خطر الانحياز الفكري على الوعي
التمسّك بآرائك وأفكارك المسبقة التي قد تكون مكتسبة لا أكثر أشبه بحاجز قد يحدّ من مستوى وعيك ويعيق طريقك نحو التقدّم.
add تابِعني remove_red_eye 1,636
غالبًا ما كنت أشعر بالاستياء عند قراءة كتاب يحتوي على أفكار تتعارض مع أفكاري أو عبارات واقتباسات لا تدعم آرائي وقناعاتي، شعور بالاستياء للدرجة التي ترغمني على التوقف عن إكمال القراءة، إلى أن بدأت أتعمّد أن أذكر نفسي قبل قراءة أي كتاب وعند كل مرة أشعر فيها بهذا الصراع الفكري بأنه ليس بالضرورة أن يؤثّر رأي الكاتب على رأيي، لا بأس أن اطّلع على ما يناقض آرائي وأفكاري بل ومعتقداتي أيضًا وأحتفظ وأتمسك برأيي، ألقي نظرة على آراء مختلفة من باب المعرفة لا أكثر، لأطمئن حينها وأكمل القراءة بعقل متفتح ومتقبل لكل اختلاف يواجهه.
المدهش في الأمر عندما ألاحظ أن في تلك السطور نسبة من المصداقية والعقلانية التي قد تجعلني أعيد النظر لتنقيح فكرتي عنها أو رأيي السابق، وكأنها تكشف لي جانبًا آخر لشيء ما كنت أنظر له من زاوية مختلفة تمامًا، إنه الانحياز الفكري. وهذا مثال واقعي يجسد فيه خطورة هذا الانحياز الذي قد يقيّد ويحد من مستوى الوعي لديك.
وهو ميل عقلك نحو سماع المعلومات التي تؤكد أفكارك المسبقة أو فرضياتك وقناعاتك فقط، بغض النظر عن كونها صحيحة أوْ لا، ممّا يؤدي للحكم على الشيء من منظور واحد قد يصدر عنه قرار غير دقيق.
قد يتضح لك الانحياز الفكري أيضًا في أغلب الأشخاص الذين يؤمنون بحقيقة الأبراج وصفاتها بسبب التفاتهم نحو بعض الصفات التي تتفق معهم وتجاهلهم لتلك التي لا تتفق معهم بالرغم من وجودها، ولو اطلعوا قليلًا على الأدلة التي تنفي صحة صفات الأبراج لكانت كفيلة بتغيير نظرتهم، ولكن وبعد حواراتٍ عدّة دارت بيني وبين أشخاص متعصبين لحقيقة الأبراج أيقنت أنهم يتعمدون تجاهل البحث وراء المعلومات التي قد تضعف تلك الأفكار أو تعارضها، وميلهم لقراءة ما يتوافق مع صحة معلوماتهم السابقة وتبريرها فحسب.
وفي عالم السوشيال ميديا تتفاقم المشكلة عندما ينخدع الأفراد بمجرد أن يستمعوا لآراء نخبوي مشهور ويتبعوه في رأيه بدون أدني تفكير، بسبب انحيازهم لأن شهادته الجامعية التي حصل عليها من جامعة مرموقة وشهرته الواسعة كفيلة بصحة رأيه، والأمثلة لا حصر لها، وقد تتضح لك في أبسط المواقف والحوارات اليومية.
والآن، هل تعتقد أنك منحاز لأفكارك المكتسبة وآرائك المسبقة؟
الحقيقة أن كل شخص منّا فيه نسبة من هذا الانحياز قد تتفاوت من شخص لآخر وهو جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية، ولكن وعيك به وبطريقة تفكير عقلك قد يجعلك مرنًا أكثر ومتقبلًا للاختلاف ويجنبك شخصنة كل من يتعارض مع آرائك لعلمك المسبق بوجود هذا الانحياز، ولأن العقل يخضع لقيود قد تعيقه عن رؤية الأشياء بشكل محايد أحيانًا.
خطوات تساعد في التخفيف من حدة الانحياز الفكري
- كن مرنًا عند سماع أي معلومة قد تخالف ما تعرف ولا تستعجل برفضها قبل استيعابها جيدًا والتأكد منها. “كلامنا هذا رأي، فمن جاءنا بخيرٍ منه تركنا ما عندنا إلى ما عنده”.
- رافِق أصدقاء مختلفين عنك، فـتقبّل الأصدقاء بمختلف شخصياتهم وأفكارهم وعاداتهم يخفف من حدة الانحياز كما أنه يوسع مداركك ويزيد اطلاعك على أمور بعيدة عن محيطك الشخصي، تشعر بأن لديهم ما ليس لديك ويرون من غير زاويتك.
- إن كنت محبًّا للقراءة فلا تكتفي بقراءة ما تحب فقط وما يدعم أفكارك المسبقة ويتوافق مع آرائك ونظرتك للحياة، جرّب أن تقرأ فيما يخالف هواك، اقرأ آراء تتحدى آراءك، أفكار تناقض أفكارك.
- كن واعيًا بعقلك وتذكر أن العقل يميل لتذكّر أشياء تدعم فكرته، على سبيل المثال عندما تكون غاضبًا من شخص ما فإن العقل في هذه اللحظة يميل لتذكر واستحضار كل مواقفه السيئة المشابهة، ويتجاهل كل المواقف الجيدة.
- الإنسان دائمًا ما يبحث عن المعلومات التي تؤكد وجهة نظره وانطباعه المسبق، فعندما تبحث عن شيء ما، اطلع عليه من جوانب عدة لكي تستطيع أن تكون محايدًا في الحكم، كأن تريد أن تقتني منتجًا معينًا وأنت تعلم أن هذه الشركة سمعتها جيدة، فلا إراديًّا وأنت تبحث سينحاز عقلك تجاه كل من يؤيد ويطرأ على هذا المنتج ويتجاهل التعليقات السلبية.
وأخيرًا.. أختم مقالي بمقولة للشافعي -رحمه الله- تتجسد فيها مفهوم الانحياز بشكلٍ واضح. “عين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا”.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 1,636
مقال مهم حول مرونة الفكر وتجنب الانحياز للأفكار المسبقة
link https://ziid.net/?p=80223