أنا نسوية غاضبة، وهذا شيء جيد
اليوم، أنا دائما ما أكون في حالة دفاع في أي وقت يتحدث فيه رجل في الشارع إليّ وهذا يجعلني حزينة بعض الشيء أفتقد نفسي التي كنت عليها
add تابِعني remove_red_eye 4,034
“النسوية الغاضبة” هي التجسيد الحديث للساحرات والنساء الهيسيتريات في الماضي. فهي مُحتقرة من قِبَل المدونات الإلكترونية لليمين البديل وتُعامل باستخفاف من قبل العديد من الأشخاص ذوي النوايا الحسنة الذين ألتقي بهم خارج عالم الإنترنت، أصحاب عبارات ” أنا لست متحيز جنسيًّا كما تعلمين”. مثال نموذجي لكونك أحد هؤلاء “الرجال اللطفاء” الذين يصرّون على جملة “أتفق معكِ” ولكن “لماذا يجب عليكِ أن تكوني غاضبًة لهذه الدرجة؟ إنه يجعل الرجال غير المتحيزين جنسيًّا مثلي غير راغبين في دعمك، في حين أنني حقًّا أقف في صفك”.
هو لا يقف في صفكِ، إنه حقًّا ليس كذلك. فمن خلال انتقاد النسويات لغضبهن، فهو ينتقد النساء لخروجهن عن قاعدة جندرية، وهي القاعدة التي تنصّ على أن النساء يجب أن يكن لطيفات ومبتسمات وألا يحترقن من الغضب. إنه يُعرِّف غضبنا على أنه: (أ) غير شرعي. و (ب) ممتع، بينما هو في الحقيقة عكس ذلك تمامًا. لقد رأيتم الإحصائيات وتعلمون أن هناك الكثير من الأسباب المشروعة التي تجعل النساء غاضبات من المجتمع. لكن السؤال الحقيقي ليس لماذا النسويات غاضبات ولكن لماذا، على الرغم من كل ذلك، لا يزال الغضب أمرًا صعبًا للغاية. فلا شيء في تربيتي كفتاة ودودة ولطيفة وأنثوية أعدّني بالضرورة أن أكون شرسة.
بدأت أتعرض للتحرش الجنسي بشكل منتظم عندما انتقلت إلى باريس في سن الثامنة عشر، ووجدت نفسي في مدينة تتعرض فيها النساء للتحرش الجنسي في الشوارع باستمرار. كان الأمر مريبًا ومزعجًا بل ومخيفًا في كثير من الأحيان، لأنك إذا تجاهلت ذلك فكثيرًا ما تتعرض للإهانة، وإذا تعاملت معه فقد تتعرض للتهديد أو الملاحقة. وكما قُلت لا شيء في نشأتي كفتاة ودودة ولطيفة وأنثوية أعدّني بالضرورة أن أكون شرسة، ولم يكن لدي أي اهتمام بأن أصبح كذلك. فقد أحببت كوني رقيقة وودودة، كان ذلك ما كنت عليه، وأردت أن أتجول بلا خوف وأن أبتسم للغرباء وأدردش مع أناس عشوائيين في الشارع، دون أن يُنظر إليّ على أنني قطعة من اللحم، دون أن يتتبعني أحد أو يهددني أو يلمسني.
اليوم، أنا دائما ما أكون في حالة دفاع في أي وقت يتحدث فيه رجل في الشارع إلى وهذا يجعلني حزينة بعض الشيء. أفتقد نفسي التي كنت عليها ولكن بما أنني لا أملك خيار المضي قدما في هذه الحياة دون التعرض لمواقف متحيزة جنسيًّا، فإن خياراتي الوحيدة هي إما مواجهة العنف بالصمت والشعور بالعجز، أو مواجهة العنف بالغضب.
لفترة طويلة كنت غاضبةً من نفسي، وكنت أسامح الرجال بشكل لا متناهٍ. عندما كان الأولاد الذين واعدتهم قساة ومتحفظين، أخبرت نفسي أنني متطلبة للغاية. عندما غازلني الرجال في الشارع والعمل، فذاك أمر ليس بالغريب فالرجال هم الرجال، وعندما أدلي لزملائي في العمل بتعليقات متحيزة جنسيًّا كانت تلك مجرد نكات، وعندما علّق أحد المقابلين على فتحة صدري أثناء مقابلة عمل كنت متأكدة من أن ذلك لم يكن ما قصده. وعندما لم يسأل الرجال موافقتي وتجاوزوا الحدود فلا بد أن ذلك كان بسبب أنني لم أوضّح الأمر بما فيه الكفاية، وأعني، لقد كانت حفلة، وكنت أرتدي ملابس فاضحة.
