوثها هناك، لأنها تشعر أن حياتها ليست بالشكل المثالي أو حتى الشكل الذي يجعلها ترضى عنها، فلماذا الإنتسجرام على الرغم من كونه مبهجًا يسبب الاكتئاب للبعض؟
الإجابة أنك تشعر أنك الوحيد البائس في العالم الذي ليس لديه ما يمكن أن يشاركه مع الناس، الناس كلهم سعداء، أصحاء، يحبون الحياة، لكن أنت في مكانك لا تفعل أي شيء.
ماذا تفعل لكي تقاوم ما تفعله بك وسائل التواصل الاجتماعي؟
– اصنع ملفًا لتقدير ذاتك على هاتفك: قم بتنزيل الصور التحفيزية، والاقتباسات الملهمة في بعض الأحيان كنت أضع بعض الرسائل المحفزة التي قيلت لي من الأصدقاء أو الثناء على عملي وكتابتي.
– احذف التطبيقات من الهاتف: لا تحتاج إلى إغلاق حسابك أو حذفه، فقط قم بحذف التطبيقات من الهاتف واكتف بالدخول من متصفح الإنترنت، هذا سيجنبك التحقق، بين الدقيقة والأخرى من الإشعارات التي تأتي إليك على الهاتف.
– الغِ متابعة الحسابات التي لا تشعرك بالراحة: تلك الحسابات التي تجعلك تشعر بأن حياتك مزرية، وأنك لا تتمكن من عيش الحياة، أو حتى الصداقات التي تجلب لك الآراء التي تختلف معها، أو التي تصيبك بالغضب والحزن/ لا تجعل شيئًا بسيطًا يمر إلى نفسيتك بالسوء والحزن.
– أوقف تشغيل الإشعارات: إذا كنت لا تستطيع حذف التطبيق فقم بإلغاء استلام الإشعارات التي تجعلك فضوليًا لمعرفة من علق عليك، ومن أعجبه ما كتبت، إيقاف الإشعارات سيقلل من عدد مرات دخولك إلى تلك التطبيقات.
– ضع حدًّا لهذا الجنون: ضع حدًّا لوقت التواصل الاجتماعي، لعدد التطبيقات التي تستخدمها ضع حدًّا لكل ذلك، وحافظ على صحتك النفسية ووقتك، إذا كنت لا تتمكن من التوقف أخبر معالجًا بالأمر فربما يعبر ذلك عن إدمانك لوسائل التواصل الاجتماعي.
أخيرًا إن الإنترنت هنا لتسهيل الحياة، لا ليستعبدنا أو يفسد حياتنا، فإذا كان الإنترنت هنا ليفسد حياتنا، فلا حاجة لنا به، فهبة الحياة أغلى من أي شيء آخر.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 61,969
مقال ملهم ومثير حول وسائل التواصل الاجتماعي
link https://ziid.net/?p=71342