التعصب: لماذا لا نتقبل الآخر (حتى لو كان يُشبهنا)؟
الشخص المتعصب هو من فقد القدرة على التفاعل مع أفكار الآخرين وتقبلها وتقبلهم هم أيضًا، المتعصب يعاني طوال الوقت
add تابِعني remove_red_eye 61,969
سامحه، فهو يعتقد أن عادات قبيلته هي قوانين الطبيعة. “جورج برنارد شو”.
حينما تدخل إلى نقاش ما -وما أكثر النقاشات هذه الأيام- وخاصة النقاشات التي ساقتها لنا وسائل التواصل الإجتماعي، تقابلك كثيرًا تلك الشخصية التي تتناقش معك من أجل إثبات وجهة نظرها حتى ولو كانت خاطئة، يريد أن ينتصر لمعتقداته لا للصواب، يرى الصواب بمنظوره الخاص ويرى الحكاية تقتصر أن يكون رأيه الصواب، وفي بعض الأحيان يكون معتقدًا أن رأيه الصواب لأن خلفيته التي يتحدث منها هي الأفضل والأصدق والأصح.
ربما يُصدم بعض أولئك الناس الذين يدافعون بحماسة إذا أخبرتهم أن تلك الآراء ليست آراءهم الخاصة بل آراء ذويهم، أو ديانتهم، أو صادرة عن طبقتهم الاجتماعية، وما يبثه الآباء والأمهات في أدمغتهم. يقول زياد الرحباني “بعد (5) دقائق من ولادتك سيقررون اسمك وجنسيتك ودينك وطائفتك، وستقضي طول حياتك تقاتل وتدافع بغباء عن أشياء لم تخترها”.
كيف تتكون الآراء؟
حينما نولد نكون مثل صفحة بيضاء، حينما نكبر قليلًا يبدأ الأب والأم بالكتابة، تنظر للحياة من النافذة التي يفتحانها لك، تعرف العالم والله والناس من خلالهما، من خلال ما يقولانه والذي هو بالطبع نتاج تجربتهما (التي لا تعرف بالضبط إذا كانت سيئة أو جيدة)، بعد ذلك تخطو أولى خطواتك إلى الشارع تتعرف على الأصدقاء تبدأ الكتابة على الصفحة البيضاء بألوان أخرى مختلفة، قد تغلب ألوان الوالدين وقد تشكل معها لوحة معقدة، تستقي الباقي من التلفزيون ووسائل الإعلام وتوجهاتها التي على الأغلب ترجع إلى توجهات والديك، تمضي في ما رسمه الآباء لك أو ربما تتمرد عليه في المنتصف.
تبدأ أنت في الكتابة بألوانك الخاصة والرسم والتلوين والخربشة، بعد ذلك تبدأ في القراءة والتوسع أو تنغلق على ذاتك وخبراتك فرأيك ناتج تلك التجربة الإنسانية، ولكن هل يعني ذلك أن تجربتك الإنسانية وحدها صائبة بينما تجارب الآخرين المختلفين عنك محض خرافة وهراء؟ بالطبع لا فكلّ منكما لديه تجربة خاصة به، وإن تشابهت التجارب فإنه من المستحيل أن تتماثل، فلا يوجد شخصان يمكن أن تكون تجربتهما واحدها، بل لا بد أن تختلف في نقطة ما.
أن ترى العالم من نظارتك
تجربتك الإنسانية تشبه النظارة، أما عيناك فأنت لا ترى الدين بمفهومها بل بمفهومك الخاص، فحينما تنشأ لأسرة متدينة تضع الدين في أولوياتها سيظل الدين في أولوياتك، وإذا نشأت لأسرة تدينها عادي لا يزنون أفعالهم بميزان الدين ستكون كذلك، بالطبع تلعب تجربتك الخاصة دورًا وخبراتك التي اكتسبتها بمحض إرادتك، المقصود هنا أننا لا نرى العالم من نفس الجهة، بل إن كل منّا ينظر إليه من خلال منظوره الخاص، وأنه لا توجد رؤية وحيدة صحية ولا رأي صواب دائمًا، فلا تستغرب من يختلف عنك، ولا تقلل منه لترضي غرورك الخاص، ولا تظن أنك صاحب الرأي الأصح والأصوب، فقط تجربتك تختلف بالكلية فلا داعي للتعصب.
ما هو التعصب؟
التعصب هو الاعتقاد أو التصرفات التي تنطوي على أخذ مواقف دون تمحيص بسبب الغِيرة وبحماس مفرط. يظهر المتعصب معايير صارمة للغاية وبتسامح قليل تجاه للأفكار أو الآراء المعارضة.
