كيف نتعامل مع مشاعرنا؟ (دروس من كتاب السماح بالرحيل)
من الصعب أحيانًا أن تتعامل مع المشاعر التي تنتابك ولكن إن حاولت أن تفهمها وتفهم نفسك وتتقبلها سيصبح التعامل معها أسهل
add تابِعني remove_red_eye 515
أبدأ مقالتي هذه بتساؤلٍ يدور في عقلي الآن: هل تُداوي العبارات الإيجابية جروحنا حقًّا؟ ولماذا نسعى وراء عبارات “الطبطبة” المعتادة؟
جميعنا بالطبعِ ندرك بأن الأيام لا يمكن أن تسير على وتيرة واحدة ونهج واحد طيلة حياة الفرد، بل إن لكل إنسان منا أقدارًا صعبة حتمًا كتلك الجميلة.
بدءًا من نزول أبوينا آدم وحواء من الجنة وحتى هذه اللحظة بينما أنت تقرأ هذه المقالة.. الإنسان يُعاني. فما الذي يسعنا فعله؟ نلجأ دائمًا للبحثِ عن المخرج، فمنّا من يلجأ لهوايةٍ يُمارسها، ومنّا من يرتادُ الأماكن التي تنفّس عنه كربته، ومنّا من يبحث عن “نداءات الإيجابية” ويهرب من مشاعره الحزينة كهروب الفريسة.
لطالما تساءلت هل تلك العبارات تَشفينا حقًّا؟ ولما نسعى للهروب من مشاعرنا مستعينينَ بهذه العبارات؟ حتى أرشدتني إحداهن بقراءة كتاب (السماح بالرحيل) للدكتور ديفيد هاوكنز، وإن كنتُ لم أُنهِ قراءته حتى الآن.. إلا أن الكتاب مدّني بالجواب الكافي من صفحاته الأولى! يقول هاوكنز: “إنه من أهم خطوات التخلّص من المشاعر السلبية، هي أن نعترف بوجودها”.
أي إنه وببساطة؛ هروبك من المشاعر السلبية وإخفاء حقيقة أنك تشعر بالأسى بارتداء الإيجابية الزائفة.. لا يجدي نفعًا. اعترافك لنفسك بوجود مشاعر سيئة تسكنك، هو أول خطوة للشفاء منها. بدأت أتأمل نفسي سابقًا، ثم محيطي ومجتمعي، الغالبية العظمى لا تتبنى هذه القناعة -وهو حقٌ لهم بالتأكيد- ولكن استنادًا إلى ما توّصل إليه العلم.. الهروب من مشاعرك لا يُشفيها، بل أيضًا إنهم يسمّون عملية اعترافك لنفسك وإقرارك بوجود مشاعر سلبية بـ “البؤس الهادف” أي: إنه المفتاح لشفاء روحك.
فتخيّل معي تجاهلك لمشاعر سلبية معينة لمدة زمنية طويلة، ستعيش حالة خوف من المواجهة تخفيها عن نفسك وتعرّض ذاتك لأي هزّة قد تهدمك أو تعيدك للنقطة الأولى التي لم تُعايشها سابقًا ولم تتح لها فرصة في الطلوع. بينما مواجهتك لتلك المشاعر، سيتعبك حتى يقويّك، وإن وصلت للقوة منذ البداية فلن تهدمك أيّ هزة مستقبلية.
مؤخرًا، لاحظت أن المجتمع الإلكتروني على وسائل التواصل باتَ ينقسم إلى قسمين؛ قسم ينغمس في أحزانه حتى يتآكل قلبه، فتجده لا يكتب إلا حزنًا، ولا يسمع إلا حزنًا.. وإن تأملّت واقعه لوجدت فيهِ من النعم ما الله بها عليم، وآخر يعيش إيجابية -غير واقعية- تعمي بصيرته وقد تؤثر على قرارات حياتية مصيرية.
لا بأس أن تحزن، ولستُ أقولها بداعي الإيجابية بل بداعي المنطقية.. فأنت بشر معرّض لكل هذا. معرّض للمرض، للتعب النفسي، لفقدان الشغف والشعور، معرّض لخسارة وظيفة أو فشل مشروع، معرّض لفقدان الأصدقاء والأحبة، معرّض لأي سموم تتخلل حياة البشرية لأنك بشر. أعطِ مشاعرك حقها -سلبيةً كانت أو إيجابية- عش حزنك وأعطه حقه ولكن لا تدعه يتمادى، لأن المشاعر إن لم تتح لها فرصة الظهور.. تتراكم، وإن تراكمت قد تعيق نضجك الروحاني ووعيك وقد تعرقل نجاحاتك في كثير من مجالات الحياة. فالأمر ليس بمجرد وسيلة لكسب راحتك من شعور يخنقك، بل هو بمثابة إنقاذ لذاتك المستقبلية.
كذلك هي المشاعر الإيجابية عشها في النطاق الذي لا يَعود عليكَ بالضرر، فمن الجيد وقت تعثرّك أن تأخذ حاجتك الكافية من الإيجابية، حاجتك التي تكفي لتمدّك بالطاقة لا أن تُصيبك بالتخمة! فأنا من أولئك الذين يؤمنون بالاتزان والوسطية في كل شيء، حتى في الشعور الإيجابي! المُبالغة دائمًا مؤذية وتستنزف طاقة الفرد، كصيادٍ يستمع لتعزيز والدته كل صباح، “تستطيع أن تصطاد صيدًا وفيرًا اليوم يا بني” بينما الابن يرتاد ذات النهر الملوّث منذ أعوام، النهر الذي لا تسكنه الأسماك إطلاقًا، فكم عامًا قد أفنى من عمره وهو يستمع لتلك الإيجابية الزائفة كل صباح؟ وكم يومًا عاد فيه للمنزل خالِيَ الوفاض مُحبطًا وحزينًا أضعافًا مضاعفة من شعوره بالإيجابية صباحًا؟
والأمثلة المشابهة في حيواتنا لا تُعدّ ولا تحصى، في مثل هذه الحالات لا تُعدّ الإيجابية أمرًا حميدًا، بل أصبحت كالعقبة التي منعته من محاولاتٍ أخرى لربما قد تكون أفضل من هذه بكثير. كن إيجابيًا فالإيجابية مطلب، ولكن حكّم عقلك. دائمًا عش مشاعرك، اسمح لها بالظهور، واسمح لنفسك بالشعور. ولكن؛ دع لتلك المشاعر حدًّا، وخصوصًا السلبية.. مُرَّ بها ولا تنغمس فيها. وشتّان بين المرور والانغماس.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 515
في هذه المقالة أطرح لحضراتكم فكرة تبنيتُها مؤخرًا في التعامل مع المشاعر السلبية والإيجابية
link https://ziid.net/?p=80011