هل عليّ أن أتبع شغفي دائمًا كي أنجح في الحياة ؟
اتباع الشغف ليس شرطًا أساسيًّا للنجاح في الحياة ففي بعض الأحيان يكون النجاح حليف من سار عكس شغفه
add تابِعني remove_red_eye 35,716
مع كثرة ما يتم تداوله عن أهمية اكتشاف الشغف وأنه السبيل إلى النجاح في الحياة وتحقيق الأمن الوظيفي والدخل المادي الوفير استوقفني السؤال التالي:
هل عليّ أن أتبع شغفي دائما كي أنجح في الحياة؟
والحقيقة أن الإجابة هي: ليس دائمًا.
ففي بعض الأحيان يكون النجاح حليف من سار عكس شغفه! وقد توصلت إلى ذلك بعد تتبع حالات قريبة مني بين الأهل والمعارف والأصدقاء ،ولعل ذلك يرجع إلى عدة أسباب جمعتها لكم في هذا المقال.
أولا : الظروف المادية الصعبة
نتيجة الظروف المادية التي تحيط بالبعض فإنه يضطر إلى تغيير مهنته أو تخصصه بما يتناسب مع إمكانيات أسرته، وأضرب لكم مثالًا على ذلك إحدى الأخوات- أعرفها شخصيًّا- كان شغفها وحلمها الذي يراودها دومًا هو دراسة الطب، ولكن لأجل إمكانيات أسرتها المتواضعة، وقلة الأشخاص المتكفلين بالأعباء المادية للأسرة آثرت تخصص الاقتصاد على الطب، لقلة تكلفته وقلة عدد سنواته مما يمكنها من الرجوع سريعًا إلى أهلها، ثم تخرجت من هذا التخصص وعملت به وامتد نجاحها فيه خارج نطاق عملها، واستطاعت أن تحصل على فرص وظيفية برواتب ممتازة، وتمكنت من الاندماج في تخصصها والإبداع فيه ودعم أسرتها رغم أنه مغاير لشغفها الأساسي.
ثانيا: سلم الرواتب في الشرق الأوسط
كما هو معروف فإن التخصصات الخصبة في الرواتب في منطقة الشرق الأوسط هي الطب والهندسة في الغالب، وبسبب الأوضاع المادية الصعبة التي تعيشها هذه البلدان فإن الشخص الذي يتحصل على معدل مرتفع في شهادة الثانوية العامة يتجه إلى دراسة هذه التخصصات في الجامعة، حتى وإن كان مغايرًا لشغفه الحقيقي كدراسة الجيولوجيا والأدب أو الإعلام وغيرها وهذا مشهور ومنتشر ومنطقي إلى حدّ ما، وقد سمعت من أحد معارفنا -وهو طبيب أسنان- أن ولده يدرس في الصف الخامس ويعشق مادة العلوم وأمنية حياته أن يدرس الكيمياء والمختبر عندما يكبر، وهو الآن يتابع التجارب المعملية بشغف من مصادر متنوعة، ولكن والده الطبيب يحاول جاهدًا أن يثنيه عن عزمه وذلك لضعف رواتب المعلمين والباحثين في هذا المجال، وهنا رغم جمال هدف ولده لكن الأب ينظر بنظرة الواقع حيث إن إمكانية أن يؤسس هذا الولد أسرة له في المستقبل بهذا الراتب ضعيف جدًّا.
ثالثا: الواقع الحقيقي للوظائف
من المشهور أن الوظائف المتوفرة حاليًا أو على الأقل لها سوق بين المستهلكين هي الوظائف التقليدية كالتدريس والمحاسبة والطب والهندسة والصحافة والإدارة والتسويق وغيرها، لذا فإن اكتشاف شغفك والعمل به في مجال خارج نطاق مثل هذه الوظائف قد يكلفك ثمنًا باهظًا، أوله أن تبقى من دون عمل لفترة طويلة وتصبح في عداد العاطلين، حيث لا معنى أن تعمل بشغفك وأنت لا تجد لقمة تسد بها رمقك أو تكفل لك حياة كريمة، مع التنويه على أنه قد ينجو من هذا من استطاع أن يبدع فيبتكر وسيلة تجمع بين شغفه وبين مثل هذه الوظائف أو أن يشق طريقًا آخر وينجح.
رابعًا: ارتباط الشغف بأمور قليلة النفع
قد يكون شغف بعض الأشخاص مرتبط بأمور قليلة النفع أو عديمة النفع أو حتى تجلب الضرر، فهل يعني ذلك أن يتبع شغفه مهما كان؟ بالتأكيد لا وإنما عليه أن يوطن نفسه على اتباع أمور تعود بالنفع عليه وعلى أسرته ومجتمعه وتضمن له حياة كريمة، لذا فإن نصيحة اتباع الشغف ليس دائمًا يصنف في النصاب الصحيح على الأشخاص الذين لا يميزون بين ما هو نافع وما هو ضار لهم، كمثل شخص شغفه مرتبط بأعمال محرمة شرعًا أو ممنوعة دوليًّا، فهنا يكون الفشل حليفه وليس النجاح رغم اتباعه لشغفه في بادئ الأمر.
وختامًا فإن ما أود قوله ليس نصيحة بعدم اكتشاف الشغف أو اتباعه، ولكن تقييم هذا الشغف المكتشف والموهبة التي أودعها الله فيك وإسقاطها على الواقع، ورؤية الحقيقة كاملة وأن لا تغتر بالمظاهر الخداعة لهذا العنوان البراق، ففي حالات متنوعة أثبت عدم جدواه خاصة إن أدى إلى عدم الرضا عن الحياة أو السخط من الظروف المادية خلال فترة اكتشاف الشغف واتباعه ،ومع هذا دعني أصدقك القول بأنني من الشخصيات التي أعجبت بما كتبته الأستاذة خلود بادحمان في كتابها “اكتشف شغفك” بل أنصحك بقراءته أيضا؛ لكنني أذكرك بالنقاط الأربعة السابقة التي أوردتها في هذا المقال كي يحدث التوازن والله أعلم. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 35,716
مقال يناقش فكرة اتباع الشغف، ومتى نتوقف عن اتباع الشغف أيضًا
link https://ziid.net/?p=68583