المتعصب هو ذلك الشخص الذي لا يقبل آراء مغايرة لرأيك بل يرى أنه هو الصواب دائمًا، ويتصل التعصب بالتطرف فالتطرف درجة من درجات التعصب، حينما تقتل أو تُقتل من أجل رأيك، أو معتقدك أو دينك أو أي رأي أو اتجاه تعتنقه. التعصب يدلّ على عدم النضج الفكري الكافي والذي يقتضي أن يعرف الشخص ويتقبل أن هناك آراء أخرى منافية لرأيه يجب عليه احترامها طالما أنها لا تمس معتقده، ولا تنال منه بسوء، فالعالم ليس مقتصرًا على فئة بعينها ولا بَشر بعينهم، بل العالم واسع وممتد ويحتوي الأطياف جميعها.
هل أنت شخص متعصب؟
طبقًا للمقال المنشور في موقع “Exploring Your Mind” بعنوان “7 Common Attitudes of Intolerant People” فإن هناك بعض الأسئلة التي أجبتها بنعم تكون لديك درجة من درجات التعصب وهي:
- هل ترفض الأشياء المختلفة؟
- هل تقول “لا” على الفور للأفكار الخارجية والغريبة، وينتهي بك الأمر وأنت تنظر إليها بازدراء؟
- هل تغضب عندما يبدو أن الأشخاص ذوي الآراء المختلفة لديهم المزيد من الفرص للتعبير عنها؟
- هل تعتقد أن كل شخص يجب أن يفكر بنفس طريقة تفكيرك؟
إذا أجبت بنعم فأنت تمتلك درجة من درجات التعصب، قم بمراجعة نفسك، لا يمكن للحياة أن تستقيم والجميع يعتنقون نفس الأفكار والآراء، فالحياة ليست بلون واحد وفي الطبيعة الكونية تكثر المتضادات ولا يوجد عالم بلا اختلاف، إنها الجنة أو المدينة الفاضلة التي لا وجود لها في العالم الواقعي.
ما صفات المتعصبين
- يعتقدون أن رؤيتهم هي الرؤية الوحيدة الصائبة والحقيقية، متطرفون حينما يعرضون وجهات نظرهم لا يتقبلون الآخرين ولا يتركون لهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم، إنهم يميلون إلى عدم القدرة على المجادلة أو مناقشة الأشياء دون تبني خطوط فكرية متطرفة.
- جامدون وغير منفتحون على الآخرين، يميلون للانغلاق على أفكارهم لا يحبون أن تتواجد الأشياء المختلفة عنهم في محيطهم، لأنهم يشعرون حينها بالقلق والتهديد.
- يشعرون بضرورة الدفاع عن أنفسهم ضد الأشخاص المختلفين أو الذين يفكرون بشكل مختلف، لذلك يقومون بتجميل أو اختلاق الأشياء، وتقديم النظريات كحقائق والتصرف على دراية بالموضوعات التي لا يعرفون عنها فى الواقع. لا يقبلون الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة وقد ينتقلون إلى الإهانة والنيل من الطرف الآخر أو حتى استخدام المغالطات المنطقية من أجل أن يربحوا النقاش، فلا مشكلة في إهانة الأشخاص، المشكلة الوحيدة أن يظهروا كأشخاص لا يعرفون أيّ شيء.
- أفكارهم سطحية، ينظرون إليك قائلين إما أنت معنا أو علينا، إما أبيض أو أسود، يمين أو يسار، ملاك أو شيطان، لا توجد لديهم نقطة وسط أو رؤية واسعة، إنهم لا يعرفون سوى طرفي الأمر، لا يمكنهم فهم مئات التعقيدات بالداخل، ولا ينتبهون سوى لأفكارهم.
- لا يعرفون التعاطف مما يسبب لهم الكثير من المشاكل الاجتماعية، إنهم محاطون دائمًا بأشخاص سلبيين، كما أنهم غيورون جدًّا يتحسسون لنجاح الآخرين وخاصة إذا كان هذا الشخص من الذين يخالفونه في الرأي، مما يجعله يشعر بزعزعة أمانه لأنه قدي يكون على خطأ.
إن التعصب في بعض الأحيان قد يفسر تزعزعًا داخليًّا أو اقتناعا غير كامل بما تتبناه، لأنك إن كنت ستصدقه بالفعل وتصدق قوته لن تخاف المخالفين ولن يمثلوا لك أي خطر، إن الأمر يشبه رد الفعل العكسي، أي أنك تشعر بأنك غير مقتنع فتظهر اقتناعًا شديدًا بما لديك.
ما الذي نفعله تجاه المتعصبين؟
إن أفضل ما نقدمه لأنفسنا أن نبعدها عن مجالاتهم، أن نتوقف عن محاولة نقاشهم أو الجدال معهم، لن يرى المتعصب أنك تحاول المساعدة أبدًا، إنه يراك خطرًا، محتلًّا يريد أن يزحزحه عما يعرفه وأن يبدأ في إعادة هيكلته؛ لذلك وتجنبًا لنفاد طاقتك أو شعورك باللاجدوى توقف عن الرد على المتعصب أو مناقشته، لأنه وبكل صدق لا فائدة الأمر يشه حرث الماء وهل يحرث الماء أحد؟
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 61,969
لما ترى أن كل من حولك لا يفهمون أي شيء، بينما أنت الوحيد الذي يعرف كل شيء؟
link https://ziid.net/?p=67438