لماذا تعجز الحقائق عن تغيير معتقدات الآخرين؟
يصعب علينا في كثير من الأوقات أن نغير أفكارنا الشخصية ، ولكننا في نفس الوقت نشعر بالضيق إذا لم نستطع تغيير أفكار الآخرين وإقناعهم
add تابِعني remove_red_eye 91,100
“يمكن شرح أكثر المواضيع صعوبةً لأكثر الأشخاص محدودية في الذكاء شرط ألّا يمتلك أي معلومات مسبقة عنه، في حين أنك عاجز عن تغيير قناعة أكثر الرجال ذكاءًا بأبسط معلومة في حال كان لديه فكرة مسبقة عنها” الروائي الشهير ليو تولستوي . لطالما تساءلنا عن السبب الذي يدفع البعض لتصديق فكرة خاطئة (حتى حين تبدو الحقيقة واضحةً وضوح الشمس)! وربما تحمل هذه التدوينة بعض الإجابات ..
منطق المعتقدات الخاطئة
رغم أن اختلاف منظور الشخص للأشياء عن واقعها الحقيقي قد يعود عليه بالمتاعب أحيانًا، إلا أننا – كبشر – لا نهتم بالحقيقة قدر اهتمامنا بالانتماء. يقول الكاتب (جيمس كلير James Clear) في كتابه (العادات الذريّة – Atomic Habits):
“الإنسان كائن اجتماعي، يسعى نحو التماهي مع الآخرين ويبحث عن مساندة الآخرين وكسب احترامهم. هذه الميول الفطرية داخلنا ضرورية لبقائنا كجنس. بدليل اعتبار أسلافنا – ممن عاشوا ضمن قبائل – الطرد من القبيلة أشبه بتلقي حُكمًا بالإعدام!”
لا يختلف الأمر بالنسبة لنا كبشر نعيش في القرن الحادي والعشرين، حيث التواصل الاجتماعي بين بعضنا البعض أهمّ بكثير من إدراك الحقيقة في كثيرٍ من الأحيان. ألا نؤمن بالأمور الخاطئة – رغم معرفتنا بمجانبتها للصواب – فقط لنبدو (أشخاصًا صالحين) في أعين غيرنا؟ لا يفسرّ ذلك سبب ملازمتنا للصمت عندما يتحدث أباؤنا حديثًا عُنصريًا ضدّ عرقٍ أو فئة مجتمعية معينة فحسب، بل يكشف لنا أيضًا طريقة أفضل لتغيير معتقدات الآخرين. كيف؟ هذا ما ستحاول التدوينة الإجابة عليه.
الحقائق لا تغيّر آراءنا، لكن الصداقة تفعل!
تُشبه محاولة تغيير رأي أحدهم بحقيقة ما محاولتنا دفعه للانسلاخ عن (قبيلته)، فالتخليّ عن فكرة ما يتضمن المخاطرة بفقدان الروابط الاجتماعية. إذن، ما البديل؟ ببساطة عن طريق تكوين صداقات معهم ودمجهم ضمن (قبيلة) أخرى.
ينصح الفيلسوف البريطاني (آلان دي بوتون-Alain de Botton) أن نجلس إلى طاولة الطعام (قبل طاولة الحوار) مع من نختلف معهم، فيقول: “لتشارك الطعام مع المختلفين عنّا قدرة غريبة على نزع معتقداتنا المسبقة عنهم، فالقرب الذي يتضمنه توزيع الأطباق أو طلب مثل تمرير المملحة من الشخص (المختلف) يعطّل قدرتنا على التمسك بالاعتقاد بأن هؤلاء الذين يرتدون ملابس (غريبة) أو يتحدثون بلكنة (مميزة) يستحقون أن نطردهم من بلادنا أو نعتدي عليهم. بالنسبة لجميع الحلول السياسية واسعة النطاق التي تم اقتراحها لتخفيف الصراع العرقي، لا توجد طريقة أكثر فعالية لتعزيز التسامح بين المتشددين من إجبارهم على تناول العشاء معًا”.
وتحضرني هنا مقولة رائعة للرئيس الأمريكي (ابراهام لينكولن- Abraham Lincoln): “أنا لا أحب هذا الرجل، لذا عليّ التعرف عليه بشكلٍ أفضل”
طيّف المعتقدات
هل يبدو العنوان غريبًا؟ أكمل القراءة وسأشرح لك ما أقصده. قبل عدّة سنوات، طرح صديقي الكاتب (بِن كاسنوشا-Ben Casnocha) أمامي فكرة لم أستطع طردها من عقلي، حيث قال: إن الأشخاص الذين يُرجح أن يغيروا آراءهم، هم من نتفق معهم في 98% من الأمور! إذا كان هناك شخص (تعرفه/تحبه/تثق به) يؤمن بفكرة ما، فلا شكّ أنك ستؤيده فيها (حتى وإن كانت فكرة متطرفة!)، وتنطلق في ذلك من حقيقة أنكما متوافقان بالفعل، ولا مانع من تغيير رأيك في فكرة إضافية فحسب.
