متى سننظر للأوبئة والتاريخ نظرة إنسانية؟
يمكن للأوبئة والتاريخ أن يكونوا سلاحا يصوب نحو القلوب لتشعر مرة أخرى، فعلى الرغم من سوداوية الأمر إلا أنه يكشف أيضًا نقاء القلوب
يمكن للأوبئة والتاريخ أن يكونوا سلاحا يصوب نحو القلوب لتشعر مرة أخرى، فعلى الرغم من سوداوية الأمر إلا أنه يكشف أيضًا نقاء القلوب
add تابِعني remove_red_eye 9,613
سيبدو الأمر وكأنه مقال علمي، ولكنه ليس كذلك. إنني هنا اليوم للتحدث عن حدث ليس بالفريد في تاريخ البشر، ولكنه جديد على الأجيال الحديثة. ندرس التاريخ ولا نفكر أننا يومًا سيتم تدريس حياتنا في التاريخ.
درسنا الطاعون على سبيل المثال والجزام أيضًا، كنا نفكر كيف عاشوا من سبقونا في هذا الرعب الجماعي؟ كيف ستشعر عندما يطرقون بابك لأخذ زوجك أو أمك لأنها مصابة؟ كيف ستشعر عندما تراهم يتألمون ولا يوجد علاج؟ فقط الخرافات التي لا تُغنيك عن الألم؟
تظل بعيدًا عن الجميع، تلزم بيتك، تتوارى عن الأنظار لو كنت مصابًا حتى لا يأخذوك لتلك المشافي خارج حدود المدينة لكي لا تُعدي غيرك ولتمت وحدك محاصرًا بالصحراء والمرض والألم والوحدة. كنا ندرس التاريخ بعيدًا عن أي نظرات إنسانية، بعيدًا عن أي تفاصيل شخصية. فقط إحصاءات ومعلومات.. كيف تخلصوا من الجثث، متوسط الإصابات، ماذا فعل الحكام، كيف انتقل المرض للمدينة وكيف خرج منها؟ كيف تعامل الأطباء والمشافي مع تلك الأوبئة الكاسحة والمميتة؟
ندرس في التاريخ أيضا كيف ساهمت الحروب في انتشار الأنفلونزا الإسبانية، كيف كانت تصيب الشباب في الأغلب لأنهم هم من كانوا في الحرب وتعرضوا للتجمعات في الحرب العالمية الأولى في أوروبا والعالم .. لم ندرس كيف شعر هؤلاء الشباب الذين تركوا أهلهم وذويهم لكي يدافعوا كما قيل لهم عن الوطن. كيف أذهب لأدافع عن الوطن وأقتل بشرًا مثلي لأجد فيروسًا لا يرى بالعين المجردة يقضي عليّ وعلى عدوي؟
قدرت الإحصائيات اللاحقة لتلك الفترة أن الإنفلونزا الإسبانية قامت بإصابة حوالي (500) مليون شخص، ومن (50) لـ (100) مليون وفاة، تلك الأعداد عادلت ضعف من ماتوا بسبب الأسلحة في تلك الحرب القائمة، أيْ: الحرب العالمية الأولى، أيْ: إن الفيروس كان فتاكًا أكثر من الحروب.
لنذكر العديد من الجائحات التي أصابت العالم مثل الطاعون الأَسود الذي أصاب مصر في الثلاثينيات، والذي أدى لترك الجثث الموتى المصابين في الشارع لعدة أسباب منها أنه لا أحد يريد أن يصاب بالعدوى، كما أن الطاعون أخذ أكثر مما ترك، فالجثث كانت أكثر من أن تُزاح من الطريق، نفذت الأكفان من الأسواق، وأصبح الدفن خارج أسوار المدينة دون تكفين أو صلاة.. كانت حالة ذعر تخطت الدين والإنسانية.
هل وقفنا للحظة لندرك كيف عاشوا من سبقونا في تلك الحالة؟ المجاعات والأمراض و الأوبئة، وكيف رأوا جيرانهم وأقاربهم وهم يفنون ويُلقى بهم في الطرقات أو الصحراء؟ عندما تُصاب أنت لتجد الكل يبتعد عنك سائلًا إياك الرحيل للجوع والوحدة لكي لا تُؤذي بقية العائلة.. تلك اللحظات التي نقرر فيها أن الفرد يجب أن يفنى من أجل الجماعة، وأن الأسرة يجب أن تفنى من أجل المبنى وأن المبني يجب أن يفنى من أجل المدينة.
