الحاسوب الكمومي ثورة تقنية ستقلب مجرى التاريخ
نظرة شاملة حول الحاسوب الكمومي لأن الحواسيب الكمومية صارت تُستخدم في المراكز البحثية لتقود مستقبل التقنية
add تابِعني remove_red_eye 36,096
في سبعينات القرن الماضي، كان معالج الحاسوب يحتوي على 6000 ترانزستور بدقة تناهز الـ 10 آلاف نانومتر، ليبلغ عام 2015 مليار و 750 مليون ترانزيستور، وبدقة طباعة لا تتجاوز الـ 14 نانوماتر، أي أن حجم الترانزيستور الواحد أصغر بـ 500 مرة من حجم كرية دم حمراء. لكن يبدو أن التصميم التقليدي أخذ يبلغ حدوده القصوى، لأن الترانزيستور لا يمكن أن يصبح بالحجم الذري. وفي خضم القفزات العلمية التي شهدتها علوم الفيزياء، فتح عدد من الباحثين بابا جديدا، من خلال دمج الفيزياء النظرية في تقنيات صناعة الحاسوب. والمثير في الموضوع أن شركة آي بي إم نجحت فعليا في صناعة حاسوب كمومي ليتم الإعلان رسميا عن ميلاد عصر تقني جديد يشبه هذا الحدث إلى حد ما، اكتشاف النار أو صناعة أول حاسوب في التاريخ. لكن ماهو الفرق بين الحاسوب الكمومي ونظيره التقليدي؟ وماهي الآفاق الجديدة التي سيفتحها هذا التصميم الجديد؟
المحتوى :
الفرق بين الحاسوب الكمومي ونظيره التقليدي
الفرق بين الحاسوب الكمومي ونظيره التقليدي يتجاوز التصميم والقدرات، بل يصل إلى حد فلسفة عمل كل منهما، فضلا عن البرمجة والمكونات وحتى الوحدات:
الحاسوب التقليدي :
يعمل الحاسوب التقليدي بطريقة بسيطة، حيث يقوم المعالج (processor) باستدعاء البيانات من ذاكرة الوصول العشوائي (RAM). ويتم تشغيل البرامج والخوارزميات عبر ترجمة الأوامر إلى نظام العد الثنائي (binary numbers)، لتتحول البرامج والبيانات إلى سلاسل طويلة تتكون فقط من 0 و 1.
المشكل في الهندسة التقليدية للحواسيب أن عمل المعالج أو نقل البيانات بين الذاكرة والمعالج تكون عبر أسلاك، وكل سلك يحمل معلومة واحدة في كل مرة وهي 0 أو 1. لذلك عمل الباحثون على رفع أعداد الترانزيستور والأسلاك التي تربط بين المعالج والذاكرة على مراحل أهمها :
- معالج 32 بت
يقوم تصميم هذا المعالج على توفير 32 مركبة بيانات (Databus) الأمر الذي يجعله قادرا على الوصول إلى 2 مرفوعة إلى 32 عنوان في الذاكرة، أي تقريبا 4 جيجا بايت. لذلك عند تثبيت نظام تشغيل بنظام 32 بت، لا يستخدم المعلاج سوى 4 جيجا بايت، حتى وإن كان حاسوبك يحتوي على ذاكرة وصول عشوائي قدرها 8 جيجا بايت على سبيل المثال.
- معالج 64 بت
يحتوي هذا المعالج على 64 مركبة بيانات، الأمر الذي يمكنه من الوصول إلى 64 جيجا بايت. لكن حتى هذه المساحة تعتبر غير كافية خاصة على مستوى الخوادم (servers) والحواسيب الخارقة (supercomputers). لذلك احتجنا إلى فلسفة جديدة تحل محل الفلسفة التقليدية في هندسة الحواسيب.
الحاسوب الكمومي :
لا يعمل الحاسوب الكمومي بوحدة الـ بت التقليدية، بل بمفهوم مختلف تماما هو الـ كيوبت، وهي تعني نظاما مبنيا على حالتي التراكب والتشابك الكمي (Quantum Superposition و Quantum Entanglement). فإذا كان الـ بت التقليدي يحتوي على احتمالين في كل مرة هما 0 أو 1، فإن الكيوبت تحتوي على 0 و 1 في نفس الوقت.
ولنبسط الصورة يمكن أن نشبه الـ بت بدراجة قادرة على حمل شخص واحد في كل رحلة بين المعالج والذاكرة، بينما تصبح الـ كيوبت دراجة تحمل شخصين في كل رحلة. قد يبدو ظاهريا أن هذا يعني أن الـ كيوبت هي مجرد مضاعفة بسيطة للـ بت التقليدية، لكن الحقيقة أنها تعني 2 مرفوعة إلى عدد الـ بت التقليدية في كل مرة. وسنضرب مثالين بسيطين للتوضيح:
- وحدة واحدة :
1 بت تعني نقل رقم واحد هو 0 أو 1.
