كيف تسيطر على حياتك بعد أن تُفسد التحديات خططك؟
الحياة هي طريق طويل مليء بالعقبات، فإذا لم تنتبه للإشارات ستحيا بين الصدمات
add تابِعني remove_red_eye 29,562
البشر ينظرون للحياة باعتبارها مجموعة من الأحداث غير المتوقعة، والتي تفاجئهم وتفسد عليهم الخطط التي وضعوها لأنفسهم؛ لكن الحقيقة هي أن القدر هو من يفاجئهم ليغير مصائرهم؛ لكن مع الأسف أغلبنا ينظر للأمور بنظرة سلبية ويستاءون من تحول مسار حياتهم حتى إذا كان هذا التحول سيرسلهم لوجهة أفضل. في السطور القادمة سأخبركم بالتحديات التي واجهتها، والتي غيرت تمامًا مسار حياتي وأفسدت كل خططي، وكيف تقبلت التغيير بمرونة، وقلبت الأمور لصالحي:
الصحة والمرض
حدثتكم من قبل في مقالة سابقة أن دكتورًا شهيرًا بمنطقتي شخّص حالتي خطأً على أنها “ثلاسيميا”؛ بعد أن أصابني إعياء شديد حينما بلغت عامي الثالث، واكتشفت الخطأ الذي ارتكبه بعد عذاب سيزيفي مررت به حتى وصلت عامي الثاني في الجامعة، الآن أتعلمون كيف غيّر هذا الخطأ حياتي؟ كان هذا المرض نعمة وليس نقمة؛ فكثيرًا ما أتخيل حياتي بدونه، وأقول ربما كنت سأعاني أقل، ربما كنت سأحظى بطفولة أروع وحياة أجمل بعيدًا عن رؤية الدماء ورائحة المستشفيات؛ لكن في الواقع أن كل هذا لا قيمة له أمام ما حصلت عليه بسبب هذا المرض.
أولًا: أصبحت شخصية متدينة أكثر من أخوتي، لم أكره أحدًا حتى الآن لأني مقتنعة أن البشر لا يستحقون الكره؛ فكُلٌّ منا لديه معاناته الخاصة لهذا اختفي شعور الكره بداخلي وأخذت الشفقة مكانه؛ فبالتالي لم أُسِئْ معاملة أحد، وفي المقابل تصرف معي البشر بالمثل وبادلوني نفس مشاعري نحوهم.
ثانيًا: تغيرت اهتماماتي ونضجت شخصيتي أسرع من أقراني، أصبحت أراعي شعور الآخرين، أعشق الدراسة وأهوى أيّ عادة مفيدة ومبدعة، تعلمت أن أتخلص من وحدتي ومشاعري السلبية عن طريق الرسم والتلوين والكتابة، وأهم من كل هذا تعلمت قيمًا جديدة وأهمها “قيمة الامتنان”، فحتى الآن أفكر في كل من تبرع لي بدمه وأدعو لهم، علي الرغم أني لم أتعرف عليهم أبدًا، حتى الآن لا أزال أكتب عن الأشخاص المؤثرين في حياتي، كل من علمني حرفًا، كل من نصحني في مهنتي، كل من غيّر بالإيجاب في شخصيتي.
بيت القصيد هو أن المرض لم يغير مسار حياتي للأسوأ ،بل على العكس لقد استغليت تلك الفرصة في تحسين حياتي ومعرفة هدفي في الحياة في مرحلة مبكرة، وعلى الرغم من عدم التحدث عن مرضي حتى لأصدقائي المقربين خوفًا من اختلاط مشاعر صداقتهم بالشفقة، ورغمًا عن رفضي لأي امتيازات ودرجات إضافية بسبب مرضي إلا أني الآن لا أخشي معرفة الآخرين بحالتي الصحية، بل أصبحت أفتخر بكوني مميزة، ولا أنوي البحث عن هذا الدكتور لمعاقبته؛ لأن هذا قدري الذي وهبني الله إياه، ويا له من قدَر رائع جعلني أفضل في جميع نواحي الحياة.
العمل والدراسة
ومرة أخري بدّل القدر حياتي، فأثناء امتحانات الثانوية العامة (المرحلة الأولى) وقبل امتحان الكيمياء والرياضيات مرضت بشدة؛ ولهذا فقدت درجات كثيرة وحصلت علي (85%) فقط، تلك بالطبع كانت صدمة مروعة فحلم طفولتي كان دخولي كلية الطب لاختراع حقن لا تسبب ألمًا للأطفال أو لاختراع أدوية للأمراض المزمنة؛ لكن لو علمتم ما في الغيب لاخترتم الواقع، وهذا ما آمنت ولا أزال أؤمن به حتى الآن؛ فأنا شخصية لا تقوى على علاج المرضى، رحم الله امرأً عرف قدر نفسه، أنا شخصية عاطفية لو دخلت طب وأصبحت طبيبة كنت سأجلس بجوار المرضى أبكي بجوارهم؛ لكن لله الحمد تغير قدري وحصلت على 99,9% في الصف الثالث الثانوي، ودخلت إعلام وأصبحت صحفية أستطيع أن أسعد الناس بقلمي عوضًا عن المشرط.
