لماذا نخاف من المجرمين؟
إن أحسن رئيس للسجن هو بالضبط من لا يحس في حضور المجرمين بأي انفعال. فالزائر الشجاع يفرض احترامه على المجرمين
add تابِعني remove_red_eye 2,365
دوما عندما يطرأ لفظ المجرم أو السجين، تأخذ نفوسنا في نسج صورة لضخم غليظ جبار، لا تطرف عينه الجاحظة، يسل السكين، ويقتل بلا قلب. فيرتعب الناس. وتخبّأ الأمهات أطفالها، وتصك الدكاكين والشبابيك أبوابها. ويفر كل بما يحمل. لكن هل هذا صحيح؟ وهل يستطيع أي مجرم بسهولة هكذا أن يقتل؟ وهل يرى القاتل في الناس شيئًا يجذبه لنفيهم عن الحياة؟ يقول دستويفسكي في روايته مذكرات من البيت الميت على لسان الرجل النبيل ألكسندر بيتروفيتش الذي قضى عقدًا من الزمان في السجن: ومهما يكن، أوكّد أنه لا داعي للخوف من السجناء. فلا إنسان ينقض على شبيه بمثل هذه السرعة والسهولة.
التصور الخاطئ
في بداية وجود ألكسندر في السجن، كانت أية مشاجرة باللسان يتوقع أن تقوم حرب بسببها. كان يرى مجرمين وُدَعاء لطاف فيعجزه أنهم قد قتلوا وسفكوا الدماء. كان يسمع مجرمين وهم يتباهون بجرائم فظيعة دون أي إحساس بالذنب، فيتصور القائل شريرًا جبارًا حديدي الطبع. كما نرى فهذا لأن تصور المجرم المعروف، هو كان ما يطرأ على ذهنه دومًا.
ابتعد، سينقض عليك
هذا التصور يجعلك دائمًا في حالة خوف وقلق وضعف في حضرة المجرم. فيقول بيتروفيتش: كل أولئك الذين ليسوا سجناء، سواء من جنود الحرس أو من الموظفين، كانوا ينظرون إلى السجناء من نظرة خاطئة مغالية، ويتوقعون أن ينقض عليهم السجناء، بسكين، لأسباب تافهة، بمجرد أن يقولوا لا أو نعم.
انتفاخ المجرم
يقول بيتروفيتش: كان السجناء الذين يدركون تمامًا الخوف الذي يبعثونه في النفوس، يظهرون نوعًا من العجرفة والتكبر. قلت في المقال السابق “المجرمون ليسوا إلا أطفالًا كبارًا” إن الجريمة معبر عن ذات المجرم، هي عمله الذي يزيده رغبة فيه إعجاب الناس به، وإعجاب الناس به هو رعبهم وضعفهم وأنهم لا شيء أمامه.
ليس كل قاتل سيقتل
المدة التي عاشاها ألكسندر في السجن مع المجرمين جعلته يغير هذا التصور الخاطئ. فيقول: قد غيرت نظرتي بعد ذلك حتى نحو القتلة الأشد رهبة. ثمة أناس لم يقتلوا أبدًا، ولكنهم أشرس من الذي سفكوا دم ستة أشخاص. ويقول عن شخص يسمى لوقا كوزميتش: رغم أنه كان قد قتل ستة أشخاص، فلم يكن يخاف منه أي أحد في السجن. ولو أنه ربما كان في قرارة نفسه يريد أن يعد رجلًا مخيفًا.
رجل مضطهَد
يقول بتروفيتش: نموذج القاتل الذي يصادف في كثير من الأحيان هو التالي: رجل يعيش حياة هادئة وساكنة، ولكن قدره قاس، فهو يتألم. إنه خادم لدى سيد مضطهد ظالم. وفجأة هذا المسكين يحس بشيء يتمزق داخله: ولا يطيق صبرًا، فيغمد سكينه في صدر مضطهِده.
بركان كبت سنين
يكون هذا المضطهد بعد جريمته في حال فوران يقتل فيها أي أحد، رغبة في القتل ليس غير. لأجل كلمة لم ترضه، أو نظرة لم تعجبه، ليجعل عدد قتلاه شفعًا، إنه يتصرف مثل رجل سكران. وعندما يتجاوز الحد المرسوم يذهل هو نفسه من ألا يبقى شيء مقدس بالنسبة إليه، إذ يتعدى كل شرعية، ويتحدى كل سلطة، ويتمتع بحرية خلقها لنفسه طافحة دون حدود، ويلتذ بارتجاف قلبه، وبالرعب الذي يحس به. ويعرف مع ذلك أن عقابًا رهيبًا ينتظره.
التخلص من الألم دفعة واحدة
إن إحساساته ربما هي ذاتها مشاعر إنسان ينحني من أعلى برج على هوة فاغرة فاها عند قدميه، فيتمنى أن يلقي بنفسه ورأسه أولا فيها، حتى يتخلص من الأمر بأقصى سرعة. كلما اضطهد أكثر من قبل، كلما تغندر وتبختر، موحيًا بالرعب. هذا اليائس يجد لذة في الخوف الذي يحدثه في الناس، ويسعد يما يبعثه من اشمئزاز في النفوس.
انتفاضة بائس
وإذا بالرجل يهدأ فجأة، ويغدو خرقة بلا أهمية. وأثناء تنفيذ العقوبة، ينهار ويطلب العفو، وحالما يدخل إلى سجن الأشغال الشاقة، يصبح شخصًا آخر تماما، ولا يمكن لأحد أن يتصور حين يراه أن هذه الدجاجة المبتلة قد قتل خمسة أشخاصًا أو ستة.
الحل دائمًا هو الهدوء
يقول بيتروفيتش: إن أحسن رئيس للسجن هو بالضبط من لا يحس في حضور المجرمين بأي انفعال. فالزائر الشجاع يفرض احترامه على المجرمين. كما قال دستويفسكي فليس بسهولة حقًّا قتل إنسان لإنسان. حتى العربجي الذي يسكن حارتكم ويسبب الرعب في الذهاب والإياب، في الغالب إطار قتله محدد. فالمهم في كل الأحوال أن تظهر هادئًا. وأظنك قد سمعت الحكمة تقول: إياك أن تجري من الكلب.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 2,365
مقال مثير حول المجرمين والسجناء
link https://ziid.net/?p=83506