1 كيوبت تعني نقل معطيين في نفس الوقت : |0> = [0،1] و |1> = [1،0]
- وحدتان :
2 بت تعني نقل رقمين هما : 00، 01، 10، أو 11.
2 كيوبت تعني نقل 4 معطيات في نفس الوقت : |00> = [0،0،0،1] و |01> = [0،0،1،0] و |10> = [0،1،0،0] و |11> = [1،0،0،0].
“حاسوب كمومي يحتوي على 300 كيوبت، يستطيع إجراء بعض الحسابات أسرع من حاسوب كلاسيكي بحجم الكون”. الفيزيائي الإنجليزي ديفيد دويتش
هذه النظرة البسيطة لا تكشف كل شيء، لأن برمجة الحواسيب الكمومية مختلفة تماما عن نظيرتها التقليدية. فالتعامل مع الـ كيوبت باعتبارها الوحدة الأساسية لنقل البيانات، يمكن من استغلال حالات التراكب والتشابك الكمي للوصول إلى نتائج أسرع وبأقل محاولات من البرمجة التقليدية.
آفاق أرحب
من المنتظر أن تكون الحواسيب الكمومية حلا فعالا في مواجهة مشاكل عويصة، قد تعصف بالمستقبل التقني للبشرية على غرار :
- مشكلة الطاقة
يعتقد الكثير من الباحثين أن البشرية لن تكون قادرة على توفير الطاقة اللازمة للحواسيب عام 2040، عبر حساب معدلات انتشار الحواسيب والخوادم في العالم. لكن الحاسوب الكمومي يستطيع توفير كمية كبيرة من الطاقة لأنه لا يحتاج إلى أعداد قليلة من الـ كيوبت للوصول إلى نتائج يقوم بها الحاسوب التقليدي باعتماد مليارات الـ بت في كل مرة.
- التشفير (cryptography)
يحتاج حاسوب تقليدي إلى مئات السنوات للقيام ببعض عمليات التشفير، أو كسر شيفرة بعض الخوارزميات، لكن الخوارزميات المتعلقة بالحواسيب الكمومية تستطيع القيام بالمهمة في عدة ساعات فقط، الأمر الذي يجعل مفاهيم وخوارزميات التشفير قادرة على الوصول إلى مستويات كانت ضربا من ضروب المحال في الماضي القريب.
- المحاكاة (simulation)
محاكاة بعض التجارب الفيزيائية أصبح مهمة ضرورية لتقدم الطب والهندسة وصناعة الدواء وحتى في مجالات الطاقة النووية، لذلك تقوم المخابر العلمية بتطبيق عمليات محاكاة على الحواسيب الخارقة. هذه العملية المكلفة والطويلة، ستكون متاحة وسهلة التطبيق على الحواسيب الكمومية، الأمر الذي سيفتح مجالات جديدة في شتى العلوم. ويمكن تشبيه هذا التطور بنظيره الذي حدث بسبب انتشار شبكة الانترنات في العالم.
- برمجة أكثر نجاعة
البرمجة على الحواسيب الكمومية تحمل فلسفة مختلفة وأكثر نجاعة، لأنها لا تتعامل مع البيانات بطريقة خطية بسيطة، بل تتعامل مع البيانات بطريقة شمولية وذكية. فالحاسوب كمومي يحتاج على إلى الجذر التربيعي (√) من عدد المحاولات التي يقوم بها حاسوب تقليدي في عمليات البحث داخل قواعد البيانات. يعني إذا كان حاسوب تقليدي يحتاج إلى مليون خطوة للوصول إلى معلومة في قاعدة بيانات، فإن الحاسوب الكمومي يحتاج إلى 1000 خطوة فقط.
- الذكاء الصناعي
رغم قلة البيانات حول هذا المجال إلا أن جامعة كاليفورنيا تذكر أن عددا من الباحثين فيها، قد قاموا بتعليم حاسوب كمومي يحتوي على 1152 كيوبت طريقة التعرف على الأشجار من خلال صور الأقمار الصناعية، وقد كانت الحواسيب الكمومية أفضل بشكل طفيف من الحواسيب التقليدية. الأمر الذي يكشف تفوق الحواسيب الكمومية في مجالات التعلم الآلي.
خلاصة
الحواسيب الكمومية لم تعد مجرد بحث نظري، بل يتم اليوم استخدامها في المخابر البحثية لإدراك حجم قدراتها، ووفرص تطويرها. ومن المنتظر أن تكون العشرية القادمة مرحلة ميلاد حواسيب كمومية خارقة تعوض الخوادم التقليدية التي يتم استخدامها في المفاعلات النووية وفي معالجة البيانات الضخمة. ومن المنتظر أن يكون تطور الحواسيب الكمومية متزامنا مع تطور الذكاء الصناعي وهذا من شأنه أن يساعد على جعل الحياة أكثر رفاهة تقدما بمراحل في المستقبل المنظور.
add تابِعني remove_red_eye 36,096
link https://ziid.net/?p=13116