الحب والعلاقات
هناك مقولة رائعة مفادها أن عليك الحذر من أحلامك فربما تصبح كوابيس، وهذا هو ما حدث معي بالفعل، في صغري وحتى الآن لا أتذكر سوي اسم “سيف”، هذا هو الاسم الوحيد الذي حصل على ضمان مدى الحياة في عدم نسيانه، كان صديقي في المدرسة الابتدائية كان معي في نفس الصف لمدة (5) سنوات، للأسف لا أعرف كيف ومتى علم بشأن مرضي؛ لكن الأمر بديهي فوقتها أمي وأبي سخَّروا كل المدرسة لحمايتي وحمل حقيبتي وزمزميتي، فطبيعي جدًّا أن يعلم أصدقائي بالأمر، ومنذ ذلك الحين وهو يدافع عني ويتحدث بلساني.
فيمنع طبيبة المدرسة من إعطائي أيّ تطعيم أو حقن إلا بعد استشارة طبيبي الخاص، ويقف دونًا عن باقي زملائي ليمنع هذا المعلم الغليظ من ضربي لدرجة أنهما تجادلا سويًّا، كانت تصرفاته تظهر مدى اهتمامه بي، لم أنسَ حتى يومنا هذا نظرة عيونه حينما أخذت رابطة شعري وجمعت خصلاته الكيرلي الكثيفة في تسريحة “ذيل الحصان”، شعوري تجاهه حينها كان عبارة عن خليط من الغضب والاحتقار؛ لأن الحب وقتها كان بالنسبة لي من المحرمات الكبرى، طبعًا بالإضافة إلي شكوكي حول حقيقة مشاعره؛ فلقد توهمت حينها أن تصرفاته معي نابعة من شعوره بالشفقة علي؛ ولهذا عاملته بجفاء وتجاهلته.
لم أذهب لتوديع أصدقائي حينما ذهب أبي لسحب ورق تحويلي للمدرسة الإعدادية؛ لأني كنت أخشى رؤيته؛ لكن منذ ذلك الحين وأنا أبحث عن ملامحه وصفاته في كل رجل صادفني وتعاملت معه، وللأسف لم أنسه لدرجة أني لم أتحمل الاستمرار في خطبتي وفسختها بعد شهرين من عقدها، في ذلك الحين كان بحوزتي أسباب حقيقية وجازمة لإنهاء الخطبة؛ لكن لا أنكر أيضًا أني وقتها لم أستطع تقبل وجود شخص آخر في حياتي؛ فعقلي ومشاعري قد تبرمجوا بالفعل على ملامح وصفات هذا السيف فقط دون غيره.
لهذا تمنيت مصادفته من جديد؛ لكن الإشارات التي أخبرتكم عنها قد جاءتني منذ (8) شهور؛ فحلمت به وفسرت الحلم على أني سأجده؛ لكن بعدها مباشرة رأيت أحداث الحلم أثناء فترة مرض شديد تعرضت له وحينما فسرت الحلم بطريقة صحيحة تعافيت تدريجيًّا، في تلك اللحظة علمت أن أحلامي قد تتحول لكوابيس وأن سيف ما هو إلا ماضٍ يمتص الحياة بداخلي ويقضى على حاضري ويهدد مستقبلي؛ لهذا تقبلت حياتي بدونه، ولم أعد أفكر في البحث عنه أو حتى التلفظ باسمه مجددًا.
الآن هل عرفتم كيف غيّرت الإشارات مسار حياتي، وكيف منحني القدر حياة أفضل مما كنت أتمنى؛ فالأحلام إشارات، والفشل إشارات، وحتى الأخطاء غير المقصودة ما هي إلا إشارات؛ لهذا نصيحتي لكم أن تسيطروا على حياتكم حتى إذا غيّر القدر خططكم وحتى إذا طلبت منك الإشارات أن تقف أو تنتظر قليلًا عليك أن تنفذ أوامرها، ولا تخف حتى إذا طلبت منك تغيير مسارك بأكمله فلا تتردد وثِقْ في نفسك وغيّرها؛ فربما هناك شيء في الغيب ينتظرك يفوق كل توقعاتك.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 29,562
مقال ملهم حول تجربة المرض والصحة
link https://ziid.net/?p=61282