دعنا نعود لعنوان الفقرة المُبهم، ولنعتبر المعتقدات بمثابة تدرّج لطيّف لونٍ معين، فإذا قسمت هذا الطيف إلى 10 أقسام، وكنت في القسم #7، فستبدو محاولتك لإقناع شخص في القسم #1 محض جنون… فالفجوة بينكما واسعة! لكن ماذا عن الموجودين في القسمين #6 أو #8؟ ربما كنت قادرًا على التواصل معهم وسحبهم نحوك تدريجيًا.
لكنني أحتاج لإقناع شخص يبعد عنيّ درجات عدّة في الطيف! حسنًا! دعني أخبرك بسرٍّ صغير: كما تعلم فإن أي فكرة مختلفة عن رؤيتك للعالم ستشعرك بالتهديد، أليس كذلك؟ وأفضل مكان للتمعّن في فكرة (مُهددة) هي في بيئة (غير مُهددة). ونتيجة لذلك، فغالبًا ما تُعد الكتب (لا المناقشات) أفضل وسيلة لتغيير المعتقدات.
فالإنسان يكره أن يظهر بمظهر الأحمق أو الجاهل، لذا فعند مواجهة حقيقة مغايرة لما يؤمن به، يُسارع إلى التمسك بموقفه أكثر بدلًا من الاعتراف “علنًا” بأنه كان مخطئًا. في حين أن الكُتب تحلّ هذه المشكلة، لأن مناقشة الفكرة ستتمّ بينه وبين نفسه (لا على الملأ)، لذا فلن يشعر بالتهديد أو بحاجته للدفاع عن نفسه. هل عرفت الآن ما عليك فعله في المرّة القادمة لتصحيح فكرة ما عند أحدهم ؟ جيد :)
لماذا تدوم المفاهيم المغلوطة؟
هناك سبب آخر وراء استمرار المفاهيم المغلوطة في العيش داخل عقول الناس، ألا وهو: استمرارهم هُم في تداولها والحديث عنها. أي فكرة لا يتم التحدث عنها/كتابتها/تداولها… تموت، لا يمكن تذّكر الأفكار أو تصديقها إلا عند تكرارها. أشرنا منذ قليل إلى أن الأشخاص يكررون الأفكار للتأكيد على أنهم جزء من المجموعة. لكن كثيرًا ما يحدث العكس: حيث يكرر الشخص الفكرة بغية التعبير عن رفضه لها. لكن لا يمكنك قتل فكرة بمواصلة الحديث عنها، كلما تكرر تداول شائعة، كلما زادت احتمالية تصديق الناس لها.
دعنا نسمي هذه الظاهرة قانون التكرار:
عدد الأشخاص الذين يؤمنون بالفكرة يتناسب على نحو طردي مع عدد المرات التي تكررت فيها خلال العام الماضي – حتى إذا كانت الفكرة خاطئة. في كل مرة تهاجم فكرة سيئة، تقوم بإطعام الوحش الذي تحاول تدميره.
وكما كتب أحد موظفي تويتر:
في كل مرة تقوم بإعادة تغريد أو اقتباس تغريدة شخص يملك فكرة مرفوضة فأنت تساعده. لذا فأفضل مقبرة للأفكار المرفوضة هو الصمت حيالها. لذا من الأفضل قضاء وقتك في الدفاع عن الأفكار الجيدة بدلاً من محاولة تدمير الأفكار السيئة.
حرب الأفكار
أنا أعلم ما تفكر به ؛ هل من المفترض بي أن أترك هؤلاء الأغبياء ينشرون ترهاتهم؟
أنا لا أقصد أن لا فائدة من انتقاد الأفكار السيئة، ولكن عليك أن تسأل نفسك: لماذا تريد انتقاد الأفكار السيئة في المقام الأول؟ من المفترض أنك تفعل ذلك لأنك تعتقد أن العالم سيكون مكانًا أفضل بدون تلك الأفكار.
جيد، إن كان هدفك هو تغيير معتقدات الآخرين، فلا أعتقد أن انتقاد تلك المعتقدات سيصل بك إلى هدفك. كتب الكاتب الياباني اللامع (هاروكي موراكامي-Haruki Murakami) ذات مرة:“تذكر دائما أن الجدال، والفوز فيه، هو تحطيم واقع الشخص الذي تتجادل معه. من المؤلم أن تفقد حقيقتك، لذا كن لطيفًا، حتى لو كنت على حق”. عندما نكون ضمن جدال أو مناظرة، فغالبًا ما ننسى أن الهدف هو التواصل مع الطرف الآخر، والتعاون معه، وإقامة علاقات صداقة تجمعنا، ودمجهم في (قبيلتنا/جماعتنا). لذا من السهل أن تنفق طاقتك على تصنيف الناس بدلاً من العمل معهم. فأرجوك كُن لطيفًا أولًا .. وأخيرًا أيضًا.
add تابِعني remove_red_eye 91,100
مقال ممتاز وملهم يساعدك في تقبل الغير وامتلاك القدرة على تغيير معتقدات الآخرين خاصة الخاطئ منها
link https://ziid.net/?p=25994