ديسمبر (2019م) فوجئنا بمدينة صينية هادئة “ووهان” تعلن بكل حذر أن هناك مرضًا ينتشر، تتشابه الأعراض مع نزلات البرد العادية، ولا خطر ولا خوف فسيتم دراسة الحالات التي أصيبت في مكان واحد، سيتم احتواؤه.. فقط انتبهوا واطمئنوا. ثم بعد قليل، نعلم أن السيطرة المزيفة على المرض غير موجودة وذلك بسبب الاستهانة بالفيروسات أو أن غرورونا البشري هو ما صور لنا أننا المسيطرون. نكتشف أن الفيروس من عائلة الكورونا تلك العائلة الكبيرة التي جربناها في سارس وميرس من قبل.
تم إعلان إنذار طوارئ في العالم أجمع على اعتبار أن فيروس “كوفيد_19” جائحة.. كالطاعون والجدري والإنفلونزا الإسبانية، وأنه يجب الحذر من الأعراض. في البداية، لم يصدق العالم، الجميع أعتقد أن الفيروس في الصين سيظل في الصين، لم ينظر أحد للتاريخ، لم يتذكر أحد كيف خسر من سبقونا المعركة من قبل. ثم في بداية عام(2020م)، نجح كورونا في لفت انتباه العالم، فقد تم عزل العالم بعضه عن بعض. كل دولة قد أغلقت الدخول إليها أو الخروج منها، كل منزل قام بفقد شخص عزيز، كجار أو حبيب أو أب أو زميل في مشفى، ازدادت الإصابات، حل الذعر العام وتم منع الناس من الذهاب للعمل أو الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى.
الذعر الحقيقي الذي كنا نقرأ عنه في التاريخ، ولم نشعر به يومًا، وكنا نأخذه على أنه مجرد ماض بعيد لن يتكرر، تكرر بمأساة.
تلك كانت بعض النتائج وليست كلها، فكيف كانت حياتك أثناء الحجر الذي يمكن أن يعود؟ ففي مصر هناك بعض الفئات الدراسية التي بعد أيام من بداية العام الدراسي يفكرون أن يعيدوهم للمنازل وإغلاق المدارس مرة أخرى.
هل نظرت لما أنظر إليه الآن قارئي العزيز؟ كل ما قرأناه في التاريخ يُعاد، ولكن الفرق يمكن أننا نعيشه الآن كحاضر ننظر له كبشر تشعر، تفقد، تخاف، وليس كإحصائيات وأمراض ونتائج وأسباب.
لكن ليس لي الحق أن أذكر الجوانب السلبية فقط دون الإيجابية! فمثلًا في مصر وإيطاليا.. خرج العازفون للشرفات للعزف وتشغيل الموسيقى بل وعزفها بصوت عالٍ يصل لمن هو في عزل منزلي أو حجر منزلي .. بمضمون أنك لست وحدك، فنحن بشر توحدنا الموسيقى والحضارة. انتشرت مقاطع الموسيقى في جميع وسائل التواصل الاجتماعية وقام بمشاركتها العديدون تحت مسمى الإنسانية والحب مهما كانت الظروف.
الفتاة التي ذكرتها في بداية المقال، تلك التي لم تجد الحفاضات، قد أرسل لها الكثيرون من الناس حفاضات ومجانًا، تكفي طفلها أكثر من شهر.
الأوبئة تظهر التناقضات بداخل البشر، فكما انتشر الشر والذعر، ظهر من هم يعلمون الناس العزف في الشرفات، أو يقومون بتهدئة الأجواء عبر فيديوهات مطمئنة من خلال حالات نالت الشفاء السريع. تلك هي البشرية وذلك ما سيسطره التاريخ عنا وعن تلك الفترة وعن ذلك الوباء، فهل سيشعر اللاحقون بنا أم سنكون مجرد إحصاءات؟
add تابِعني remove_red_eye 9,613
زد
زد
اختيارات
معلومات
تواصل
الإبلاغ عن مشكلة جميع الحقوق محفوظة لزد 2014 - 2025 ©
أهلاً ومهلاً!
10 مقالات ستكون كافية لإدهاشك، وبعدها ستحتاج للتسجيل للاستمتاع بتجربة فريدة مع زد مجاناً!
المنزل والأسرة
المال والأعمال
الصحة واللياقة
العلوم والتعليم
الفنون والترفيه
أعمال الإنترنت
السفر والسياحة
الحاسوب والاتصالات
مملكة المطبخ
التسوق والمتاجر
العمل الخيري
الموضة والأزياء
التفضيل
لا تكن مجرد قارئ! close
كن قارئ زد واحصل على محتوى مخصص لك ولاهتماماتك عبر التسجيل مجاناً.
كيف للأوبئة والتاريخ أن يكونوا سلاحًا يصوب نحو القلوب لتشعر مرة أخرى؟
link https://ziid.net/?p=72121