لقد قمت بمراقبة سلوكي لأن هذا هو ما تعلمت فعله. في المرة الأولى التي شعرت فيها بالخزي والعار، كنت في الخامسة من عمري. قبّلت حبيب طفولتي أمام الملعب بأكمله، عندها جاء إليّ أحد المعلمين وقالي لي باستياء: “إذا قبّلت الكثير من الأولاد في صغرك، فلن يرغب أي منهم في تقبيلك عندما تكبرين”.
النسويات متهمات بالغضب كما لو كان الأمر سهلًا، في حين أن الأمر يستغرق سنوات للتوقف عن قبول السلوكيات المتحيزة جنسيًّا، والتوقف عن لوم نفسك والبدء في لوم المجتمع. يستغرق الأمر سنوات من القراءة والتعلم والتخلص من جميع ردود الفعل التي نشأنا عليها. إنه يعني تعلم طرق جديدة للحديث، وطرق جديدة للتصرف، وطرق جديدة للتحرك في هذا العالم. عليكِ أن تبتكري هوية جديدة كاملة لنفسك كشخص ليس فقط لطيفًا ورقيقا ولكن أيضًا شرسًا وغاضبًا. وهذا يعني التحرك بشكل أعمى نحو هذا الشخص الجديد، لأنكِ لم تَرَيْ العديد من نماذج يحتذي بها لنساء غاضبات بحق، يحققن أشياء بغضبهن. ليس أنهن لم يكن موجودات بالطبع لا، فقط هن لم يحولن ذلك إلى ثقافة شعبية.
ثمار هذا العمل مُرّة أكثر من كونها حلوة، لأن الغضب ليس ممتعًا. أن تكوني غاضبًة يعني عدم القدرة على السماح للتعليقات والسلوكيات المتحيزة جنسيًّا بأن تمر مرور الكرام، وهذا يعني أنه بالإضافة إلى مواجهتكِ للعنف عليكِ أيضًا أن تجدي الطاقة للتحدث عما تعرضتِ له. إنه أمر ينطوي على محادثات طويلة وغير سارة مع الرجال وأحيانًا النساء الذين يتوقعون منكِ أن تعملي مجانًا على تثقيفهم بالمبادئ الأساسية للنسوية حتى لو رفضوا بعد ذلك حججك -المبنية على قراءة موسعة ومفرطة لمقالات وكتب ودراسات متعلقة بالقضايا الجنسانية- ومواجهتها بأفكارهم النمطية التي تفتقر إلي العقل وبعض الاستنتاجات المبهمة من تجاربهم الشخصية.
أن تكوني غاضبًة يعني الاضطرار إلى توضيح الحقائق الصعبة للأشخاص الذين تحبينهم، وهذا يعني نقل الأخبار السيئة إليهم بأنهم أيضًا متحيزون جنسياً. إنه يعني خوض محادثات صعبة وأحيانًا الشعور بخيبة أمل من أصدقائك وأحيانًا أخري فقدانهم. إنه يعني أنه يجب عليكِ التوقف عن الدفاع عن صديق إذا اتهم بالعنف الجنسي، حتى لو كان ذلك مفجعًا لكِ، حتى لو كنتِ تريدين حقًّا تصديق أنه ما كان ليفعل ذلك أبدًا. نحن النسويات متهمات بكره الرجال ولكننا في الحقيقة نحب الرجال، وخاصة الرجال الموجودين في حياتنا، ويتطلب الأمر الكثير من الجهد للتوقف عن مسامحتهم.
من الصعب أن تصبح غاضبًا وأن تكون غاضبًا هو بصراحة أمر مرهق. لكن لا تطلب مني التوقف، لأنني لن أفعل؛ لأن المرأة محقة في أن تغضب. ولأن النساء الغاضبات هن اللواتي انتزعن لنا حقوقنا.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 4,034
مقال مثير وملهم ومؤثر عن النسوية
link https://ziid.net/?p=86095